مرت أسابيع قليلة على وفاة الشيخ عبد الباري الزمزمي، العضو المؤسس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس الجمعية المغربية للبحوث في فقه النوازل، ولكن ذكراه وأخباره لم تنقطع بعد، خصوصا بالنسبة لمريديه وطلبته ومعارفه، وأيضا بالنسبة للصحافيين الذين كانوا يعرفونه عن كثب. "الزمزمي كان صديقا للصحافيين والإعلاميين، لا يرد لهم طلبا، وكلما سألوه أجابهم دون تحفظ ولا ترفع، مثلما يفعل الكثير من الدعاة وعلماء الدين، بل كان لا يرفض إبداء رأيه في شتى المواضيع، دون أن يضرب حسابا لاحتمالات تأويل كلامه من طرف صحافيين همهم هو السبق والإثارة"، يقول صحافي مقرب من الشيخ الراحل. ومن ذكريات الزمزمي مع أهل الصحافة والسياسة في آن واحد، وفق المصدر ذاته، والتي لا يعرفها سوى قلة من أهل المهنة، ما حدث له بشأن فتوى نشرتها صحيفة "التجديد" سنة 2005، والتي كان يدير تحريرها حينئذ الرئيس الحالي للحكومة، عبد الإله بنكيران. ويتذكر مصدر الجريدة كيف أن صحافيا في "التجديد" نشر في أول يوم من رمضان، قبل 11 عاما، فتوى للشيخ الزمزمي بخصوص الفرق بين ما يسمى "الفجر الكاذب" و"الفجر الصادق"، قبل أن يفطن بنكيران إلى ذلك في الصباح، ليزبد ويرغد في مكتبه، ويطلب ردا سريعا من الدكتور أحمد الريسوني، الذي كان حينها على رأس المجمع الفقهي بالسعودية. وسارع الريسوني إلى إصدار "فتوى" مضادة لفتوى الزمزمي، بعث بها إلى بنكيران من مقره بالسعودية، وتم نشرها في صدر الصفحة الأولى من العدد الموالي، فيما فسر صحافيون حينها الغضب العارم الذي اعترى بنكيران بأنه خشي حينئذ من ردة فعل "جهات عليا" إزاء تلك الفتوى، التي قد "تشوش" على صيام المغاربة. ويضيف مصدر هسبريس أنه "بعد هذا الخلاف الذي حصل بصفة غير مباشرة بين الزمزمي وبنكيران، حدث ما يشبه "الحظر" على فتاوى الشيخ الزمزمي من النشر في تلك الصحيفة الإسلامية، وأضحى الفقيه المثير للجدل "غير مرغوب" في ظهوره على صفحات جريدة بنكيران. وكان مضمون فتوى الزمزمي أنه "بالنسبة للمغرب، يؤذن المؤذن في آخر الليل قبل طلوع الفجر الصادق بنحو ربع ساعة أو أكثر، فهو مثل أذان بلال الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يحرم طعاما ولا شرابا"، وأضاف: "اليوم إذا أذن المؤذن فلا حرج على المسلم أن يكمل جماعه، وأن يكمل سحوره وطعامه وشرابه، حتى تمر على الأذان 10 دقائق أو 15 دقيقة، إذ يكون الفجر الصادق قد تحقق". ورد الريسوني، الرئيس الأسبق لحركة التوحيد والإصلاح، سريعا بطلب خاص من بنكيران، بفتوى أخرى ورد فيها أن "فتوى الشيخ عبد الباري بأن آذان الفجر في المغرب يتم قبل طلوع الفجر الحقيقي بنحو ربع ساعة أو أكثر، وأن هذا الآذان لا يحرم طعاما ولا شرابا، مجرد رأي وتقدير لبعض الأشخاص". وأكمل الريسوني بأن "بعض هؤلاء تراجعوا عن هذا الرأي بعد أن قاموا بعدة مشاهدات وتدقيقات في الموضوع، ويبقى أن المعول به هو ما ضبطه المؤقتون المختصون، وأقره آلاف العلماء على مر العصور"، مؤكدا أن "تعمد الأكل والشرب أو الجماع بعد الآذان يمثل انتهاكا لحرمة رمضان، ويعتبر إفطارا متعمدا يبطل الصوم".