لعل المثير في زمن يتسابق فيه الناس إلى الكراسي و الوهم بتحمل " المسؤولية " واتخاذ كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق هدفهم وتنصيب أنفسهم زعماء وقادة ، ومع مرور الزمن يستأنسون بالكرسي وجاذبيته وينسون متطلباته وتبعاته سواء الدنيوية أو الأخروية. لا يتعلق ما سيتم تسطيره هنا بتنظيم بعينه ولا بجهة نقابية أو سياسية حزبية أو حركية ، ولكن غايتنا أن ننبه إلى ما بدأ يطفو إلى السطح من انحراف عن المنهج والطريق الذي رسمه الفاعل النقابي والسياسي والحركي وما اقتنع به من مبادئ لم يعد يعيرها اهتماما ويعدها طبيعية وعادية ، وهنا تكمن خطورتها حيث بتم التطبيع معها تدريجيا وبالتوافق الصامت والاستنكار الصامت أيضا في الغالب. إننا على يقين من صعوبة قناعة البعض مما سيتم طرحه الآن بالرغم من أن بوادره ومعالمه أصبحت جلبة ولا يمكن الاستخفاف بها ولا إخفاؤه لأنه بداية تحطيم الجسر والبناء المتماسك لأي تنظيم يتبنى الديمقراطية ويؤسس لها. نحن اليوم أمام انتكاسة ونكوص وردة عن اختيار ناضل من أجله الشرفاء وقدموا في سبيله الغالي والنفيس ، لكنهم بدؤوا يشاهدون سقوطه كما تتساقط أوراق الخريف. في معنى الكولسة ومعالمها: " الكولسة " تعني عند المسرحيين ما لا يراه الجمهور ويتم في الخفاء وتنسج خيوطه بعيدا عن المشاهدين ، وإن كان في مجال الإبداع إيجابيا ، فإنه يأخذ أبعادا أخرى تصل إلى المؤامرة في العمل السياسي والنقابي والحركي والمدني . إن تعدد التعابير في تحديد المفهوم ناتجة عن ثقافة ذات علاقة بمفاهيمنا التربويه وبمفهوم الغاية تبرر الوسيلة اما السياسات المتبعة في هذا المجال فهي بحد ذاتها سيف ذو حدين قد تؤدي الى نتائج تحقق الهدف المطلوب او تؤدي الى أهداف خارجه عن مفهوم المهنية . وقد تفيد عند البعض اذا ما انبثقت من منطلق تنظيمي ، وسموها بالتخطيط التنظيمي الهادف الى احداث تغير يعود بالنفع على المؤسسة . لقد نبت في الساحة السياسية والنقابية والحركية مصطلح «الكولسة»، وكانت تعني الحديث الجانبي بين فردين أو أكثر أحيانا ، وكانوا عادة ممَن تجمعهم أفكار ومواقف سياسية متقاربة ، وسرعان ما تحوَلت «كولساتهم» إلى نوع من اللقاءات المحرَمة في نظر القيادات العليا لفصائلهم ، التي رأت فيها «خلوات» لاستغابتها والتطاول عليها وعد بعضهم أن " الكولسة " في الحقول المذكورة سواء كان على صعيد محلي او خارجي ، عمل مشروع وضروري لتحقيق المطالب وإحداث التغيير. اما المؤامرة : هي مفهوم منطلقاته الانتقام وهي لا تأخذ بعين الاعتبار المنظومة الاخلاقية في التعامل ولا تراعي الاعتبارات الانسانية و الانماط الاجتماعية السائدة في مجتمعاتنا . زمهما تكن مبررات مستخدمي هذه الوسيلة في إحداث التغيير ، فإنها ستبقى متماهية مع المؤامرة لأنها تتم خارج المؤسسات ، وتضرب في أسس الديمقراطية التي من مرتكزاتها التداول على المسؤولية بالانتخاب والترجيح بناء على البرامج والأداء النضالي ، والفعل الميداني ، والقدرة على التدبير والقوة الإقتراحية وغيرها, إن أهم معلم من معالم " الكولسة " التآمر والترجيح خارج البناء المؤسساتي التنظيمي ، ومحاولة قطع الطريق على مناضلين وفاعلين سياسيين وحزبيين ونقابيين وحركيين ومدنيين ، مخلصين لإطارهم الجامع والمحترمين للمبادئ والأسس التي تم التوافق عليها ، ملتزمين ببرنامج التقاعد. إن " الكولسة " اصطفاف من أجل المغانم الدنيوية وفرض اختيارات لفئة قليلة على الجموع العامة وهو ما لا يستساغ ولا يقبل عقلا ولا شرعا مهما كانت مبرراته. فعل يقوم به الضعفاء لترضية البعض خارج مبادئ اللعبة ، وفي مخالفة صريحة للقوانين والمبادئ والأسس الديمقراطية المعتمدة والمتعارف عليها. إنها ديمقراطية مغشوشة ومزيفة وعلى المقاس ، ديكتاتورية بلبوس ديمقراطي تحمل البؤس وتقتل الاختلاف وإبراز الطاقات وقدراتهم . ومن أهم أهدافها إقبار العمل الجاد والتمكين لفئات من المجتمع في سياق التسلط الطبقي باحتلال مواقع قيادية ليسوا أهلا لها ، ولا يمتلكون من مواصفات القيادة إلا الاسم . وهكذا ينشأ جيل من القيادات الكارتونية التي لا تسمن ولا تغني من تدبير ولا تسيير ولا تستطيع تنزيل البرامج ولا أن تحقق الأهداف ولا التغيير المنشود . طرق معالجتها : إننا أمام ظاهرة مرضية تتضخم فيها الذات وتكون الولاءات على المقاس بناء على المغانم والتمكين لأفراد لم يتمرسوا على الممارسة الديمقراطية ، ولم يتدرجوا في المسؤوليات ، ولكن بقدرة قادر وجدوا أنفسهم في مركز المسؤولية " من الحمارة للطيارة" فكم من شخص لم يقد كتابة محلية أصبح بين عشية وضحاها قياديا في مكتب وطني مسيرا ومدبرا وآمرا ناهيا متحكما. إن مرض " الكولسة" خطير وتتجلى خطورته في قدرته على نسف البناء التنظيمي وترميز قيادات " كارطونية " ويقضي على الفاعل المجالي الذي يعمل في الميدان حقبة من الزمن دون كلل ولا ملل. ومن هذا المنطلق لا بد من وضع قوانين صارمة تقف سدا منيعا أمام الانتهازيين والمتسلقين والمتزلفين . ولا يحق لأي كان أن يحرض أو يقوم بالنيابة للدعاية لأحد من الفاعلين مهما كانت مكانته. ويبقى للتداول وما سمي عند البعض بالجرح والتعديل ، وتقديم نقاط القوة والضعف للمؤهلين للمسؤولية ، الفعل والأثر للترجيح بين القيادات. ولابد من أن يقدم الزعماء المفترضون برامج عمل للترجيح بينها. إن التحذير من هذا المرض الخطير دعوة للتنظيم المتماسك والبناء القوي من أجل ترميم الثقوب وتصحيح المسار والتمكين للديمقراطية الحقة .