ما مدى تأثير تقليص نسبة العتبة الانتخابية من 6 بالمائة إلى 3 بالمائة على المشهد السياسي المغربي و هل هناك مبررات نظرية لمثل هذه القرارات؟ مما لا شك فيه أن نتائج الانتخابات البرلمانية لسنة 2011، بصمت على مشهد سياسي كان هو الأقل تعقيد و الأكثر فعاليةً في تاريخ المغرب. فسيطرت أربعة إلى خمسة أحزاب مغربية على أغلبية مقاعد مجلس النواب منح الفرصة لتشكيل أغلبية و معارضة قويتين بالإضافة إلى خلق جو من المنافسة بين الأحزاب من أجل تشكيل الحكومة و تقوية صفوف المعارضة في نفس الوقت (فانحصار المنافسة بين عدد قليل من الأحزاب يجعل من منطق التحالفات أقل تشرذما و أكثر "براڭماتية")، و هو ما قد يضفي على المشهد السياسي نوعا من الوضوح و السهولة في الاستيعاب بالنسبة للمواطن العادي. و الفضل في هذه النقلة "النوعية" قد يكون للعتبة الانتخابية التي بلغت نسبة 6 بالمائة، مما نتج عنه نوع من "الغربلة" والإقصاء لمجموعة من الأحزاب الصغيرة و "الطّفيلية"، التي كانت تعيش عالة على المال العام زيادة على تدميرها لمنطق "القطبية السياسية" بتفتيتها للمشهد السياسي و "بلْقَنتِه". لكن هذا المنحى الإيجابي قد يعود القهقرى إذا تم إرجاع الأمور إلى ما كانت عليه قبل انتخابات 2011 و بالتالي السماح "للدكاكين الإنتخابية" بالعودة إلى أوْجِ عهدها. إن تقليص نسبة العتبة الانتخابية عادةً ما يكون من أجل السماح لِجميع الأطياف و المكونات السياسية و كذا لِبعض الأقليات بإسماع صوتها، لكن هذا يحدث غالباً في ديمقراطيات عريقة يكون فيها المشهد السياسي واضح المعالم و تكون الأحزاب فيها معدودة على أطراف الأصابع و لا تتعدى الثلاثين كما هو الحال في المغرب. فتقليص نسبة العتبة الانتخابية من شأنه أن يوقف السير نحو "الديمقراطية الحزبية" في بلادنا و تكسير الانسجام الممكن و المراد إحداثه داخل كل حكومة من أجل إعداد و تطبيق برامجها.و المراد هنا هو إخضاع الأحزاب المتقدمة في الانتخابات إلى منطق تحالفات عشوائي تغيب فيه التقاربات الإيديولوجية والأهداف في البرامج مما يجعلها عرضة للمساومات و لينة للضغوطات. قد نستخلص من كل ما سبق، رغبة في استمرار منطق التحكم في القرار السياسي وغيابا لإرادة سياسية تسعى إلى إرساء أسس لديمقراطية تمثيلية حقيقة يكون الهدف منها هو خلق مواطن يجيد قراءة المشهد السياسي و بالتالي دفعه إلى المشاركة الفعالة كمنتخِب وكمنتخَب. السعي إلى إضعاف الأحزاب الكبرى بما يفهم منه استمرار الصراع بين السلطة و الأحزاب السياسية و غياب "الثقة" بين الطرفين، خدمة لمصالح بعض الأحزاب الإدارية أو الانتخابية التي لا تتوفر على إيديولوجية معينة ولا على أرضية تجمع بين أعضائها سوى الاتجار في "التزكياة" و التقاط بعض الأعيان و ذوي الأموال خِدمة لمصالحها أكثر من الصالح العام، مشكلة بذلك امتدادا "للتكنوقراط" على حساب الفعل السياسي. * باحث في القانون العام و العلوم السياسية