منذ الإعلان عن الدعوة لإجراء إصلاحات دستورية والساحة الوطنية تعيش حراكا لم يسبق أن عاشت مثيله، بحيث كلها يلغي بلغاه و"يقطر الشمع على صاحب دعوتو"، بل هناك من سبق الفرح بليلة وأعلن عن الشروع في نصب خيام وطقوس الاحتفال والتأسيس لتخليد يوم إعلان اللجنة عن مقترحاتها يوما وطنيا للاحتفال كل سنة بهذا الإنجاز العظيم. فإذا كانت بعض الدعوات إلى الابتهاج بهذه الخطوات نابعة من حسن نية ومن رغبة فطرية تفاعلية مع كل إصلاح، فإن بعض الدعوات الأخرى إلى الاحتفال والإقناع والرضى بهذا الكنز الممنوح والمهاب هي دعوات استراتيجية لمحاولة شغل الناس عن الإصلاحات الحقيقية وربح الوقت كي تستقر الأوضاع وتعود لأوكارها تنهب وتسلب كعادتها.
قد يقال أنكم غير أنتما كحل الرأس الذين لم تعد تقنعوا بشيء، وأن العالم كله فرح وهلل بهذا الإنجاز الذي يقطعه المغرب، فنقول أنه من حق الغرب أن يحتفل بهذه المشاريع الديمقراطية لأنه "نية"، فعندما يسمع عن وزير أول من الحزب الفائز في الانتخابات وعن حكومة منتخبة يعتقد أن المغاربة في إطار الشفافية والنزاهة هم من بوؤوا هذا الحزب أو ذاك، ولا يدرك أن انتخاباتنا محصورة بين مالين الشكارة وبعض تجار المخدرات والباقي من الأعيان والشيوخ هذا طبعا دون الحديث عن 80 بالمائة المقاطعة لهذا المسخ الذي اسمه انتخابات.
في المغرب قاعدتنا معروفة هي "لانية مع الحية" أو على التحديد "اللي عضو الحنش كيخاف من القنبة"، ولنا تجارب تاريخية في هذا الباب، فقد ابتهل أجدادنا للاستقلال بعدما ضحوا بدمائهم وبما يملكون لأجله ولازال بعضهم حي يرزق بكرامته ولم يسع في يوم من الأيام للهث وراء بطاقات الزعامات الوهمية التي يمنحها السيد الكثيري للمحزبين في الإستقلال والاتحاد ومقربيهم، فما كان من الوطنيين الفاسيين إلا الركوب على هذه الموجة وترسيم أبناءهم وأصهارهم وزوجاتهم في مختلف أسس وأركان الدولة بينما ظل أجدادنا مجرد خدم في ضيعتهم الكبرى المسماة "المغرب لنا لا لغيرنا".
وبعدها تسلسلت العديد من الخطوات الإصلاحية والخطابات ومسلسلات الإصلاحات من الجهوية واللاتمركز واللامركزية إلى الإنصاف والمصالحة مرورا بالمفهوم الجديد للسلطة وطبعا دون إغفال التناوب الديمقراطي وغير الديمقراطي ومدونة الأسرة وقانون التغطية الصحية وسير أو سير من الشعارات البراقة، لكن في المقابل ما الذي يقع على أرض الواقع، فالمعيشة زايدة وكتصعاب، نسب الفقر والتهميش مطمئنة وفي تطور مستمر، الفساد والحمد لله يكبر وينمو أكثر من التنمية البشرية وزيد وزيد... وبالتالي من الصعب اليوم أن يعتقد المغاربة من بسطاء الشعب أنه بلمسة إصلاح سحرية سيشغل الدستور الجديد أبنائهم وسيسكنهم في سكن لائق وسيحقق كرامتهم في الكوميساريات في التعليم في الصحة.
سبب وعمق عدم تفاؤلنا في المستقبل لا يتركز في عدم الثقة في اللجنة أو في المقترحات المطروحة، حاشا معاد الله، ولكن بؤسنا يكمن في اللاعبين، فلا يعقل وفي العالم بإسره أن تأتي بقوانين جيدة وملاعب مصنفة وتبقي على لاعبين خامجين هرمين فاسدين بدون لياقة ولاجمال وتعد الجمهور بنتيجة إيجابية.
صحيح أن من يتعمد الخشونة أو الغش يكون مصيره الطرد هذا طبعا بعد انتقاء لاعبين يستحقون حمل قميص منتخب البلاد وكذا فرق البطولة، بحيث لا يمكن لأي كان أن يكون لاعبا جيدا لكرة القدم طبعا إلا في المغرب، فنحن نستورد قوانين اللعبة من الخارج وحتى الملاعب نحاول أن نستوردها من الخارج ولكننا لا نضع أي قيد على الشروط الدنيوية التي يجب أن تتوفر في اللاعب السياسي لدينا وبالتالي في بلدنا مسموح للكل باللعب ضد الكل مهما كانت النتيجة.
وكمثال على هذا الإحباط الذي يرفض مغادرة دواخلنا، نقف فقط عند مثال واحد في التعديلات القادمة كالذي يتعلق مثلا بتعيين الوزير الأول من الفريق الأول في الانتخابات، فعن أية تغييرات وعن أي تفاؤل نتحدث ونحن محكوم علينا بعودة ذات الوجوه لحكمنا بالنار والحديد والتي لن تخرج عن عباس الفاسي وامحند العنصر وعبد الواحد الراضي وغيرهم من زعماء الأحزاب الوطنية الهرمين؟.
إن ما يحتاجه المغرب اليوم هو تشجيع حقيقي من الدولة ل80 بالمائة من الشباب والنخب وللمواطنين العازفين عن السياسيين كي يلجوا جوا سياسيا مفعما بالأمل والنزاهة، لابد كذلك من تبسيط القوانين الانتخابية والابتعاد عن هندسة القوانين والتقطيعات الانتخابية وفق حسابات التحكم المسبقة، ولابد كذلك من تضييق الخناق وطرح الشروط التعجيزية على مشاركة المفسدين في الانتخابات، هذا طبعا بعد التوبة من تصرفات الماضي والإعلان عن صفحة جديدة، لأن القرآن الكريم علمنا وهو خير معلم الأحكام القطعية التالية: "إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتيكم خيرا" و "لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم.