تعتبر المشاركة السياسية مدخلا حقيقيا لترسيخ الممارسة الديمقراطية حكما وتدبيرا، وذلك من خلال القبول بمشاركة جميع مكونات المجتمع، من مؤسسات وخواص وأفراد، وبالرجوع إلى الصيرورة التاريخية للديمقراطية باعتبارها حكم الشعب بالشعب من أجل الشعب وفق تعريف بيركليس، فإنها انتقلت من حكم الأقلية ذات خصوصيات مجتمعية معينة إلى حكم الأغلبية ، إلا أن احتدام الفكر والنقاش في ساحة لاكورا باليونان وقتئذ أدى إلى بلورة ممارسة ديمقراطية أكثر عدلا من سابقتها، وذلك بالرفع من شأن حكم الأغلبية باعتباره تجسيد عملي للديمقراطية وفق المفهوم البركليسي. إن المتأمل في الديمقراطية الغربية من خلال مقارنتها بالديمقراطية في العالم الإسلامي والعربي، سيقف على مقاربة متناقضة من حيث الممارسة والمضمون، وهو ما تعكسه الممارسات السياسية التي تشوبها في غالب الأحيان مجموعة من الملاحظات والانتقادات، خصوصا في البلدان المغاربية، وللأسف يؤدي بنا تحليل النسق السياسي من حيث الممارسة إلى القول بأن الديمقراطية في هذه البلدان عموما وفي المغرب على وجه الخصوص بعد دستور 2011، ما زالت تعاني من قصور على مستوى الفهم والممارسة من طرف الفاعلين الرئيسين في المشهد السياسي وعلى وجه الخصوص الأحزاب السياسية، التي أصبحت بعد ما يسمى "الربيع العربي" ، غير قادرة على بلورة ممارسة سياسية مبنية على الأسس والمبادئ الديمقراطية كما هي متعارف عليها عالميا. ومما لاشك فيه أن عدم الإيمان بالديمقراطية كممارسة وكثقافة يؤدي إلى إنتاج مجموعة من الآليات والسلوكات " موانع الديمقراطية" فعلى سبيل المثال الكوتا، أو لائحة الشباب، لائحة الأطفال...، كلها طرق للتحايل على الممارسة الحقيقية للعملية الديمقراطية التي لا تقبل بالعمل الإقصائي تحت مسميات واهية، فإذا كانت "الكوتا" في التعبير اللاتيني تعني "نظام انتخابي يهدف الى ضمان حقوق الأقليات في الانتخابات العامة للوصول إلى السلطة السياسية"علاوة على كونها تشكّل مدخلاً إيجابياً لتحقيق المساواة والتقليل من التمييز بين فئات المجتمع المختلفة وخصوصًا بين الرجال والنساء، فإنها (الكوطا) في المشهد السياسي المغربي ليست سوى آلية لجبر "الخواطر" وتحقيق التجمع العائلي السياسي تحت قبة البرلمان. إن التدافع السياسي في بلوغ ديمقراطية على المقاس البركليسي (نسبة إلى بركليس)، لا يمكن تصوره باعتماد المقاربة الإقصائية التي تعتمد إقصاء نصف المجتمع المغربي والمكون من النساء تحت مبرر منطق الكوتا من جهة ، ومن جهة أخرى باعتماد المقاربة الإحسانية خصوصا تجاه الشباب في ما يسمى ب"لائحة الشباب" والتي أثارت القيل والقال بين من يدافع عنها وبين من يطالب بإلغائها. إن السلوك السياسي ل " الأحزاب الجامدة" والمتمثل في وضعها لعراقيل واهية أمام سيرورة العملية الديمقراطية من قبيل "الكوتا في صيغتها المنحرفة"، أو من خلال مطالبتها بإلغاء لائحة الشباب، يكشف عن استحالة بلوغ مقومات الديمقراطية في صيغتها المتداولة حاليا في الغرب، خصوصا إذا استحضرنا انتقال المواطنة من المستوى الوطني إلى المستوى العالمي، أي أن المواطن لم يعد موطنا لبلده فقط بل مواطنا عالميا، وللتذكير فالمواطنة العالمية تتأسس على الاعتراف بالآخر كما ذهب إلى ذلك أنصار مدرسة فرانكفورت الألمانية في إطار بلورتهم "لنظرية الإعتراف"، كمدخل لنقد الديمقراطية الغربية التي تشكل بالنسبة للديمقراطيات المتخلفة مثالا يحتدى به، فإلى متى سيستمر البخل الديمقراطي كميزة للمشهد الحزبي المغربي. *باحث في القانون العام