قرأت كغيري مقال السيد بنسالم حميش، واستغربت لمقاربته في نقد مدرسة أركون بعد رحيله، وهي مقاربة لها تداعياتها، والأهم تألمت بعد قراءة شهادة/ رد السيدة توريا يعقوبي، أرملة الراحل أركون، عليه. قد يختلف البعض مع كتابات الراحل محمد اركون وتحليله واجتهاداته ،وهذا حقهم المشروع ،و الاختلاف في اطار الانصاف في التعامل مع المخالف، بدعة حسنة ،وترك التحقيق في ذلك الاختلاف هو شأن علماء العلوم الإنسانية، المسلحين بالأدوات العلمية والمنهجية الملائمة ، لكن ليس من حق البعض ان يتطاولوا على هرم ،وبالتالي أصبح الطلب ملحا للمثقفين بأن يتوجهوا إلى تسليط الضوء على كثير من جوانب العتمة او التعتيم التي يتولاها هؤلاء المتطاولون لفرض روايتهم الخاصة بعد رحيل رجل هرم خلخل اساطير موروثنا وتعذر رده برحيله الى دار البقاء. كان الراحل صاحب مدرسة فكرية متميزة، أصبحت في حاجة إلى التوظيف بعد رحيل مؤسسها. تحرر الراحل أركون وهو مفكر مثير للجدل من التفسيرات الماضوية وقاد عملية انفتاح على ما هو إنساني. كان داعية إسلاميا متنورا بامتياز...الشيء الذي جعله يحظى برعاية الدكتور الخطيب واحترامه لاجتهاداته. كرس حياته العلمية كلها لانجاز مشروعه النقدي أي بناء القراءة الثالثة (الإسلاميات التطبيقية)، قراءته للإسلام وذلك بإخضاع النص لمحك النقد التاريخي المقارن، والتحليل الألسني التفكيكي، وللتأمل الفلسفي المتعلق بإنتاج المعنى وتوسعاته وتحولاته. أقول هذا وليس هدفي أن أدخل في مهاترات ولا أن أنقص من شأن كاتب مقال " أركون بين الاختزال والافتراء" ومقاربته لنقد مدرسة أركون. أكتفي بإضافات لها أهميتها غابت عن تقديم صاحب المقال وهو لغز محير.. اضافات للاستئناس، جاءت في محاضرة ألقيتها بدعوة من اتحاد كتاب المغرب بتاريخ 13 ماي2011 تحت عنوان: صديقي أركون والإسلاميون.. أشكر الساهرين على شؤون اتحاد كتاب المغرب لدعوتهم الكريمة وشجاعتهم في اختيار موضوع الندوة. وهذا ملخص المحاضرة. كان الراحل صاحب مدرسة فكرية متميزة، أصبحت في حاجة إلى التوظيف بعد رحيل مؤسسها. عرفت د. أركون بحكم اشتغالنا كل حسب تخصصه بجامعة السوربون مع مفكرين أذكر منهم أبرزهم الفيلسوف جون بول سارتر وصديقة عمره سيمون دوبوفوار. كما كانت لنا أحيانا لقاءات بالمقهى الأدبي المعروف بحي سان جيرمان " كافي دو فلور". أذكر لقاء بين الفيلسوف جون بول سارتر والمجاهد عبد الكريم الخطيب، قمت بترتيبه بطلب من المقاومة الراحلة للامريم أم الخطيب - رحمهم الله- في إحدى زياراتها لباريس لأسباب شخصية. وسوف تسمح الظروف في محطات قادمة لنشر حوار جون بول سارتر والدكتور الخطيب مؤسس حزب العدالة والتنمية الحاكم. ويعرف أهل العلم كيف تنتهي مثل هذه اللقاءات في الحي اللاتيني بباريس، حيث تمشي "الحرية" عارية في أزقته النظيفة دون خوف.. وحيث يحس الإنسان بإنسانيته بعيدا عن ثقل موروثنا وأساطيرنا.. مشروع الدكتور محمد أركون رحمه الله. مشروع نقد العقل الإسلامي: تحرر الراحل أركون وهو مفكر مثير للجدل من التفسيرات الماضوية وقاد عملية انفتاح على ما هو إنساني. حاول فهم التراث الإسلامي ونزع ما كان يراه من أسطرة على مجمل التفسيرات الإنسانية للنص المقدس وفتح المجال للدخول في المناطق المحرمة وفي "اللامفكر فيه". كان داعية إسلاميا متنورا بامتياز... دعا إلى التوقف عن مرحلة الإنتاج التيولوجي أوالأسطوري، والتركيز على أهمية نقد ما أنتج في مرحلة ما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل تمحيص البحث والتأكد من صحته وليس للكفر به. دعا إلى رؤية إنسانية للنص أو ما أسماه "الأنسنة" (أنسنة النص). الكثيرون وخاصة الإسلاميون يرون في قراءته تجريدا للنص من قداسته. وتحدث عن تحررين في العلم الإسلامي الأول كان سياسيا من الاستعمار والآن جاء دور تحرير العقل "فكريا". كان يحمل فكرا تنويريا. بدا بنقد العقل الإسلامي لفك ما اعتبره "السياج الدوغمائي المغلق" للفكر الإسلامي السائد. كرس حياته العلمية كلها لانجاز مشروعه النقدي أي بناء القراءة الثالثة (الإسلاميات التطبيقية)، قراءته للإسلام وذلك بإخضاع النص لمحك النقد التاريخي المقارن، والتحليل الألسني التفكيكي، وللتأمل الفلسفي المتعلق بإنتاج المعنى وتوسعاته وتحولاته. انطلاقا من اعتباره العقل الإسلامي رهينة النص دعا إلى تحريره من أية تبعية، ليحتل مكان الحاكم الأول والمرجع الأول.. وإلى التحرر من التصور اللاهوتي القروسطي للعلاقة بين الإنسان والله. دعا إلى ممارسة النقد التاريخي على النص القرآني (يتعامل معه بوصفه "نصا تاريخيا". وكان داعية سلام.. داعية الحور والتسامح بين الأديان.. والتحرر من استراتيجية الرفض والصدام مشروع أركون باختصار شديد: محاولة استنطاق الجذور التاريخية "للعقل الإسلامي"، ونقده بطريقة تاريخية. يعتمد على ما سماه بمفهوم "الإسلاميات التطبيقية" كمنهجية. العقل الإسلامي ليس عقلا أبديا أو أزليا، وإنما عقلا تاريخيا له نقطة تشكل وبداية ونهاية. منهجيته تسعى لنقد العقل الإسلامي باعتباره عقلا "دوغمائيا". عقل الإنسان المسلم لا يزال منغلقا داخل"السياج الدوغمائي المنغلق"، وهو مصطلح من اختراع أركون. ويقصد به السياح المشكل من العقائد الإيمانية الخاصة بكل دين، وهي حسب أركون بعيدة عن النقد العلمي بسبب رفض المؤمنين الذين يعتقدون أن تراثهم مقدس ويعلو على التاريخية. وهذا ما نلامسه عند الحركات الأصولية الإسلاموية التي تخلط بين السياسي والديني، باعتبار أن الإسلام صالح لكل مكان وزمان، وتنزع منه بعده التاريخي وسياقه الذي ساهم في بلورته. نقد طريقة اشتغال "العقل الإسلامي" الذي يخلط بين الأسطوري والتاريخي. «عقل ابدي فوق تاريخي لأنه مغروس في كلام الله» حسب أركون. دعا إلى تجديد الفكر الإسلامي لتخليصه من منطق المجابهة (الصراع)، وتوجيهه نحو "الإنسية" الهادفة إلى تحقيق تعايش الأديان والمعتقدات. منهجية الدكتور محمد أركون: كان الراحل يعتمد على المنهجية الحفرية الاركيولوجية"، وهو ما جعله قيد حياته وبعد رحيله عرضة لانتقادات التيارات الإسلاموية المتطرفة. كنا في نادي الدراسات الإسلامية وفي جامعة السوربون نعتبره من "حفار القبور".. قبور أحياء المسلمين وليس أمواتهم في الأخير، لا بد من كلمة في حق صديق آخر رحل إلى دار البقاء.. وهو الدكتور رشدي فكار.. كان الراحل فكار يشتغل على مفهوم "الوعكة الحضارية" التي أصابت الأمة العربية الإسلامية ومنعتها من القيادة. الإنسان المسلم يعاني حسب فكار من سوء توظيف لقدراته ومؤهلاته، ومنها عدم قدرته على توظيف الفكر. وكان يشتغل على مصطلح "إنسان القرآن"، وهو أكثر من مصطلح في نظرنا. إنه منهج في السوسيولوجيا المعاصرة، يقوم على تصور القرآن لبنية المجتمع ومؤسساته، وعلى الإسلام وبناء الإنسان. رحم الله الراحلين أركون وفكار وسأشارك في آخر الندوة بكلمة حول مقارنة فكر أركون وعابد الجابري رحمهما الله. وشكرا مرة أخرى على الدعوة.