جاء قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2285 بتمديد ولاية بعثة الأممالمتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية، المعروفة اختصارا ب"مينورسو"، لمدة عام واحد ينتهي بنهاية أبريل 2017، متوازنا ويصب في مصلحة المغرب بعد التوتر الذي نشب بين المملكة والأممالمتحدة في أعقاب تصريحات للأمين العام، بان كي مون، وصف فيها التواجد المغربي في الصحراء الغربية بأنه "احتلال"، وذلك أثناء زيارته الأخيرة التي قادته إلى مخيمات "تندوف" للاجئين الصحراويين على الحدود مع الجزائر. وردت المملكة المغربية في وقته على ما وصفته ب"انزلاقات بان كي مون"؛ حيث أعربت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، في بيان رسمي، عن تحفظاتها على التقرير الأخير منذ نشره، ورفضها التام لبعض العبارات الواردة في هذه الوثيقة، مؤكدة أن قرار مجلس الأمن يؤكد على مهمة المينورسو كما تطورت خلال السنوات الأخيرة، مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات التي عرفها الملف. وقد أدان العاهل المغربي الملك محمد السادس، في خطابه أمام القمة الخليجية- المغربية بالرياض في 20 أبريل الماضي، مصادر استلهام وعمل وأهداف الأوساط المعادية للوحدة الترابية للمملكة، والعاملة على زعزعة الاستقرار الإقليمي، ومنهم معاونو الأمين العام للأمم المتحدة. وعلى إثر تصريحات بان كي مون، قام المغرب بطرد 84 فردا من طاقم بعثة الأممالمتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية (مينورسو) من مدينة العيون الصحراوية، وأعلن وقف المساعدة المالية التي دأب على تقديمها للبعثة، كما أبدى عزمه سحب جميع جنوده المشاركين في قوات حفظ السلام الأممية عبر العالم، مما زاد من التوتر والأزمة. وكان المغرب قد طالب بتغيير دورية انعقاد اجتماع مجلس الأمن الدولي لينعقد مرة كل سنتين، بدلا من مرة كل سنة، فيم يحاول خصومه عقد الاجتماع مرتين في العام الواحد لإبقاء الضغط قويا على الرباط، على حد زعمهم. وتعتبر طبيعة مهام ولاية بعثة المينورسو موضوع صراع كبير؛ حيث يسعى المغرب إلى حصرها في مراقبة وقف إطلاق النار وسحب اختصاص تنظيم الاستفتاء من البعثة بعد فشل الأممالمتحدة في تحقيقه، فيم تسعى جبهة البوليساريو المعارضة إلى توسيع صلاحيات البعثة لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية. وقد صوتت لصالح القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة الماضي، 10 دول هي الولاياتالمتحدة، مصر، فرنسا، بريطانيا، الصين، إسبانيا، أوكرانيا، ماليزيا، اليابان والسنغال، مقابل رفض دولتين هما أوروجواي وفنزويلا، وامتناع ثلاث دول عن التصويت هي روسيا، نيوزيلندا، وأنجولا، بعد أن شهدت الجلسة انقسامات واضحة بين أعضاء المجلس، البالغ عدهم 15 عضوا، بشأن التوصيات التي قدمها بان كي مون في تقريره إلى أعضاء المجلس قبل يومين من انعقاد هذه الجلسة حول "مينورسو"؛ إذ أعرب من صوتا بالرفض (أوروجواي وفنزويلا) عن سخطهما إزاء ما سمّياه "عدم صدور بيان أقوى والفشل في إدانة تصرفات المغرب"، على حد وصفهما. وفي قراره رقم 2285، أكد مجلس الأمن الدولي التزامه مجددا بمساعدة الطرفين (المغرب وجبهة البوليساريو) في التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الجانبين، مع حثهما على إظهار المزيد من الإرادة السياسية للمضي قدما نحو التوصل إلى حل شامل ونهائي، وذلك عن طريق توسيع نطاق نقاشهما حول ما يطرحه كلاهما من اقتراحات، والتعاون مع مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين في تنفيذ خطة العمل المتعلقة بتدابير بناء الثقة. وشدد مجلس الأمن في القرار على الحاجة الملحة لعودة بعثة "مينورسو" لممارسة عملها بشكل كامل، وأن يبلّغ الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مجلس الأمن في غضون 90 يوما بما إذا كانت البعثة عادت إلى ممارسة عملها بكامل قدراتها، وفي حال عدم تحقيق ذلك، سيدرس مجلس الأمن آنذاك أفضل السبل لتسهيل تحقيق ذلك الهدف. وحول ملف حقوق الإنسان في الصحراء، أكد القرار على أهمية تحسين حالة حقوق الإنسان، وحث الطرفين، المغرب والبوليساريو- التي تتهمها المغرب باستغلال اللاجئين دوليا للاستفادة من المساعدات- على العمل مع المجتمع الدولي على وضع تدابير تتسم بالاستقلالية والمصداقية لكفالة الاحترام التام لحقوق الإنسان. ووصف قرار مجلس الأمن الجهود التي يبذلها المغرب للمضي قدما في مسلسل تسوية نزاع الصحراء ب"الجدية وذات المصداقية"؛ إذ أكد أنه يحيط علما بالمقترح المغربي الذي قدم إلى الأمين العام في 11 أبريل 2007، وبالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية نحو تسوية النزاع . وفي تعليقها على قرار مجلس الأمن، اعتبرت وزارة الشؤون الخارجية المغربية أن القرار يشكل انتصارا لدبلوماسيتها، وانتكاسة صارخة لجميع مناورات الأمانة العامة للأمم المتحدة، خاصة منها تلك التي تم القيام بها خلال زيارة الأمين العام وتلك التي وردت في تقريره الأخير، مشيرة إلى أن هذه المناورات تهدف إلى تحوير معايير الحل السلمي وإحياء خيارات متجاوزة وإدراج عناصر غير معترف بها من قبل مجلس الأمن. ورغم محاولات البعض إفراغ هذا القرار من مضمونه، أكدت المملكة المغربية أنها ستواصل، في إطار الاحترام الكامل للقرارات التي اتخذتها، الحوار من أجل التوصل إلى الحلول اللازمة التي تتيح تخفيف الانزلاقات الخطيرة للأمين العام خلال زيارته إلى المنطقة، وضمان السير الجيد للمينورسو، خاصة في مهامها الأساسية المتمثلة في مراقبة وقف إطلاق النار ونزع الألغام في المنطقة العازلة شرقا، كما ستواصل بحسن نية وعزم انخراطها في المسار السياسي لتسوية هذا النزاع الإقليمي المفتعل. وسبق أن تقدم المغرب بمقترح الحكم الذاتي لإقليم الصحراء كأساس للحل النهائي للازمة المفتعلة، والذي سيسهم في المحافظة على أمن واستقرار المنطقة، معتبرا أن إقامة دولة بدون مقومات هو بمثابة مغامرة لزرع الفتنة وعدم الاستقرار، وهو ما وصفه مجلس الأمن الدولي بأنه "مقترح جدي وذو مصداقية". وكانت الولاياتالمتحدة قد تقدمت في البداية بمشروع قرار بتوسيع مهام المينورسو بإجراء تحقيق حول حقوق الإنسان في إقليم الصحراء قوبل باستياء من المغرب، مما أدى بواشطن إلى تقديم نص معدل، جرى التصويت عليه من مجلس الأمن، تضمن ضرورة تشجيع احترام حقوق الإنسان، لكن من دون إدراجه في المهمة. ويقول ناشطون مغاربة إن المجتمع المغربي، بكل أطيافه السياسية والنقابية والمدنية بالإضافة إلى الدبلوماسية الرسمية، أعطى إشارات واضحة وصريحة للمجتمع الدولي بخصوص الدفاع عن قضيته الوطنية ووحدته الترابية على كافة أقاليمه. وتعد المهمة الأساسية لبعثة "مينورسو"- التي تتكون من 230 فردا من بينهم جنود وضباط شرطة ومراقبون عسكريون وموظفون مدنيون دوليون ومحليون ومتطوعون- تنظيم استفتاء في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها لتقرير مصير سكانها وحفظ السلام ومراقبة تحركات القوات المتواجدة في الصحراء الغربية من الجيش المغربي والجيش الصحراوي بقيادة جبهة البوليساريو، وقد تأسست بقرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 690 في أبريل 1991، ويوجد مكتبها المركزي بمدينة العيون، بالإضافة إلى 11 مركزا موزعة على كل المنطقة المتنازع عليها ومخيمات اللاجئين الصحراويين قرب مدينة "تيندوف" الجزائرية. وبعد ثماني سنوات من العمل، قدمت المينورسو جملة من الاقتراحات؛ من ضمنها أن من يحق لهم التصويت في حالة إجراء الاستفتاء هم الصحراويون الذين تم إحصاؤهم من طرف الإدارة الإسبانية عام 1974، مما أدى بالمغرب إلى تقديم أكثر من 130 ألف طعن على اللائحة، فتوقفت خطة الاستفتاء الأممية بالصحراء بسبب الخلافات الحادة بين الطرفين بشأن من يحق له التصويت. فجبهة البوليساريو أصرت على اعتماد السكان الذين أحصتهم إسبانيا قبل جلائها وكل من يحمل وثائق إسبانية أصدرتها أيام احتلالها للإقليم، وهو ما لقى اعتراضا من جانب المغرب لكون بعض قبائل المنطقة هاجرت أيام الاحتلال الإسباني إلى مناطق أخرى وسط المغرب، ولكونها لم تكن متواجدة في الإقليم وقت الإحصاء الإسباني، فإنها لا تتوفر على وثائق إسبانية. وقد رفضت البوليساريو إدخال هذه القبائل في الإحصاء متهمة الرباط بمحاولة إدراج قبائل مغربية في الاستفتاء، كما أن المغرب اتهم البوليساريو بجلب صحراويين من قبائل مالي وموريتانيا والجزائر وإسكانهم في مخيمات تندوف وتقديمهم كصحراويين فروا من منطقة النزاع. وفي عام 2000 صدر قرار لمجلس الأمن بناء على مبادرة أمريكية- فرنسية تقترح حلا سياسيا لمشكلة الصحراء، ودعوة الطرفين إلى حل تفاوضي يستبعد خطة الاستفتاء. وهذا ما دفع بالأممالمتحدة إلى تقديم الحل الثالث، أو اتفاق الإطار، الذي ينص على أن تمنح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا موسعا مع البقاء تحت الحكم المغربي في غضون خمس سنوات، يمكن بعدها إجراء الاستفتاء، وهو ما ترفضه البوليساريو، وكان قد سبق هذا الحل، على مدى السنوات الماضية، حلان؛ أحدهما يقترح منح الإقليم الاستقلال والثاني يدعو إلى انضمامه إلى المغرب. ويتحفظ المغرب، الذي يسيطر على 80 % من مساحة الإقليم بينما تشكل المنطقة العازلة بين المغرب وموريتانيا 20 % من مساحة الصحراء التي تقدر بحوالي 266 ألف كيلو متر مربع، على المحاولات التي يبذلها أعداء مقترح الحكم الذاتي بتوسيع صلاحيات بعثة المنيورسو بشكل يسمح لها بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان، باعتبار أن ذلك يعد تغييرا في طبيعة مهام البعثة التي هي للاستفتاء وليس لحقوق الإنسان. وفي 25 أبريل 2013، تبني مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم 2099 الذي مدد ولاية البعثة من دون توسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الإقليم، وتراجعت واشنطن عن مقترحها في النسخة الأولى من مشروع القرار بسبب الحملة الدبلوماسية الناجحة التي أدارها المغرب لمواجهة توسيع مهمة المينورسو، والتي تدعم مقترح الحكم الذاتي للإقليم تحت سيادة المملكة. *مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط ومراسلها بالرباط