خلال اللقاءات الأخيرة التي أجراها الأمين العام لمنظمة العفو الدولية والوفد المرافق له مع رئيس الحكومة وبعض الوزراء والجمعيات الحقوقية، عقد لقاء، يوم الجمعة الماضي، بمقر مجلس النواب، مع برلمانيين من مختلف الفرق الممثلة للأغلبية والمعارضة. وأثناء إلقاء كلمته أمام البرلمانيين، أشار الأمين العام ل"أمنستي" إلى أن هذه الأخيرة حركة عالمية مكونة مما يزيد على سبعة ملايين شخص مقسمين بين الأعضاء والمناصرين والنشطاء، وموزعين في أكثر من 150 بلدا ومنطقة، مركزا على الاستقلالية التامة عن مختلف الحكومات أو العقائد السياسية أو المصالح الاقتصادية أو الأديان، وموضحا أن المنظمة تتلقى التمويل من الأعضاء والتبرعات العامة، وفي ذلك إشارة إلى البرلمانيين أن المنظمة غير تابعة للوبيات معينة. كما لخص أهدافها المتمثلة في النضال من أجل وضع حد للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والسعي إلى تمتيع بني البشر بجميع الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأثناء تطرقه لوضعية حقوق الإنسان بالمغرب، ركز الأمين العام ل"أمنستي" على الهوة التي راحت تفصل بين سنة 2011، حيث تم رفع سقف الحقوق والحريات في المغرب، وحالة التضييق الحالي على الحقوق والحريات، مضيفا أنه رغم اعتماد دستور جديد ينص على الحقوق والحريات واستقلال السلطة القضائية والتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري سنك 2013 والانضمام إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب سنة 2014، إلا أن المنظمة لا زالت تسجل الانتهاكات والممارسات المسيئة لحقوق الإنسان. عضو مرافقة للوفد، وبعد تناولها للكلمة، أوردت مجموعة من الملاحظات والتوصيات، والتي تبين عدم تحيين المعلومات بشأنها أحيانا، وعدم دقتها أحيانا أخرى. أهم تناقض ما تمت إثارته من تزويج المغتصب من الضحية القاصر، والحال أنه تم حذف الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي الذي كان يسمح بزواج القاصر من المغرر بها. وكان من الأجدر عند إعداد التقارير، مراعاة مسألة التحيين، والاطلاع على مشاريع ومقترحات القوانين، واعتماد الموضوعية وأخذ المعلومة من أجهزة رسمية وأخرى حقوقية وعدم التحيز والانحياز لجهة وإقصاء أخرى، حتى تحرر التقارير بدقة وموضوعية مع التزام الحياد والتجرد، علما أن القانون الجنائي المغربي يعاقب على جريمة الاغتصاب إذا اقترن بظروف التشديد، وقد تصل العقوبة إلى ثلاثين سنة سجنا نافذا. لذلك تم تسجيل هذه الملاحظات من طرف البرلمانيين. من جهة أخرى، تمت إثارة ملاحظات تتعلق بالحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي واكتظاظ السجون ووضع حد للعنف ومكافحة الإفلات من العقاب وإلغاء عقوبة الإعدام تماشيا مع المادة 20 من الدستور، علما أن مدة الحراسة النظرية المثارة في التقرير والمنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية لم تعد تطرح إشكالا. كما أشار البرلمانيون إلى مستجدات مشروع القانون الجنائي، والذي ولئن جاء متضمنا لعدة سلبيات مطروحة حاليا للنقاش، فإنه أجاب على عدة نواقص تثيرها منظمة "أمنستي" في تقاريرها، وليس هناك ما يفيد بأن المغرب بصدد دراسة مشاريع القوانين هذه رغم أهميتها وإجابتها على التوصيات، منها ما نص عليه الفصل 9-231 من المشروع الذي يجرم كل اعتقال أو احتجاز أو اختطاف أو أي شكل من الأشكال السالبة للحرية يرتكبه الموظفون العموميون أو أشخاص يتصرفون بموافقة الدولة أو بإذنها أو بدعم منها، في تناغم مع مقتضيات الفصل 23 من الدستور الذي يعتبر الاعتقال التعسفي أو السري أو القسري من أخطر الجرائم التي تعرض مقترفيها لأقسى العقوبات، وكذلك تجريم التزويج القسري ومضاعفة العقاب إذا كانت الضحية قاصرا، علما أن مدونة الأسرة لسنة 2004 خولت للرشيدة تزويج نفسها بنفسها. وعن الاكتظاظ والاعتقال الاحتياطي، تمت الإشارة إلى أن مشروع القانون الجنائي نص على العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتعدى العقوبة المحكوم بها سنتين حبسا، والتي ستمكن لا محالة من مواجهة معضلة اكتظاظ السجون وضخ أموال في خزينة الدولة، كما ينبغي الإشارة إلى أن المشروع خفض عدد الجرائم التي تطبق فيها عقوبة الإعدام من 33 إلى 11، وأن قانون القضاء العسكري، الذي صدر في الجريدة الرسمية في يناير 2015، قلص من عدد الجرائم التي تطبق فيها عقوبة الإعدام. وخلص البرلمانيون إلى أن المغرب حقق نتائج إيجابية عدة في مجال احترام وحماية الحقوق، كما راجع قوانين عدة، وهو بصدد دراسة والإعداد للمصادقة على قوانين أخرى؛ منها مشروع قانون الدفع بعدم دستورية القوانين الذي يعد رائدا في مجال حماية الحقوق. ولكن، بالطبع، لم يصل بعد إلى الهدف المنشود ولا زالت النواقص والمعضلات مستشرية، لذلك فإن منظمة العفو الدولية، وباعتبارها رائدة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، ومن أقوى المنظمات التي تناضل من أجل وضع حد للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولديها من الإمكانيات ما يسمح لها بالاطلاع والتقصي وتدقيق المعطيات، وحتى تتسم قراراتها بالشرعية والموضوعية والمصداقية والحياد والتجرد وعدم تصنيف المغرب تصنيفات غير منصفة، بناء على معلومات صادرة عن جهات معادية لمسلسل الإصلاح الذي يعرفه المغرب منذ إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة واعتماد الوثيقة الدستورية لسنة 2011 ومختلف الإصلاحات في مجال التشريع وإحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحماية المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، (عليها) أن تأخذ بعين الاعتبار مصادر المؤسسة التشريعية بغرفتيها للاطلاع على المشاريع والمقترحات، خصوصا تلك المتعلقة بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، والجهات الرسمية والجمعيات الحقوقية بمختلف مشاربها، ومقارنة جميع المعطيات بما يصدر عن بعض النشطاء التابعين لجهات متحيزة لا توثق المعلومة بصفة موضوعية. وإن هذه المقارنة وحدها تمنح التقارير مصداقية لأنها ستتكفل بتشخيص ما هو كائن وما ينبغي أن يكون ! * نائبة برلمانية