دخلت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، منعطفًا صعبًا، في البقاء على سدة حكم ألمانيا، التي تعد المحرك الرئيسي والمؤثرة على سياسات الاتحاد الأوروبي، وذلك عقب انتهاجها سياسة "الأبواب المفتوحة"، أمام اللاجئين، وعدم تطويراستراتيجية للحد من دخول أعداد أكبر منهم، فضلاً عن تعزيز اليمين المتطرف، الذي استغل تدفق اللاجئين بشكل جيد، مكانته السياسية. الأزمة السورية، التي أثارت موجات اللاجئين، تسببت بالانهيار الفعلي لنظام "شنغن"، الذي يعتبر، أهم مكسب لمناهضي الإسلام والأجانب في عموم أوروبا، ما أدى طرح تساؤلات حول مصير ميركل السياسي في ألمانيا، فضلًا عن مصير ال"شنغن". المشاكل البنيوية للاتحاد الأوروبي كشف تدفق اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، ذو ال28 دولة، والإمكانيات المالية الكبيرة، ترهل بنيته البريوقراطيته، عقب استقباله ما يقارب الميلون لاجئَا، وهو رقم يعد سهلاً أمام ما استقبلته الدول المجاورة لسوريا، مثل لبنان، وتركيا، والأردن، والتي تأثرت بشكل مباشر من الحرب السورية. وتصف مصطلحات العلوم السياسية، وحدة الاتحاد الأوروبي، في المجالات السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، ومجالات أخرى، بأنها وحدة فريدة من نوعها، لا سيما وأنها أنشأت على أسس قيم عالمية، مثل الديمقراطية، والمساواة، والحرية، غير أنه في الوقت ذاته يمتلك بنية معقدة مترهلة. ورغم وجود فكرة شائعة، حول الاتفاق الكبير الذي تتحلى به 28 دولة للاتحاد، خصوصًا في اتخاذ قرارات مشتركة، واجتماع أعضائه، في إطار المصالح المشتركة، لتحديد سياساته، غير أن هذه الدول تخوض منافسة سياسية واقتصادية، واجتماعية فيما بينها داخل الاتحاد، تؤثر على الموازين السياسية. وفي الحقيقية، فإن أجهزة التشريع والتنفيذ، المتمثلة، بالبرلمان، والمجلس، والمفوضية الأوروبية، تبدو في المعنى التقليدي أنها مرتبطة بالبرلمانية الديمقراطية، غير أن عدم وجود حكومة أو معارضة داخل البرلمان الأوروبي، وإصدار القرارات من قبل المجلس الأوروبي، وتشريعها من قبل المفوضية الأوروبية، ودخولها حيز التنفيذ، في الاتحاد، الذي تختلف الموازين والقوى السياسية بين دوله، تلغي القيم التي أسس عليها الاتحاد. وينتقد، خبراء سياسيون أوروبيون، الحالة المذكورة للاتحاد، واصفين ذلك، بنقص الديمقراطية، حيث ترسم 3 دول داخل الاتحاد وهي ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، طريقه السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والعسكري، بينما تحافظ الدول الأخرى على مواقعها المعارضة بين الفينة والأخرى، غير أنها تنصاع في نهاية المطاف لقرارات الدول الثلاث. ومثالاً على ذلك، رفضت أيرلندا في استفتاء عام 2008، التوقيع على اتفاقية لشبونة، غير أنها اضطرت لمعاودة الاستفتاء مرة ثانية، في 2009 جراء ضغوط فرضت عليها، من قبل الاتحاد، لتعلن قبولها بالاتفاق. ألمانيا قاطرة الاتحاد الأوروبي تحتل ألمانيا المرتبة الأولى في عدد السكان ضمن ال28 دولة، فضلاً عن امتلاكها أكبر اقتصاد، وأكبر حصة في ميزانية الاتحاد الأوروبي، حيث إن هذه الميزات تجعلها تستحوذ مكانة خاصة ومؤثرة في سياسيات الاتحاد. ومنذ نهاية 2005، يمتلك حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، برئاسة أنجيلا ميركل، أكبر حصة في ائتلاف الحكومات التي تناقلت على مدى السنوات الماضية في ألمانيا، حيث حافظت المستشارة على مكانة بلادها في الاتحاد الأوروبي. ولمعت شخصية ميركل، بشكل أكبر، في خريف 2008، حيث سعت إلى إخراج ألمانيا أولاً والاتحاد الأوروبي، ثانيًا من الأزمة المالية العالمية، ووصفت بأنها الرئيس غير الرسمي للاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أن تغير الحكومات في الدولتين المؤثرتين بريطانيا وفرنسا، وعدم الاستقرار السياسي فيهما، عزز موقع ألمانيا في الاتحاد. ومع ازدياد الأزمات الاقتصادية، في قبرص الرومية، واليونان، وأيرلندا، وإسبانيا، والبرتغال، وإيطاليا، جراء انعكاسات الأزمة المالية في 2008، التي مازال تأثيرها مستمر على تلك الدول، إضافة إلى اتخاذ بريطانيا مواقف بمعزل عن قضايا الاتحاد، وتوجيهها انتقادات لأدائه، عوامل أدت إلى عزلة ألمانيا، وبدأت تجردها من القدرة على إيجاد حلول لمسائل ومشكلات الاتحاد الأوروبي. فرض عقوبات على روسيا اتخذت الأزمة الأوكرانية، التي بدأت نهاية 2013، بعدًا مختلفًا، خصوصًا بعد ضم روسيا، شبه جزيرة القرم، إليها في 2014، حيث فرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا، في مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، الأمر الذي أدى إلى دخول الاتحاد الأوروبي المشغول بمشاكله الداخلية، ومعه قاطرته ألمانيا في معمعة أكبر. وإضافة لتلك التحديات، اضطرت ألمانيا إلى مواجهة أزمة اللاجئين، التي اتخذت بعدًا أعمق من ذي قبل، خصوصًا مع ازدياد تدفق اللاجئين السوريين نحو أوروبا، حيث أن دعوات ميركل في فتح الأبواب لهؤلاء اللاجئين قوبلت بردود أفعال سلبية أكثر من الإيجابية. احتمال فقدان حزب ميركل للأغلبية البرلمانية حصد حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل، في الانتخابات البرلمانية عام 2013، 41.5% من أصوات الناخبين، وكان ذلك بمثابة نجاح كبير للحزب، إلا أنَّ آخر استطلاع للرأي، أظهر تدنٍ في شعبية الحزب منذ العام الماضي، ففي أحسن الأحوال سيفقد الحزب 5% وفي أسوأها سيفقد أكثر من 10% من أصوات الناخبين في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. وسيشهد العديد من الولايات الألمانية انتخابات للبرلمانات المحلية في شهري مارس، سبتمبر القادمين، وسيكون الاستحقاق الأكبر للانتخابات العامة في أكتوبر 2017، وفي حال فقد الاتحاد الديمقراطي المسيحي الأغلبية في البرلمانات المحلية والانتخابات العامة، سينعكس ذلك على عدد مقاعده في المجلس الفيدرالي، والبرلمان الأوروبي، وبالتالي على تمرير القوانين في البلاد. وتشير استطلاعات الرأي أيضًا، إلى ارتفاع شعبية "حزب البديل من أجل ألمانيا"، في السنوات الثلاث الماضية، وهو سياسيًا، حزب يميني، قومي، شعبوي يتسم بسياسات حذرة تجاه الاتحاد الأوروبي. ففي استطلاع للرأي جرى عام 2013 لم تتجاوز شعبية الحزب أكثر من 4.7%، ولم يستطع حينها دخول البرلمان لعدم تجاوزه العتبة البرلمانية، أما الآن فشعبيته، وفق استطلاعات الرأي، بلغت 10%، أي ضعف ما كان عليه عام 2013، وحقَّق الحزب هذه الزيادة، من القواعد الشعبية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وحتى من نقيضه من الناحية الإيديولوجية الحزب الديمقراطي الاجتماعي. مستقبل الاتحاد الأوروبي إن تغيَّر موازين القوى السياسية داخل، ألمانيا من شأنه أن يعيد رسم مستقبل الاتحاد الأوروبي، فألمانيا التي تلعب دور قاطرة الاتحاد الأوروبي، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، قد تترك دورها لفرنسا أو بريطانيا، وسيكون لتصدع نظام الحزبين السائد في ألمانيا منذ تأسيس الحياة السياسية فيها دورًا كبيرًا في ذلك. والخلل الذي يهدد الحياة السياسية في ألمانيا، هو تصاعد شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا، والذي من المتوقع تجاوزه لل 5% المتمثلة بالعتبة البرلمانية في الانتخابات العامة في شهر أكتوبر 2017. *وكالة أنباء الأناضول