كانت بطاقة التعريف الأولى لعشاق الخشبة للراحل محمد بلقاس هي المنتوج الدرامي المنطوق "الفاطمي والضاوية" ثم بعدها مسرحية التحفة "زواج بلا إذن" وتلتها مسرحية "الشلح عساس". فهذا الفنان لم يقو على النطق السليم سوى في شمعته 11 سنة بقدرةالسميع العليم ، إسمه الحقيقي محمد بن الطيب، ينحدر من أحواز مراكش، تربى في أسرة أمازيغية جد محافظة على الأصول الحقة، تهوى وتحترف فن التجارة، واشتغل الفقيد فيما يدعى بالعامية "تاخرارفيت" واستمر في حياته كرجل أعمال في مهنة الملابس الجاهزة، ولم يكن الراحل يسبح في رمال الفقر المدقع ولكنه ترك أسرته بعد رحيله تسبح في كثل الديون...! وفي سن مبكرة وعلى ما يبدو فترة المراهقة عرف محمد بن الطيب بميوله لفن الفكاهة وتقليد الأشخاص المعروفين في تلك الحقبة الزمنية على سبيل المثال: نجيب الريحاني، واسماعيل ياسين، ويوسف وهبي، وبوشعيب البيضاوي، وبوجمعة الفروج...لينخرط بمعية زملائه في تركيبة/فرقة الزطلس الشعبية تحت إشراف قيدوم المسرح المحلي مولاي عبد الواحد العلوي الحسنين وبالضبط فترة بزوغ فجر الاستقلال. وفي هاته افرقة تتلمذ محمد بن الطيب ومن معه على عدة ثوابت نختزلها في النقط الآتية: أ قواعد المسرح كماهية وفن. ب دروس التشخيص والإلقاء. ج مفهوم الارتجال وبلورته فوق الركح. وبالتالي، كان الراحل موهوبا بطبعه في فن الإضحاك بجانب رفيقه عبد الجبار الوزير، فهذه الخاصية هي التي أهلتهما إلى تكوين الثنائي، والتي كانت تقوم في جملة ما تقوم عليه باستثمار الفروق اللهجية والقبلية من نوع العروبي، والمديني، والشلح، والفاسي...بفضل اشتغالهما على السجل الفكاهي الساذج، الذي كان يلاقي الترحاب والتشجيع لدى فئات عريضة من المجتمع المغربي. وفي فترة الستينيات.. كان الراحل محمد بلقاس نجما بدو منازع في فرقة الوفاء المسرحية، واشتغل في فضائها بسخاء وبعطاء مسترسل صحبة المؤلف/المخرج عبد السلام الشرايبي، مع رفقائه عبد الجبار الوزير، وكبور الركيك، وأحمد الشحيمة، ومهدي الأزدي. وعبد الهادي ليتيم، وحليمة البلغيتي، وأمينة رشيش، والحاج العمري... ولا يمكن أن ينسى التوثيق الفني بما أتحفتنا به فرقة الوفاء على مدار سنين طويلة من العطاء الإبداعي، كما أتحفنا الراحل بعلو كعبه في فن الإضحاك. وفن الارتجال، وفن اقتناص الحدث وابتداعه كمادة للفرجة الصرفة، وبدون مغالاة، هذه هي خاصية محمد بلقاس فوق الخشبة. ومن أهم أعماله رحمه الله: "مكتب الوكيل"، "ديرو معنا التاويل" "الميت الفضولي"، "عالجونا"، "مزاوك في الله"، "الحراز" في صيغتها الأولى 1968 والثانية 1982، "سيدي قدور العملي"، "الدار الكبيرة"، "مكسور لجناح"، "هالالاي"... وحينما، حقق محمد بلقاس نجوميته الحقة فوق السطح الفني المغربي، نشبت خلافات عويصة بينه وبين أصدقاء الأمس نعني بالتحديد فرقة الوفاء، فحلق رحمه الله بدون تفكير مسبق إلى مدينة الدارالبيضاء، وهناك استطاع سحب البساط ممن يردفون عنه: بأنه فنان فكاهي لا غير...! وهكذا، أكد بالواضح محمد بن الطيب بأنه فنان متسلح بموهبة متلهبة، وبتجربة عميقة من نيران الممارسة، وقدم بالحجة الميدانية بأنه يستحق لقب نجم الشبابيك بامتياز، من خلال بروزه كسيد الخشبة، من خلال عدة أعمال شارك فيها مع من يعتقدون أنفسهم نجوم فوق العادة، نذكر الأساس: مسرحية "محجوبة" مسرح الناس، وفي هذا العمل بالذات، أعيد تكوين محمد بلقاس من جديد، ليس بالمعنى الحرفي للكلمة ولكن بمعناها الشمولي، فيكفي أن ينضم أي فنان ما إلى فرقة الطيب الصديقي التي تعتبر بمنزلة مدرة قائمة الذات في التكوين المسرحي. ثم تلتها أعمال مسرحية أخرى، كان نجمها المتزلق على سبيل المثال: "نص عقل". "واللي ما عرفك خسرك"، "ونسيب المديرة" وهذه الأعمال كلها كانت تحت إشراف إدارة المسرح البلدي في شخص الأستاذ عبد اللطيف الزيادي، دون إغفال تألقه رحمه الله مع مسرح الثمانينات في مسرحية "فكام الوحايل" بمعية عزيز سعد الله، وخديجة أسد، وحمادي عمور، ولعلنا نسينا حضوره القوي في مسرحية "درهم الحلال"، توقيع: ادريس التادلي ومحمد الزياني رحمه الله هو الآخر. ما يمكن أن نستشف من هذا السفر الفني شقين: الشق الأول: لم يعمر طويلا مع فرقته الأم، لأنه رحمه الله رفض ثوب المحلية، لهذا قرر التجوال بوعي متناهي من أجل الاحتكاك واكتساب الشهرة. الشق الثاني: لم يجد محمد بلقاس من يفهمه لكونه كان يجيد المفارقة، والفكاهة والعبثية، مما جلب له الألم والمحن طوال حياته...بتصرف عن الباحث حسن البحراوي. رحم الله محمد بن الطيب الشهير ببلقاس، وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه وأهله بالصبر الجميل والسلوان...وإنا لله وإنا إليه راجعون. عزيز أبو الصواب