الفكاهي محمد بن ابراهيم، وجه عشق العمل المسرحي بما يختزنه من تطوعية ونكران الذات .. محمد بن ابراهيم الانسان أولا وقبل كل شيء، في انسانيته العطاء والاخلاص للعمل المسرحي، ارتبط هذا الفنان بالميدان الفني منذ سنة 1965 مع فرقة عبد العظيم الشناوي، تلت ذلك تنقلات في عدة فرق، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر .. فرقة الجيل الناهض .. المسرح الباسم .. و فرقة البدوي، ثم فرقة التسولي، اذن فهو فنان كوميدي بطبعه ويحمل في جعبته الشيء الكثير، بعدما أعطى الأكثر في كل مشاركاته الفنية على جميع الواجهات .. لكن موازاة مع ذلك يحمل هموما ومشاكل .. يتجرع مآسي كثيرة مثله في ذلك مثل العديد من زملائه الذين أفنوا عمرهم في سبيل الفن بهذه البلاد، و يذكر أنه خلال مسيرته الفنية انتقل من ميدان الفكاهة الى المسرح الجاد، حيث قام بتشخيص أدوار كلاسيكية وشاعرية ك. شكسبير وموليير وغيرها، وكان اختياره للفن المسرحي الذي كان مشدودا اليه بأحلامه وبجميع مشاعره، رغم علمه أنه لن يجني من وراء عشقه هذا الا الشوك والتعب والألم والحسرة .. وهذا بالضبط هو موضوع مقالي، الذي تحملت فيه مسؤولية النيابة عن فناننا المحبوب لايصال صوته الى من يهمهم الأمر وهي كالتالي: "" فان من سمع الكلمات المؤثرة التي جاءت على لسان الفنان محمد بن ابراهيم وهو يتماثل للشفاء من مرض السكري الذي أصابه مؤخرا، يحس فعلا بحسرة عارمة ويشعر بالكم الهائل من الهموم التي قدر على فنان أعطى للساحة الفنية المغربية الكثير.. كلمات تذمي القلب وتشعر المرء ان هذا الوطن لا يعترف البتة بخدامه ولا يولي الاهتمام اللازم للذين يبذلون ما في جهدهم من أجل اسعاد الآخرين واغناء الساحة الفنية، ويناضلون حسب استطاعتهم لضمان موقع لاسم المغرب في طليعة الأمم المتقدمة، الذين يسعون جاهدين لدفع عجلة الفن الى الأمام، أملا في ازدهاره. و لايحتاج عاقل لمن يفسر له رسالة الفنان محمد بن ابراهيم التي أطلقها صرخة مدوية وفي طياتها الكثير من المعاني، و أمام جبل من الأدوية التي كادت أن تحجب وججه من كثرتها، حيث قال وهو يغالب الدمع من كثرة ما يحس به من غبن وظلم واهانة : ( من العيب أن أذهب الى ادارة لطلب شهادة الاحتياج للاستعانة بها على الاستشفاء من المرض الذي حل بي على حين غفلة ) و في هذا الوضع فقد لا تسعف الانسان التراكيب للتعبير عن الحسرة والضيق الذي يحس بهما تجاه هذه الحالة، أجل حالة بن ابراهيم التي ليست بجديدة ولا هي الوحيدة ببلادنا ، بل هناك من الحالات ما لا يعد ولا يحصى .. انني هنا لا أقصد نشر غسيل جهة ما أو اذاعة سر من أسرار لا مبالاة المسؤولين السابقين عن الثقافة - لأني أعرف مسبقا أن هذا لا ترجى منه أية فائدة - بقدر ما أود تبليغ رسالة حزينة هي من فنان أفنى زهرة عمره في خدمة الفن.. أبلغها الى الجهة التي يهمها أمر الفن ببلادنا، ومن جميل الصدف أن تتزامن رسالتي هاته مع تعيين الفنانة المسرحية ثريا جبران على رأس وزارة الثقافة .. الوزارة التي بيدها زمام أمور الفن والفنانين بالمغرب .. ولا عجب، فالوزيرة تعد بنت الدار وهي تعرف أكثر من غيرها في هذه الأمور و تحس معاناة جمهور الفنانين بحكم معاشرتها لهم لعقود ( و كما يقال أهل مكة أدرى بشعابها ) وعليها اذن اتخاذ المبادرة لتفادي الوقوع مستقبلا في مثل هذه الحالات، وذلك بالانكباب السريع على علاج ملفات و قضايا استعصى على الذين كتب لهم شرف الجلوس على كرسي وزارة الثقافة علاجها. وفي الختام هناك سؤال وجودي يؤسس لأسئلة مقلقة .. ماذا يحدث لنا حين نواجه من يعبر عن محنته بطريقة غير معهودة؟ اننا حقا نشعر بارتباك مفاجيء هو أيضا غير معهود، وتدعونا الضرورة الى الاشفاق على السي بن ابراهيم الذي اختارته الظروف القاسية ليكون طائرا مقسوس الجناحين وهو الذي تحول من فنان فكاهي ومن ممثل مقتدرقادر على اضحاك الملايين من المشاهدين .. رغم هموم الحياة التي تحيط بهم من غلاء المعيشة و تفاقم البطالة و أشياء أخرى لايسمح المجال بذكرها، الى انسان غير قادر على مواجهة مصاريف علاجه في ظل تكاثر وتناسل العديد من الرابطات والجمعيات والنقابات الفنية التي لا تقتصر الا على الأقوال دون الأفعال، وأخطر من ذلك انها تبتكر أحدث التكتيكات فقط لتحقيق المكاسب الذاتية دون التفكير في الذين على متنهم أسست أركانها والذين هم في حاجة الى الالتفات اليهم والوقوف الى جانبهم لتخطي الأزمات. [email protected]