قدم الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فجر اليوم، تقريره السنوي حول الصحراء، بعد أن تم تأجيله خلال الأسبوع الماضي. التقرير الحامل لرقم S/2016/355 لفت، في مقدمته، إلى الأزمة بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة، حيث أورد أن زيارة هذا الأخير إلى مخيمات تندوف والجزائر "قوبلت باحتجاج قوي من طرف الحكومة المغربية على كلماتي وتصرفاتي خلال الزيارة"، مواصلا أن المغرب طالب بتوضيحات حول هذه التصريحات وقام بتنظيم مظاهرات في كل من الرباطوالعيون. وقال كي مون إنه لم يتوان في التأكيد للجانب المغربي على أنه غير متحيز لطرف على حساب الآخر، أو أنه كان يتعمد القيام بسلوكيات معادية للمملكة، "كما أن كل التصريحات والمواقف التي عبّرت عنها لا تنم عن تغيير في موقف الأممالمتحدة من قضية الصحراء"، بحسب التقرير. وشدد الأمين العام للأمم المتحدة على أن الحل السياسي يجب أن يضمن اتفاق الطرفين على وضعية الصحراء، بما في ذلك الاتفاق حول طبيعة تقرير المصير. كي مون عبّر عن قلقه من المحيط الذي تشتغل فيه بعثة المينورسو، مشيرا إلى أن الأوضاع قد تتدهور بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، وأن مهمة المينورسو لا يمكن أن تكون كاملة بدون البعثة السياسية التي رحلها المغرب، كاشفا أن سحب المملكة مساهمتها المالية، أدى إلى تقليص إمكانيات البعثة، واقترح الرفع من عدد البعثة بزيادة 14 عنصرا من الأطباء العسكريين، في انتظار تقييم معمق لإمكانياتها. الأمين العام للأمم المتحدة طالب مجلس الأمن بتمديد مهمة بعثة المينورسو، معتبرا أنها من قوات حفظ السلام الناجحة في العالم، محذرا من عودة النزاع المسلح بين المغرب والبوليساريو في حال تم سحب البعثة. وخلال زيارته إلى مخيمات تندوف، يقول بان كي مون، وقف على الوضع الصعب الذي تعيشه ساكنة المخيمات، وهو ما دفعه مجددا إلى طرح فكرته التي سبق أن أعلن عنها من الجزائر، والمتمثلة في الرفع من المساعدات لساكنة المخيمات، ما يؤكد أنه كان فعلا ينوي تنظيم مؤتمر للمانحين. تقرير كي مون رحّب بالإجراءات الحقوقية التي قام بها المغرب، من بينها الاختصاصات الممنوحة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في الجنوب، بالإضافة إلى استقبال عدد من المقررين الأمميين، من ضمنهم المقرر الخاص بمناهضة التعذيب، إضافة إلى مصادقته على اتفاقية مناهضة التعذيب. وبخصوص ما يثار حول استغلال ثورات المناطق الجنوبية، قدم الأمين العام للأمم المتحدة ما يعتبره وصفة لحل المشكل، تتجلى في ضرورة استفادة ساكنة المناطق من هذه الثروات، وأسبقيتها في استغلال عائداتها. وقام الأمين العام للأمم المتحدة بسرد التطورات التي تلت زيارته إلى مخيمات تندوف والجزائر، وفي مقدمتها ترحيل الشق السياسي لبعثة المينورسو، قبل أن يتطرق إلى رد فعل جبهة البوليساريو من خلال الرسالة التي توصل بها من محمد عبد العزيز تطالب بتحمل مجلس الأمن مسؤولياته في إعادة البعثة إلى عملها. وبغض النظر عن الأزمة بينه وبين المغرب، أكد بان كي مون أن الأوضاع على الصعيد الميداني بقيت هادئة، باستثناء الحادثة التي وقعت يوم 27 فبراير من العام الحالي، عندما قام جنود القوات المسلحة بإطلاق النار على شخص اقترب من الجدار الأمني العازل. وأورد بان وجهتي نظر كل من المغرب الذي اعتبر أن الشخص المعني اقترب من المناطق المحظورة، والبوليساريو التي رأت في الحادث اغتيالا لمواطن صحراوي ووجهت رسالة إلى المجلس العالمي لحقوق الإنسان في هذا الصدد. تقرير بان كي مون تحدث، أيضا، عن الانتخابات الأخيرة التي عرفها المغرب والتقسيم الجهوي الجديد، موردا أن الممثل الدائم للمغرب في الأممالمتحدة، عمر هلال، أخبره بأن التقسيم الجهوي الجديد سيمكن جهات الجنوب من صلاحيات في تدبير مواردها المالية والطبيعية لتنمية تلك المناطق. ويظهر من التقرير أن استخدام تعبير "تقرير المصير" ليس جديدا على الأمين العام للأمم المتحدة، حيث سبق له أن استعمل العبارة نفسها في تقرير العام الماضي عندما عبّر عن أسفه لعدم انطلاق مفاوضات بين المغرب والبوليساريو بدون شروط مسبقة. واعتبر أن الأمر قد يؤدي "بالشعب الصحراوي إلى تقرير مصيره"، وهو ما أثار حفيظة المغرب آنذاك؛ حيث احتج على الأمين العام للأمم المتحدة، واعتبر تقريره لا يتماشى مع قرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى حل سياسي متوافق عليه. في المقابل، اعترف بان بأن تصريحاته لاقت ترحيبا من طرف البوليساريو؛ حيث اتصل به زعيم الجبهة ليؤكد له أنهم مستعدون للتعاون معه. وأشار الأمين العام الأممي إلى الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى العيون بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، ولفت إلى أن الملك شدد خلال خطابه من هناك على أن مداخيل الثروات الطبيعية في المنطقة ستخصص لتطوير المنطقة، بالإضافة إلى تمثيلية حقيقية لساكنة المنطقة في تسيير شؤونهم، دون أن يغفل مخطط تنمية الأقاليم الجنوبية الذي خصص له المغرب مبلغ 77 مليار درهم. المثير في التقرير أنه قدم صورة مغايرة للواقع في ما يتعلق بالأوضاع في مخيمات تندوف، حيث اعتبر أنها تعيش في حالة من السلم والهدوء، وأن هناك حياة اجتماعية، مشيرا إلى أن مستوى المعيشة في المخيمات قد تراجع بسبب تراجع المساعدات الإنسانية، في حين تغاضى عن الإشارة إلى تورط قيادة البوليساريو في التلاعب بالمساعدات الإنسانية، بحسب ما كشف عنه الاتحاد الأوروبي، كما أنه لم يتحدث عن الوضع المزري الذي يعيشه ساكنة المخيمات بعد الفيضانات التي عرفتها المنطقة، ما دفع منظمة اليونيسيف إلى إطلاق نداء استغاثة لمساعدة الساكنة. وقال بان كي مون إنه تلقى خلال العام الماضي 11 رسالة من طرف المغرب يؤكد فيها تشبثه بالحل السياسي، وبكون مقترح الحكم الذاتي هو الحل الوحيد لنزاع الصحراء، ويشدد على احترامه لحقوق الإنسان، ويحرص على الاستثمار في المنطقة لتنميتها. الأمين العام الأممي اعتبر أن التقدم في المفاوضات حول نزاع الصحراء يمكن أن يتحقق في حال قررت الأطراف تغيير مواقفها، مشيرا إلى أن المغرب يعتبر أن الصحراء جزء من ترابه وبأن الحكم الذاتي هو المقترح الوحيد الذي يمكن التفاوض على أساسه، بينما تصر جبهة البوليساريو على استفتاء يضم خيار الانفصال عن المغرب. وشدد كي مون على أن الحل هو أن تكون جميع هذه الأفكار مطروحة على طاولة المفاوضات بين المغرب والبوليساريو فقط، بدون حضور الجزائر.