عادَ ملفّ الاختفاء القسري بالمغرب ليطفوَ بقوّة على الساحة، تزامنا مع زيارة يقوم بها إلى المملكة الفريق الأممي المعني بحالات الاختفاء، والفدرالية الأورو متوسطية ضد الاختفاء القسري، والتحالف الدولي ضدّ الاختفاء القسري، وانعقاد لقاءات مع مسؤولي وزارة العدل والحريات، والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان. البيان الختامي الصادر عن الجمع العام لعائلات المختطفين مجهولي المصير وضحايا الاختفاء القسري بالمغرب، المنعقد بالرباط يوم الأحد الماضي، أعلنَ أنَّ ملفّ الاختفاء القسري والمختطفين مجهولي المصير بالمغرب "ما زال مفتوحا"، معتبرا أنَّ الحقيقة حوْل هذا الملف "لا زالت غائبة ومٌغيّبة كليا أو جُزئيا"، في حين إنَّ جبر الأضرار الفردية والجماعية يعرف تعثّرا، بحسب ما جاء في البيان. ولم تُسفر اللقاءات التي جمعت الهيئات الحقوقية المعنيّة بهذا الملفّ بالمسؤولين الحكوميين ومسؤولي المجلس الوطني لحقوق الإنسان عنْ أيّ نتيجة تُذكر، فبالنسبة للقاء الأوّل مع مسؤولي وزارة العدل والحريات، لم يتجاوز ردُّ مدير الشؤون الجنائية والعفو بالوزارة، بحسبَ ما نقله رشيد المانوزي في ندوة صحافية بالرباط صباح اليوم، قوله: "إنّ هذا الملفّ سياسي، ولنْ يخوضَ فيه إلا وزير العدل"، وأضاف المانوزي: "لمْ نسطع أنْ نتقدّمَ في الحوار". وفي حين تعذّرَ على الهيئات الحقوقية الاجتماعَ بوزير العدل والحريات، تكرّر السيناريو نفسه في الاجتماع الذي احتضنته المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، حيثُ تولى الكاتبُ العامُّ للمندوبية مهمّة التحاور مع ممثلي الهيئات، لوجود المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، المحجوب الهيبة، في حالة مرض، وعلى الرّغم من أنَّ المانوزي قال إنَّ اللقاء "كان ساخنا"، إلا أنّه لمْ يُفض إلى أيّ نتيجة. أمّا الاجتماعُ مع مسؤولي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فلم يتمخّض سوى عنْ تقديم أرقام حوْل عدد ملفات الاختفاء القسري التي حصلَ فيها تقدّم في التعرّف على هويات الضحايا عن طريق كشوفات الحمض النووي (ADN)، ووعْدٍ بالاتصال بالعائلات المعنية قصْد إحاطتها بالمعلومات التي توصّل إليها المجلس، غير أنَّ عائلات المختطفين وجّهت انتقادا حادّا ل"CNDH"، معتبرة أنّ موقفه إزاء هذا الملف "سلبي". ممثلة الفدرالية الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، التي تعمَلُ في عدد من البلدان العربية والأوربية، قالتْ إنَّ من حقّ عائلات ضحايا الاختفاء القسري في المغرب أنْ يعرفوا مصيرَ أقاربهم، "ولماذا فُقدوا وكيف جرى ذلك، ولماذا لم يكن لديهم حق الدفاع لضمان المحاكمة العادلة، والظروف التي جرى فيها اختفاؤهم". لكنَّ معرفةَ الحقيقة، بحسب رشيد المانوزي، تحتاجُ إلى تحلّي المؤسسات الرسمية بالجرأة لطيّ صفحة الماضي، مُعتبرا أنَّ الرسالة التي وجهها الملك إلى المشاركين في الذكرى الخمسين لاختطاف المعارض المهدي بنبركة، كانتْ واضحة، ومضمونها "أنَّ أعلى سلطة في البلاد تقولُ إنَّ ملفّ الاختفاء القسري يجبُ أن يُطوى"، وتابع: "مْنْ الفوقْ كايْن الضوّ الأخضر، ولكنَّ مسؤولي المؤسسات الرسمية يُمارسون رقابةَ ذاتيّة، وهذه الرقابة يجبُ أنْ تزول". وتعقدُ مجموعة العمل المعنية بالاختفاء القسري لقاءات مع عائلات المختطفين للاستماع إلى شهاداتها، وفي حين حدّدتْ هيئة الإنصاف والمصالحة عدد ضحايا الاختفاء القسري في 700 حالة، قال رشيد المانوزي إنَّ هناكَ أكثر من 100 حالة توجدُ دلائل قويّة على وفاتها، موضحا أنَّ الهيئات المعنيّة اشتغلتْ على 60 ملفّا، سيتمّ تسليمها إلى الجهات الرسمية يوم الخميس القادم للبتّ فيها، وأضاف المتحدث: "نحنُ نعتبر الضحايا مختطفين ومجهولي المصير، ما دام أننا لا نعرف مقابرهم". وعلى الرغم من أنَّ الدولة بذلتْ جهودا لتعويض ضحايا الاختفاء القسري، إلا أنَّ الهيئات الحقوقية المشتغلة على هذا الملف تقول إن جبر الضرر ما زال مطروحا، خاصّة على المستوى الجماعي، وقالَ المانوزي، في هذا السياق، إنَّ المناطق التي تضررت أكثر من الاختفاء القسري ما زالت مهمّشة، مثل قرية تازمامارت، التي ما زالتْ تفتقر إلى الماء الشروب، ولا تتوفر على طبيب، على حدّ تعبيره.