تناسلت في الآونة الأخيرة العديد من الفتاوى الدينية الغريبة والمثيرة للجدل، وهي فتاوى صاحبتها موجات عاتية من الانتقادات اللاذعة والمستهجنة، إما لكونها متطرفة ومعادية للحريات وحقوق الإنسان، أو لاعتبارها دينية في المظهر وسياسية في الجوهر، وإما لاحتوائها على مزيج من الطرافة والغرابة أحيانا.. بين فقيه النوازل الزمزمي وفتوى الجزرة ويد المهراز والببوش، والداعية المنفعل النهاري والدعوة إلى قتل "من لا غيرة له"، والفقيه المقاصدي الريسوني وجواز التنصير في البلاد الإسلامية، والشيخ السلفي المغراوي صاحب فتوى "تزويج بنت 9 سنوات"، والمجلس العلمي الأعلى وفتوى "قتل مُغيّر دين الإسلام".. ما بين هذا وذاك، تختلف مواضيع الفتوى لتتشابه في إثارة الجدل وإقامة الضجة التي يصعب تهدئتها.. الزمزمي: الجزرة حلال والبَبّوش حرام قصة غرائب الفتوى المثيرة للجدل في المغرب تشتد تفاصيلها مع عبد الباري الزمزمي، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل، الذي يعدّ عدوا لدودا لليسار، لدرجة أنه نفى الشهادة عن المهدي بنبركة في جريدة "التجديد"، ما استدعى مديرها آنذاك عبد الإله بنكيران إلى منعه من الكتابة على صفحاتها، قبل أن ينقلب على أصحابه الإسلاميين في حزب "المصباح" ويصفه بحزب "النذالة والتعمية"، و"يتطاول" بجرءته المعهودة على مرشد جماعة العدل والإحسان يوم وفاته بالقول إن ياسين غير مأسوف عليه وغيابُه خيرٌ من وجوده "لأنه كان مثار فتنة وبلبلة بخروجه عن منهج الإسلام". يبدو أن منطق الزمزمي في إصداره للفتاوي تعتمد على السخاء المفرط في الإباحة إلى حد إجازته السنة الماضية للفتيات ممارسة العادة السرية عبر استعمال الجزر ويَدّ "المهراز" والقنينات، بحجة إشباع الشهوة وتجنب الوقوع في المحظور، ليشتهر بعدها الزمزمي بصاحب فتوى الجزرة ويد المهراز. الزمزمي سبق له أن أجاز أيضا للنساء استعمال القضيب الذكري الاصطناعيّ وإتيان الدّمى الجنسية للجنسَين، لكونها ليست بزنا، وإنما تدخل في باب الاستمناء والدافع إليه هو التعفف عن الزنا، إضافة إلى توقفه عن تحريم إتيان الزوج لزوجته المتوفاة حالا. سلسلة فتاوى الزمزمي الشاذة والغريبة في نظر البعض، تستمر حين أعلن خلال حوار صحفي أن الاستمناء حلال لأن الصحابة أجازوه، وأن السّحاق ليس من الكبائر ما دام ليس فيه إيلاج، وهو في الوقت نفسه محرم لأن فيه كشف للعورات بين السحاقيات.. كما حرم أكل الحلزون أو "الببّوش" بالمنطوق المغربي، بداعي عدم وروده في الحديث النبوي القائل "أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال". النهاري: اقتلوا من لا غيرة له رغم توقيفه من إلقاء الخطب والمواعظ بمساجد وجدة، لا تزال شهرة عبد الله النهاري، أو شيخ كشك المغرب، تبلغ آفاق البلاد، واتسعت رقعة التضامن معه بعد متابعته قضائيا على خلفية شكاية رفعتها ضده يومية الأحداث المغربية، تقول فيها إن النهاري أصدر فتوى تحريضية على قتل المختار الغزيوي، رئيس تحريرها، حين وصف الشيخُ الأخيرَ ب"الديّوث الذي يجب قتله". فتوى النهاري النارية جاءت ردّا لى تصريحات المختار التلفزية التي عبّر فيها عن موقفه حول ضرورة ضمان الحرية الجنسية للمغاربة، قبل أن يوضح بأنه يقبل أن تمارس أخته وابنته حريتهما الجنسية دون تدخل من أحد.. بعد 10 أشهر من متابعة عبد الله نهاري قضائيا، أصدرت المحكمة الابتدائية لوجدة في 30 أبريل المنصرم حكما ببراءة الشيخ، من تهمة "التحريض مباشرة بواسطة الخطب والوسائل الإلكترونية على القتل.."، وهي المتابعة القضائية التي صاحبتها حملة تضامن واسعة من طرف مناصري كشك المغرب، من ضمنها شن هاكرز مغاربة هجوما على مواقع الالكترونية لكل من القناة الثانية ووزارة الأوقاف ونقابة الصحافيين المغربية وحزب النهج الديمقراطي.. الريسوني.. فتاوى سياسية أم دينية قضية الفتاوى مع أحمد الريسوني، الفقيه المقاصدي والخبير في المجمع الدولي للفقه الإسلامي، التي أثارت جدلا سياسيا ودينيا، بدأت أواخر 2009، مع اقتراب الاحتفال برأس السنة الميلادية، حين أفتى بحرمة التعامل مع المتاجر التي تبيع الخمور واقتناء البضائع منها، لسببين يراهما: أولهما التشجيع على الإثم والعدوان، وكذا السكوت على المنكر حين الدخول إلى تلك المتاجر ورؤية الخمور معروضة داخلها.. فتاوى الريسوني أثارت عليه الجدل الكبير ورفضها البعض إما لاعتبارها سياسية وتثير الفتنة، خصوصا وأن الفقيه هو الرئيس الأسبق لحركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، وإما لمناقضتها ل"مقومات دولة الحق والقانون والحريات". مواقف وأراء الريسوني الفقهية تعددت وتميزت بالجرأة التي تثير خلفها الزوابع والأعاصير من الجدل والنقاش المثير، فقد سبق للعضو المؤسس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتحريم كراء المحلات للبنوك الربوية، بدعوى مساعدة ذلك على الحرام، وقوله في حفل الولاء الذي يقام سنويا لتجديد البيعة للملك بأن فيه قُبحاً وشناعة وأن الركوع والسجود لا يكونان لبشر حي ولا ميت، وتصريحه بألا ضرورة لمنع "التبشير" المسيحي في البلدان الإسلامية، لأن الدول المسيحية لا تحظر الدعوة الإسلامي على أراضيها، إضافة إلى دعوته الصريحة إلى انتخاب العلماء في سياق دمقرطة مؤسساتهم، كما هو حاصل في الأزهر بمصر. المغراوي وفتوى زواج بنت 9 سنوات لم يكن يتوقع عبد الرحمان المغراوي، رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش، أن تثير فتواه التي قال إنها لم تفهم في سياقها، زوبعة إعلامية أصدر على إثرها المجلس العلمي الأعلى بيانا يتهمه فيه بإثارة الشغب والفتنة، وأدّت إلى إغلاق دور القرآن التي يشرف على تسييرها وسفره مباشرة بعدها إلى السعودية معتكفا لعامَين، وهي الفتوى التي تجيز تزويج الفتاة القاصر ذات تسع سنوات. بعد رجوعه إلى المغرب إبان الحراك الشعبي في 2011، سارع المغراوي، الذي ينتمي لتيار السلفية التقليدية العلمية، إلى التراجع عن فتواه بداعي أنها لم تفهم في سياقها، في وقت صاحب رجوعه دعوته إلى التصويت بنعم على الدستور الجديد واعتباره في الآن ذاته "20 فبراير" حركة "مباركة". المغراوي، الداعية السلفي الهادئ، سبق وأن حرّم الخروج للشارع من أجل المظاهرات، قبل أن يستدرك بتوضيح يفيد أن الفتوى خاصة بالدول التي تحكم الشريعة الإسلامية فقط.. وهي مواقف دفعت بنائب برلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة إلى نعت عبد الرحمان المغراوي أمام مجلس النواب ب"الإرهابي" الذي يسيّر حزبا "سِريّا ومُضلّلا". المجلس العلمي الأعلى: قتل المُرتدّ مجرد رأي فقهي !! المؤسسة الدينية الرسمية لم تغرد خارج سرب جدل الفتاوى، فقد لقيت فتوى المجلس العلمي الأعلى الأخيرة حول ما بات يعرف بحدّ الرِدّة أو تغيير الدّين بالمغرب، المعارضة الشرسة من طرف الحقوقيين وبعض السياسيين، في وقت لقي الأمر ترحيبا من لدن السلفيين لكونه تطبيقا للشريعة. محمد يسّف، الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، وأحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، سارعا بالردّ فور نشوب الضجة بالقول إن فتوى قتل المرتد التي نشرها المجلس في كتاب حول فتاوى الهيأة العلمية للإفتاء رأي فقهي وليست فيها مناداة بقتل المرتد وإنما جاءت جواباً على سؤال توصلت به الوزارة سنة 2009 من مؤسسة رسمية.. ومن الفتوى الرسمية التي جرت سيلا من الانتقادات تلك المتعلقة بإجازة إفطار الرياضيين المغاربة المشاركين في الألعاب الأولمبية التي أقيمت قبل سنة بلندن، والتي صادف تنظيمها شهر رمضان، حيث أباح المجلس العلمي الأعلى حينها إفطار الرياضيين المغاربة استنادا على رخصة شرعية ترتبط بالسفر.