تحل اليوم الأربعاء الذكرى ال27 لتأسيس الاتحاد المغاربي ، الذي كان ولا يزال أملا يجسد تطلعات الشعوب المغاربية في غد أفضل تنعم فيه بالأمن والرخاء وتحقق فيه مزيدا من التقدم والازدهار، لكن الواقع المعيش، يفي بوجود عوائق جمة، تعترض مسلسل البناء المغاربي، وإذكاء وازع التكامل بين دوله الخمس. فالشعوب المغاربية، كانت ولاتزال تواقة لاستشراف غد أفضل، مدركة أنه لا بديل عن روح الاتحاد الذي تأسس قبل 27 سنة خلت بمدينة مراكش، لإرساء أسس نهضة حقيقية تعيد لمنطقة المغرب الكبير وهجها وألقها وتعزز مكانتها ودورها الريادي في الخارطة السياسية العالمية وبين الاتحادات والتجمعات الإقليمية المماثلة، لكن الحقيقة والواقع شيء ثان، إذ مازال مسلسل التكامل المغاربي، تواجهه عوائق كثيرة، أثرت بشكل كبير على تحقيق حلم طالما راود جيلا بكامله. فالعوائق والصعوبات التي تعترض عمل الاتحاد منذ إنشائه، واختلاف وجهات النظر القائمة بشأن قضايا راهنة عدة، يجعل حلم الشعوب المغاربية، بتحقيق تكتل اقتصادي إقليمي، رهان بعيد المنال. كما أن القواسم المشتركة، التي تجمع بين دول الاتحاد الخمس، والكامنة في وحدة الدين والانتماء الجغرافي والمصير المشترك، لا تغدو كونها، ثوابت نمطية، لم تسهم البتة في تحريك مياه راكدة، وإعادة إحياء هذا التجمع الاقليمي، للتموقع مجددا كلاعب أساسي على الساحة الدولية. بل إن تعزيز حضور الاتحاد على الصعيد الدولي، والانخراط في مختلف القضايا الإقليمية، وإذكاء حس التشاور من اجل صياغة مواقف مشتركة كفيلة بحل اشكالات راهنة عدة، أضحى مطمحا صعب التحقيق، بفعل تباين وجهات النظر واختلافها بشأن قضايا سياسية واقتصادية عديدة. فالواقع المعيش، يؤكد مرة اخرى، أن تعزيز سنة التشاور بين دول الاتحاد وصياغة مواقف مشتركة إزاء القضايا السياسية ذات الاهتمام المشترك، انطلاقا من المبادئ والأسس والثوابت التي ترتكز عليها سياسته الخارجية التي تقوم، بالخصوص، على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وحل النزاعات بالطرق السلمية، بات رهانا لحظيا، أثبت فشله في المهد، وصارت طموحات إرسائه أضغاث أحلام ليس إلا. وفي هذا الصدد، يرى الأستاذ الباحث بجامعة القاضي عياض بمراكش والخبير في الشؤون المغاربية والإفريقية، محمد الحاجي الإدريسي، في تصريح صحفي، أن اتحاد المغرب الكبير مر في السابق "بفترات فراغ" أثرت كثيرا على السير العادي لعمله ، ويواجه حاليا تحديات ترتبط بالخصوص بالموقف الجزائري المتعنت بشأن قضية الوحدة الترابية للمملكة والوضع "غير المستقر" في ليبيا، مما يؤثر سلبا على عمله المشترك ويقف حجر عثرة أمام مزيد من التكامل والاندماج بين الشعوب المغاربية. واعتبر الادريسي، أنه من الأهمية بمكان إعادة بعث هياكل الاتحاد المغاربي وتمكينها من القيام بدورها ، بالنظر إلى التحديات الجمة التي تعيشها المنطقة وما تواجهه من آفات ومخاطر كتنامي خطر الجماعات الجهادية والإرهاب والجريمة المنظمة والعابرة للحدود والاتجار الدولي في المخدرات. لكن في المقابل، وبعيدا عن الطروحات المتشائمة، يمكن القول أن الاتحاد، وإن كان يستحث الخطى في إرساء لبنات تكتل اقليمي ودولي ناجح ، فإنه على الأقل، حافظ على موقعه كتجمع جغرافي في علاقته بتكتلات اقليمية أخرى، من خلال تنسيق اتصالاته ومشاوراته في بعض القضايا الدولية، سواء مع دول بعينها بشكل مباشر من قبيل الولاياتالمتحدة، أو مع منظومات إقليمية أخرى، تتمثل في تكتلات آسيوية مختلفة، ومجموعة 5+5، وتجمع دول الساحل والصحراء، فضلا عن المشاركة في مختلف المحافل الدولية. كما أن العمل المغاربي الميداني لم يتوقف قيد أنملة، حيث انصبت جهود الاتحاد من خلال عمل لجانه الوزارية المتخصصة الأربعة (الأمن الغذائي والاقتصاد والمالية، والبنية الاساسية، والموارد البشرية) على تحقيق درجات متقدمة من التشاور والتكامل في المجالات ذات الصلة. وتركزت جهود دول الاتحاد مثلا في مجال التجارة، بالخصوص، على مواصلة إعداد البروتوكولات المرفقة لمشروع اتفاقية إقامة منطقة للتبادل الحر بين دول الاتحاد والتي تتعلق أساسا بالتقييم الجمركي ونظام تسوية النزاعات وقواعد المنشأ، والعمل على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بين دوله الخمس. كما حظي الجانب الأمني باهتمام خاص على المستوى المغاربي، حيث أكدت الاجتماعات التي تم عقدها لبحث ومدارسة هذا الموضوع على ضرورة مكافحة المخاطر التي تهدد المنطقة المغاربية، "لاسيما ما يتعلق بالإرهاب وتهريب المخدرات وانتشار السلاح والجريمة المنظمة"، في إطار مقاربة متكاملة ومندمجة تدمج الأبعاد التنموية والدينية والثقافية والتربوية. ومهما يكن من أمر، فإن إذكاء حس التعاون المشترك ونبذ الخلافات البينية، يبقى أكبر تحدي يواجه مسار الاندماج والتكامل المغاربي وتحقيق ما تصبو إليه الشعوب المغاربية من تنمية اقتصادية وثقافية واجتماعية. لذلك، يؤكد الادريسي، أن تطوير التعاون والتنسيق وتعزيز الاحترام المتبادل بين الدول المغاربية، ووضع مصلحة شعوبها فوق كل اعتبار، رهان استراتيجي يتعين بلوغه حتما من اجل رفع التحديات ذات الصلة. *و.م.ع