"أي يصير النص تابعا لا متبوعا على منهجية إبليس الذي اعترض على النص " اسجدوا لآدم" بمصلحته : " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين "...والعالمية الوظيفية غير معنية بالبيان... مرجعية العلماء الموظفين هي الدولة المطلقة وليس الكتاب والسنة...الدكتور بن شقرون أقيل حين اتخذ الكتاب والسنة مرجعية له..." (المقال). قال تعالى : " إنما يخشى الله من عباده العلماء" ، فإذا كانت مخافة الله وخشيته سنام العلم الرباني أو شئت قلت العالمية الأصيلة ، فإن مخافة السلاطين والخوف على الإمتيازات هي سنام العلم الوظيفي أو شئت قلت العالمية الدخيلة..إن مفهوم العلم أو العالم وقعت عليه عوامل الحت والتعرية والتجوية التاريخية فصار كالحصاة الناجمة عن جلمود صخر حطه السيل من عل ! بعد أن جاء المتصوفة ببدعة تقديس الشيوخ خاصة في المرحلة الطرقية للتصوف ، ظهرت هذه البدعة في ميدان الفقه فقدس شيوخ المتون والحواشي والمختصرات على الحواشي ، وكما صار المريد يطلب "الوصول إلى الله" والتفقه في الدين عبر وساطة شيخه ، صار الطالب يطلب التفقه في أحكام الشرع عبر وساطة "الفقيه"، وبدل أن يتم تعرف الأحكام الشرعية من منابعها الأصيلة ، صارت المتون والحواشي والمنظومات طُلْبة الطَّلَبة ، فمثلا بدل أن تستمد أحكام الطهارة من قراءة الطالب للقرآن وسنة النبي وحفظ نصوصها ، صارت أبيات بن عاشر أولى ، وقس على ذلك الأحكام اللغوية ! وكما كانت لمشايخ التصوف هالة ألقاب لا تنتهي : الشيخ القطب ، الغوث ، الرباني ، الصمداني ، المحمدي ، الواصل ، الموصل ، العارف بالله ، منارة الحقيقة ، الكبريت الأحمر...صارت لشيخ الفقه ألقابه كذلك : العالم العلامة،النحرير،البحر الفهامة المطلع المحيط ...وغيرها مما لا علاقة له بقواعد قد يتطلبها التخصص العلمي كما في مصطلح الحديث،مع أن الله تعالى قال للجيمع : "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" ومع أن الفقهاء الذين زكى رسول الله مرحلة ظهورهم كانوا يكثرون من "لا أدري" في أجوبة السائلين ! فكيف تستقيم هالة الألقاب تلك مع قلة العلم ولا أدري ؟ ولم يكن أمر التصوف والفقه وهما معا موضوع بدعة التقديس والخضوع للشيخ معروفا قبل القرن الثاني الهجري ، لقد حدثنا أبو حامد الغزالي في إحياءه عن تخصيص مصطلح الفقه وتحريفه عن مقتضاه الأصيل ، لأن الفقه في الأول كان معنيا بأحكام الجوارح كما كان معنيا بأعمال القلوب ، أي أن الفقه حسب الغزالي كان يعني التصوف أيضا ، لكن لما اتسعت رقعة الإسلام واحتك المسلمون بالحضارات الأخرى وازدهرت التجارة وتشابكت المعاملات صار لزاما على الفقهاء أن يواكبوا هذا التطور وهو ما أدى إلى نوع من طغيان التفكير الفقهي النظري على الإهتمام بأعمال القلوب وبتزكية النفس، فبعد أن صار الفقه كما قال أبو حنيفة : " معرفة النفس مالها وما عليها" جوارحا وقلبا ، صار الفقه عند المتأخرين باختزال " معرفة الأحكام الشرعية المستمدة من أدلتها التفصيلية" ، فظهر الإهتمام بالدنيويات وأهملت الإيمانيات ، فكانت ثلة من المسلمين مدركة لذلك فأسسوا أولى مراحل التصوف عرفت بالزهد لتتطور فيما بعد باختلاط الأصيل مع الدخيل إلى مراحل التصوف الفلسفي والبدعي ثم الطرقي وظهور الصراع بين الفقهاء والصوفية استمرارا للصراع بين فرق المسلمين الذي كان لأجل السياسة المتوارية خلف السلفية ونبذ البدع، أي أن الفقهاء والصوفية أخذوا مشعل الصراع السياسي عن المعتزلة والخوارج والشيعة وأهل السنة والجماعة ، وبالرغم من أن الصوفية عرفوا بالزهد والإعراض عن الدنيا إلا أن ذلك لم يمنعهم من النصح للسلاطين أو التنكيل بظلمهم للناس ، وفقهاء السلاطين كانوا في الموعد دوما لكي يصدروا فتوى للقتل بحق الحسين بن منصور المعروف بالحلاج ، وبالرغم من أن السلفية يشتغلون بالأحكام الفقهية إلا أنهم لم يكونوا في بدايتهم مع بن تيمية وبن القيم مع السلاطين مضللين للناس بل إن بن تيمية لعب دورا بارزا في مرحلة خطيرة مرت بها الأمة الإسلامية حين كان التصوف يضم كل المعتقدات وكل الإنحرافات ، كان بوابة للإستسلام أمام التتار حين نظم بن عربي الحاتمي- الملقب بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر- : "عقد الناس في الإله عقائد///وأنا أعتقد جميع ما اعتقدوه" و"لقد صار قلبي قابلا كل صورة فمرعى لغزلان، ودير لرهبانِ وبيت لأوثان"، وحين ألف "فصوص الحكم" ! لكن بن تيمية تصدى لهذا الإنحراف نظرا لخطورته على كيان الأمة الإسلامية في الظرف الحساس الذي تمر به ، والتاريخ يعيد نفسه اليوم والتتار هم الأنظمة السياسية و الغرب بزعامة الولاياتالمتحدة وبن العربي هم الصوفية والفقهاء السلفيون وغير السلفيين ، وأين بن تيمية ؟ حتما ليس فكر بن تيمية القديم مواتيا لمتطلبات المرحلة لأننا لا نعيش زمانه الغابر ولا الأمة الإسلامية تعيش زمانها الراهن ! لقد كان الغزالي ذا نظرة ثاقبة حين رأى أن الفقه قد مات لما تم فصله عن أحكام الباطن ، أو عن أعمال القلوب ، لذلك سمى كتابه :"إحياء علوم الدين " ، أي أن الفقه لا يحيى إلا بالتصوف الأصيل ، وأي فائدة للأحكام الظاهرة دون الأحكام القلبية الباطنة ؟ أي فائدة من أن يعرف المسلم ركن التوحيد بتقسيماته الكلامية وقلبه لم يتحقق بمقتضى لا إله إلا الله ؟ وهو يخاف من السلاطين أو من فقد مرتبه الشهري ويزعم الخوف من الله ، ويزعم أن الله هو الرزاق وليس السلطان ؟ ثمة خلل كبير ، وهذا التكالب على أحكام ظاهرة جلب المضرة للإسلام لا للمسلمين ، كيف نقنع الناس أنه ليس في الإسلام وثنية كما قالت نوال السعداوي حين رأت المسلمين يطوفون حول الكعبة ويتمسحون بالحجارة ؟ أين هي مقاصد العبادات ؟ لا شيء ، أجسام بلا أرواح...وحين يصل المسلمون إلى مرحلة التقاتل على اللحية والقبض والسدل ، فالسلام عليهم ورحمة الله ! حفظ القرآن وفهمه،حفظ الحديث رواية ودراية ، كاف عند البعض لبلوغ مرتبة العلماء حقا ، مع أن أحد الصحابة لم يحفظ سورة البقرة إلا في مدة 10 سنوات ، وبمنطق الجفاف يكون المتأخر الذي حفظ البقرة في شهر أفضل من هذا الصحابي ، ولكن الواقع أن الصحابي لم يكن يحفظ ويفهم فحسب بل كان يتحقق بما تحمله السورة من أخلاق وهو ما لانجده اليوم عند "العلماء النحارير" الذين يحفظون الأعاجيب ، ولكن يأتون من الافعال ما تستحي الشياطين أن تفعله ولا أقل من ذلك من يموه الناس ويبيع دينه للسلطان ويبرر له ! الوضاعون في الحديث والمدلسون لم يكونوا جهلة ، والغزالي نفسه الذي ملأ كتابه بالخرافات وهو العقلاني الرهيب لم يكن جاهلا والبعض يتحدث عن علاقاته الوطيدة بسلطان زمانه رغم أن زمانه كان فترة حروب صليبية وهو مالم يتحدث عنه الرجل ولو في كتاب من كتبه..وهو الصوفي ! لم يكن الشيطان الرجيم جاهلا وقد رأى ما لم يره حتى الأنبياء بله ثلة من علماء الدنيا، والشيطان له سموم ينفثها وقد احتال على من ينعتون بالعلماء وزين لهم أعمالهم وسيعمل على ذلك كما أخبر القرآن " ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين "، ومع ذلك لم يلقبه الله بالعالم - بالرغم من أن سياق الآية يفيد أن الشيطان عالم مستقبليات ومخطط بارع وعالم نفس وهي علوم حديثة لا تجتمع عند فقيه - لأن الله حدد مفهوم العالم ما هو في غنى عن تعريفات أهل الجفاف ذوي التفننات الخطابية " إنما يخشى الله من عباده العلماء " وقوله تعالى : " الذين يوتون ما آتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون، أولئك يسارعون في الخيرات، وهم لها سابقون " ، هذه الخشية هي التي كان يفتقدها الشيطان " وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر " ، فالكبر كان الآفة الأولى وبدعة شيطانية ، فكيف يستوي العلم مع هذه الآفة ، حتى الذين لهم معرفة نظرية راسخة مع أمراض في القلوب وصفهم الحديث بأنهم دعاة على أبواب جهنم وتطرق لسياق محاسبتهم بين يد الله تعالى. لكن التطور الأخير الذي وقع على مفهوم العالم في ظل الدولة المطلقة ، هو ما أسميه بالوظيفية ، والمغرب نموذج صارخ ، فالعالم لم يعد يعني في ظل الوظيفة الرسمية أيا مما تطرقنا له ، أي المعرفة الإسلامية الواسعة وهي ما اصطلح عليه بالموسوعية ولا عمل القلوب ، أي أنه ليس من شرط "العالم الموظف" أن يكون موسوعيا ولا خائفا من الله ، لأن قضية الموسوعية اليوم غير واردة بالنظر لمناهج العلم الشرعي إنما هو التخصص داخل التخصص ، ثم قضية الخوف من الله لا تعنى بها القوانين ، والعالمية الوظيفية غير معنية بالبيان أولا لأن لها حدودا رسمية يجليها القانون المنظم بكونها وظيفة يؤدى الأجر عليها وثانيا لأن هناك قضايا خرست عنها ألسن العلماء الموظفين ولا يتحدثون إلا حين يقال لهم تحدثوا ولايمكن لمن تكون مرجعيته النهائية هي الدولة المطلقة وليس الكتاب والسنة ، أن يتحدث خلافا لهذه المرجعية وإلا كان ذلك سببا من أسباب إقالته كما حدث للدكتور بن شقرون عندما ندد بإسراف المال العام على الشواذ في مهراجان الشيطان ! والمعنى أن الرجل حين خالف المرجعية النهائية إلى الكتاب والسنة الذين يحرمان الإسراف وجعلاه عنوان الأخوة الشيطانية " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" طرد وأقيل من مهمته الرسمية الوظيفية كما يقال الموظف حين يأتي إجراء يخالف القانون أو قولا يندرج ضمن سوء السلوك المهني ! ومنهم من كان ضد بنود مدونة الأسرة ولكنه اليوم يراها اجتهادا صائبا ! وهم لا يرون بأسا في الإقتصاد المغربي رغم مخالفته الصريحة لأحكام المعاملات الإسلامية ، لديهم فقه المقاصد وفقه الموازنات ، ومنهجية لي الأعناق ! أي يصير النص تابعا لا متبوعا على منهجية إبليس الذي اعترض على النص " اسجدوا لآدم" بمصلحته : " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " ، توهم الشيطان أن الله قد قصد بخلقه من النار تفضيله وهذه المصلحة غير معتبرة لأنها صادمة النص القطعي الصريح وهو ذات ما يفعله بعض "المقاصديين" حين يحلون الربا وبيع الخمور والقمار وهي الأعمدة الثلاثة للإقتصاد المغربي ! وفي الحقيقة هم خارج دائرة إصدار الأحكام والإجتهاد لأنهم موظفون، والوظيفة إجراءات مرسومة ولعل خطاب الحسن الثاني للعلماء سنة 1984 أبرز هذه الحدود بوضوح. لم يكن فريد الأنصاري بحاجة لوضع برنامج لطلبة العلم ليتبعوه لولا أنه رأى الجامعات المغربية مجرد خرب كما عبر ، ومناهج العلوم الشرعية مخرومة أريد بها سوء ، ووصف برنامجه بالقاصر ولكنه عروة الطلبة الذين تمارس عليهم المجازر بكلياتهم فيتخرجون من الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية ودار الحديث الحسنية وهم لا يعرفون يمينهم من شمالهم في العلوم الشرعية لاهم بالشرعيين ولا بالقانونيين ، إنما في واد بين الوديان. [email protected] facebook : hafid elmeskaouy أنغميس : http://www.anrmis.blogspot.com