أصبحت صور الملك تطالعنا في مدرجات الملاعب الرياضية. صرنا نشاهد أفرادا من جماهير مباريات كرة القدم في البطولة المغربية للقسم الوطني الأول وهم يحملون خلال تشجيعهم لأنديتهم صور محمد السادس في المدرجات. الذين يحملون صور العاهل المغربي في المدرجات ليسوا، في أغلبيتهم المطلقة سوى شبانا يبدو عليهم أنهم محدودو الثقافة والتكوين، ولا يقومون إلا بتنفيذ الأوامر التي يتوصلون بها من لدن الجهات المسيرة للأندية المغربية. كاميرات التلفزيون المغربي تترصد مثل هذه اللقطات وتركز على نقل هذه الصور وبثها في الشاشة إلى المشاهدين. لكن ما دخل ملك المغرب بين أندية وطنية لكرة القدم، لكي ترفع صوره أثناء تنافس رياضي في ما بينها؟ وماذا يعني هذا التصرف؟ وماذا تريد أن تجني من ورائه الجهات التي تسهر على إنجازه؟ هل من يقومون بفبركة هذه السيناريوهات الرثة وإخراجها، يفعلون ذلك لأنهم يحبون فعلا محمد السادس، وبدافع الحرص على إبداء المحبة له وإشهارها؟ هل هذه هي الوسيلة المثلى لإبداء المحبة للملك وللرفع من شأن الوطن؟ يفترض أن تظل الرياضة مستقلة عن السياسة، ولا يتعين استغلال إحداهما للأخرى. حين يرفع جمهور فريق معين صور الملك ويلوح بها أثناء المباراة، هل يعني هذا أن جمهور الفريق المقابل لا حظ له من عطف الملك، وأنه جمهور لا يكن ذات المشاعر لعاهل البلاد؟ الجواب طبعا هو لا، فمحمد السادس ملك لكل المغاربة، ولا يجوز لأي طرف أن يزايد بحبه للملك على الطرف الآخر. أحسن وسيلة للتعبير للملك عن الحب والإخلاص هي أن يسهر المشرفون على الأندية الرياضية لكرة القدم الوطنية على النهوض بهذه الأندية وتوفير الوسائل والإمكانيات لها لكي تتألق وتحقق النتائج الإيجابية، وتتمكن من تكوين الشباب، والرفع من مستواهم الكروي، وتربيتهم، وتهذيبهم، وجعلهم يتحلون بالأخلاق الفاضلة وبالروح الرياضية، والتقريب في ما بين الجهات والمناطق، والحث على التعاون والأخوة في ما بينها، والابتعاد عن المخدرات والأنانية والغش.. إذا تمكن مسيرو الأندية الوطنية من القيام بهذه المهام النبيلة، ووفروا عبر الأندية المحلية، الشروط المناسبة لإعداد الأرضية الملائمة لاختيار منتخب وطني قوي يحقق نتائج إيجابية في الملتقيات القارية والدولية، سيثلجون بذلك صدر الملك، وسيرضى عنهم، وسيفخر بهم، وسيساعدونه على أداء مهامه كملك للمغاربة، لأنهم سيزيحون عن كاهله وزر الانكفاء على مجال كرة القدم، وسيتفرغ للقيام بمهام أخرى، وبهذا يتم تقديم العربون العملي على محبة الملك. لكن للأسف، العديد من مسيري أنديتنا الرياضية فاشلون على هذا المستوى، والأندية التي يشرفون عليها تتخبط في مشاكل كثيرة، والبعض منها من صنع هؤلاء المسيرين، بل إنهم لا يلجون هذا المجال إلا من منطلق انتهازي ووصولي، ويريدون الركوب على الرياضة لتحقيق مآربهم الخاصة التي لا علاقة لها بكرة القدم. إنهم يسعون للاحتماء بصور العاهل المغربي والظهور بها في المدرجات، لكي يجعلوا منها وسيلة للتسلق، ولكسب المغانم، والحظوة، والوجاهة لدى رجال السلطة.. هؤلاء لا يحبون في الحقيقة ملك المغرب، إنهم يحبون أنفسهم فقط. لا يتظاهرون بحب الملك إلا لتحقيق مصالحهم، إنهم أنانيون، ومستغلون للرياضة، ولبراءة ولاندفاع شبان بسطاء يعشقون هذه الرياضة ويهيمون بها. إنهم يقدمون بمثل هذه التصرفات، صورة مشوهة عن وطننا، إنهم يضعونه في إطار يبدو فيه كأنه ما زال غارقا في عهود الدعاية للملك بطريقة فجة وشاملة تطال كل الفضاءات، بما في ذلك ملاعب كرة القدم، علما بأن المغرب ما فتئ منذ عقود يخطو خطوات متلاحقة صوب الديمقراطية والحرية والعدالة، وهو على أبواب إصلاحات دستورية يفترض أن تنقله من عهد إلى عهد. في بلد ديمقراطي مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، لا يمكن أن نرى جمهورا في مباراة رياضية يحمل صور باراك أوباما ويفاخر بها، وكذلك الأمر بالنسبة لفرنسا وإسبانيا والسويد. نيلسون مانديلا تحول بنضاله الشرس ضد الميز العنصري إلى أيقونة لدى مواطني جنوب إفريقيا، رغم ذلك، لم نشاهد أي واحد منهم يحمل صورة لنلسون مانديلا ويلوح بها في نهائيات كأس العالم لكرة القدم التي نظمت في هذا البلد. شاهدنا الأعلام الوطنية للدول المشاركة، والأغاني، والأهازيج، والموسيقى، والرقص، لقد كنا في لحظة احتفال رياضي خالص، وخال من الاستغلال السياسي. الذين يحملون صور محمد السادس في المباريات الرياضية، وبالمناسبة أو بدونها، يتصرفون على نحو يخلق الانطباع عند من لا يعرف بلدنا، وكأنه ما زال، في الممارسة الديمقراطية، على مستوى دول مثل كوريا الشمالية، وليبيا، واليمن، وسورية.. إنهم يسيئون إلى المغرب مفضلين عنه مصالحهم الشخصية..