بعيدا عن خطاب المُعَايَرَةِ الذي أضحى –للأسف-العملة الرائجة في السوق اللغوية المغربية بين أنصار الحركة الأمازيغية ، وأنصار القومية العربية ،يسرني أن أَسُوقَ نماذج من (الشعرالعَرَزٍيغِي)، تبيانا للأخوة العربية – الأمازيغية الأصيلة ، واستجلاء لقيم التعايش والتساكن المُغَيَّبَةِ في خطابات دُعاة الصراع اللغوي العرقي المُسَيَّسِ بمغرب اليوم. فماذا نقصد بنموذج الشعر العَرَزِيغي؟ نقصد بنموذج (الشعر العَرَزِيغِي) ،الشعر الذي ازدوجت فيه العربية بالأمازيغية ، بفضل مبدإ الازدواج الذي مَكَّنَ شعراء القصيدة العَرَزِيغِية ، من المزج بين اللغتين (العربية والأمازيغية) في القصيدة الواحدة ، وإجراء إبدال لغوي هَمَّ في بدايته (ضَرْبَ وعروض) القصيدة العربية الكلاسيكية، ليتطور فيما بعد إلى رغبة في التجديد ، إن على مستوى الدال أو المدلول ، أسهم فيها شعراء القصيدة العَرَزيغية المغاربة قبل تعالي الأصوات المنادية بالتجديد في المشرق.- وهذا موضوع آخر لعلنا سنتحدث عنه في المقبل من الأيام-. ومن نماذج الشعر(العَرَزِيغِي) الدالة على تساكن العربية والأمازيغية وانصهارهما في القصيدة الواحدة، نجد لبيتين المنسوبين للعلامة اليوسي1 الآتيين: أرى الحب يستولي على القلب بغتة***كمثل هجوم الغيث في الصيف (إغدئِفّي) ومن كان هكذا فلست أرى له****دواء سوى أكل العصيدة أوْ (بُوفِّي)2. والأبيات التي خاطب بها سيدي عبد الله بن محمد الإلغي محمد بوزكر المانوزي: لولا الضرورة لما راك أجَّغى****تذهب إذ ودك بي قد ئِمْغِي لكنني أودع قلبي تُولْغيونْين ***** لكم وإن قد طرتم بِتِفْراوِينْ ثم عليكم من سلامي كِيكَانِي*****كخط لابن مقلة ئِفُولْكِي3 وكذا قصيدة العلامة أحمد بن محمد بن يعزى الرسموكي(ت.1080ه)، "النحوي اللغوي الفيلسوف"4. الموسومة ب(قصيدة قوم عجاف) التي استهلها بقوله: بسم الإله في الكلام ءيزوار(سبق)*********وهو على عون العبيد ايزْضار(قادر) وهو الذي له جميع تولغيتين (الأمداح)*******وهو المجير عبده من تُومْرِتين(المحن) قوم عجاف سكنوا في تاكنيت(هضبة)******خوف الضيوف كسبوا ياتْ تَايْدِيتْ(كلية) وقَفَلَهَا بقوله: فعزلتي عن اغترابي ءِينْراي(غلبني)*****وغيبتي عن الكعاب ءِيمْداي(أضناني) ما للمعاني لا يقال مانزاك(أينك) *******له ولا يسمع قول ءِيعْزّاك(أحبك) فالود في القلوب ءيسما نانغي(جمعنا)****والقدر المحتوم ءيبْضَا يانغني(فرقنا) 4 فمن خلال هذه النماذج المقتضبة-لأن غرضنا التمثيل فقط- تتكشف لنا السمات الشكلية الخاصة بالنمط الشعري العَرَزِيغِي، فهو نمط تميز في بدايته بالتبعية لنموذج الشعر العمودي / والأراجيز الكلاسيكية على مستوى الشكل(الإيقاع الخارجي)، وبالإبداعية على مستوى الضرب والعروض ، الذي أُفْرِدَ للغة الأمازيغية من بداية القصيدة إلى نهايتها، هذا فضلا عن إبداعيته في مجال الأغراض الشعرية، حيث خرج الشاعر العَرَزِيغِي من ضيق الأغراض القديمة إلى سَعَة المقاصد التي تتولد عنها قصود متغيرة تغير الألبسة المقامية التي يلبسها الشاعر العَرَزيغي المغربي. ومن دلائل التعايش والتساكن العربي الأمازيغي ، وانعدام الصراع بين العربية والأمازيغية ، الذي يروج له الغلاة –اليوم-، قول العلامة الجشتمي السوسي مفتخرا بتحصيله ملكة اللغة العربية والأمازيغية: الحمد لله الذي سخر لي***النظامين ولا مفتخرا أنظم حينا باللسان العربي***وتارة بالأعجمي الأعذب ولا يخفى ، أن ظاهرة (الشعر العَرَزِيغِي) ساهمت-أيضا- في حفظ كثير من المفردات الأمازيغية ، التي لاغنى للباحث المعجمي عنها، إذ تشكل ذخيرة لغوية مهمة لمن يَرُومُونَ وضع معجم تاريخي لألفاظ الأمازيغية، أو معاجم أمازيغية متخصصة، أو معاجم مقارنة ، مادام الشعر العَرَزيغِي مائدة طافحة بالفوائد يأخذ كل واحد منها ما يشتهيه. وختاما، أدعو أدعياء الأمازيغية و القومية العربية، إلى إجراء حفريات في التراث المغربي ، ورصد خصائص الإسهام الأمازيغي في التراث العربي، و دور رجالاته في النبوغ المغربي وذيوع الثقافة المغربية، بدل الترويج لخطاب مُعايرة إقصائي غرضه الهدم والتفريق لا مواصلة البناء ودعم القيم التكاملية بين العربية والأمازيغية والناطقين بهما. *هوامش: 1- تنظر ترجمة اليوسي في كتاب)الفقيه أبو علي اليوسي،نموذج من الفكر المغربي في فجر الدولة العلوية(،تأليف عبد الكبير العلوي المدغري،المملكة المغربية،وزارة الأوقاف،1409-1959. 2-الأدب العربي السوسي، قضايا ودلالات، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير، ط2،2007ص:190 3-المعسول،محمد المختار السوسي ،مطبعة النجاح الدارالبيضاء-المغرب الأقصى 1961)د.ط(،ج:1،ص:45 4- وفيات الرسموكي،تحقيق المختار السوسي،طبع ونشر رضى عبد الوافي المختار السوسي،ط1،1988،ص:31 5-الأرجوزة العربية الأمازيغية لأحمد بن محمد الرسموكي، إنجاز الباحث محمد مستاوي، منشورات تاوسنا الطبعة5،2014. *باحث في التراث المغاربي الشفوي والمكتوب [email protected]