لم تعد مباريات كرة القدم تطرب جمهورها الذي فضل الاحتجاب عن الملاعب الرياضية وفسح المجال للأطفال والمنحرفين الذين حملوا قميص اللاعب رقم 12 وعبثوا به داخل وخارج الملاعب الرياضية. رفض الشباب والكبار الاستمرار في حمل القميص رقم 12 ضمن تشكيلة الفريق، وفضلوا العزوف عن الميادين بعد أن غابت الفرجة وقل التواصل، فتسلل مكانهم إلى التشكيلة لاعب جديد مشحون بالعنف والشغب لم يكتمل بعد نموه العقلي والنفسي. كثر الحديث عن شغب جماهير كرة القدم داخل و خارج الملاعب الرياضية... على الأرصفة والشوارع وأمام وداخل حافلات النقل... الشغب قائم كلما كان الحضور الجماهيري غفيرا، والمشاغبون أدخلوه ضمن طقوسهم الخاصة ولم يعد مرتبطا بفوز أو خسارة... وإن اختلف المتتبعون للظاهرة بين منتقد للبنية التحتية وضعف المستوى الفني للمباريات التي يجري وراءها المتفرجون، وبين من يعتبرها جزءا من شغب كبير تعيشه عدة قطاعات ببلادنا وأولها قطاع التعليم الذي أفرغ برامجه من الدوريات الرياضية وأثقل كاهل التلاميذ بالبرامج النظرية، وزاد الاكتظاظ داخل الأقسام في شل أفكارهم أمام مستقبل تجسده لهم الأجيال السابقة (معطلون من أصحاب الشواهد العليا). ولعل دردشة «المساء» مع بعض الجماهير الرياضية، أفرزت معطيات جديدة وواقعا غير الذي أبدع في استخلاصه بعض المهتمين بالشأن الرياضي. قال إبراهيم، أحد عشاق كرة القدم، في حديث ل «المساء» «عن أي جمهور يتحدثون، لم يعد هناك جمهور يلج الملاعب الرياضية المغربية، إن الجامعة الملكية والمجموعة الوصيتين يقيمان أعراسهما للأطفال، وفرقهم الفنية لم تعد تطرب الجماهير الملمة بكرة القدم بسبب انعدام الحس الكروي لدى معظم مكونات الأندية، لو كانت هناك كرة قدم حقيقية وفرجة يقدمها أصحابها لاعبين ومدربين ومسيرين من صميم القلب لامتلأت الملاعب الرياضية بالجمهور المغربي العارف والمتميز... هم صنعوا الفرجة المزيفة فوجدوا جمهورا مزيفا». وعلى درب إبراهيم سار يوسف الذي قال إنه فضل متابعة المباريات عبر المذياع والتلفزيون. وأشارالعديد من الجماهير التي فقدت صفتها بعد أن فضلت الركون إلى المقاهي ومتابعة مباريات دولية، إلى هزالة مستوى كرة القدم الوطنية وانعدام الاهتمام الروحي والمادي الذي كانت تجده لدى اللاعبين إبان عمالقة عشب ملاعب البشير ومحمد الخامس ومولاي عبد الله والزاولي... وكان من بين المحبطين اللاعبون القدماء الذين تأسفوا لوضع الأندية الوطنية المحرج بسبب قلة الإمكانيات وضعف البنيات التحتية وغياب مكاتب مسيرة في مستوى تطلعات الأندية وجماهيرها. قال الجيلالي أحد المدمنينعلى مشاهدة مباريات كرة القدم : «لم يكن غياب ملاعب في المستوى ولا انعدام مدرجات شغلا يشغل الجماهير العاشقة لكرة القدم، ولا سببا في الإقدام على التخريب أو العنف، فالجماهير كانت تزحف وتقطع الكيلومترات وتفرش الأوراق لتقيهما من برودة الأرض من أجل الاستمتاع بمشاهدة مباراة فوق أرض معشوشبة أو غير معشوشبة، ولم يكن المستوى الفني للفريق هاجسا يلهث وراءه الجمهور، بقدر ما كان يعشق لاعبيه المفضلين، يحب تواضعهم وسلوكهم وتجاوبهم وأداءهم الجاد والقتالي بعيدا عن المساومات المالية والتلاعبات في المباريات، فكم من الجماهير أحبطت بسبب تلاعب مسيرين ومدربين ولاعبين في مباريات رسمية، والضحك على أذقان الجماهير العاشقة التي تلاحق الفريق أينما حل وارتحل». والحديث عن الشغب يحيلنا على استفسار مرتكبيه والذين هم في معظمهم أطفال دون السادسة عشرة، وهي فئة لم تكن تمثل في السابق إلا جزءا ضئيلا من الجماهير الغفيرة التي كانت تعج بها ملاعبنا، قال سمير 12 سنة الذي يرافق النسور الخضر خلال مبارياتهم بالمدن القريبة من المحمدية (الدارالبيضاء والرباط): نستعد منذ أيام لحضور المباراة، هناك مجموعة من الأطفال لا تهمها نتيجة المباراة بقدر ما تستهويها الطقوس والأجواء المشحونة التي تفتعلها... يحبون ركوب الحافلات والضوضاء وترديد الشعارات والظهور أمام الكاميرات التلفزيونية، وممارسة الشغب في الشوارع والأزقة، ومجابهة رجال الأمن وتكسير زجاج الحافلات وكراسي المدرجات وولوج أرضية الملعب أثناء سير المباراة، وأضاف سمير أن تلك الفئة من الأطفال تلتقي عند المساء أو في الصباح لتحكي عن بطولاتها بعيدا عن أجواء المباراة. إنهم نموذج للجماهير التي أشعلت فتيل الشغب داخل المدرجات وأحرجت فرقا كبيرة وحدت من عطائها، أطفال استهواهم العنف فوجدوا مجالا لتفريغه، وذهبت أندية وجماهير حقيقية ضحية تهورهم. ولم ينفع قرار المجموعة الوطنية بمنع الأطفال من ولوج الملاعب بدون أولياء أمورهم، من الحد من زحف هذه الفئة. أطفال أغلبهم يقضي الأسبوع كاملا في تدبير المبلغ المالي للنقل وحجز ورقة الدخول، من أجل السب والشتم والتخريب داخل الملاعب الرياضية... أطفال رددوا غير ما مرة، وهم راكبون الحافلات في تجاه الملاعب الرياضية، عبارات ساقطة وكلاما قبيحا وهددوا رجال الأمن بشعارات : والبوليس... راحنا جايين... ويبقى عمل جمعيات المحبين والأنصار والعاشقين والمهووسين... بعيدا عن دورها الحقيقي الذي أنشئت من أجله، فمعظم الجمعيات يتم إحداثها برغبة وتأطير من رئيس النادي أو أحد أتباعه ليبقى أعضاؤها كالببغاء يرددون ما أراده المكتب المسير، وتبقى تشكيلة المحبين كأعضاء احتياطيين لأعضاء المكتب المسير.