يحاول البعض ربما ان يختبر صدق النوايا أو بالأحرى فضح زيفها وزيف ما وصف بالخطوات الجريئة في خطاب 9 مارس . يحاول البعض إحراج النظام والتأكيد على أن شيئا لم يتغير، وأن لا فرق بين مغرب ما قبل الخطاب وما بعده. يحاول البعض ان يقول ان الشعب غير راض على ما جاء به الخطاب الملكي من اصلاحات ويطلب المزيد . يحاول البعض ان يبعث رسائل مفادها أن هناك قوى سياسية لها من الوزن والقوة ما يعجز المخزن عن تطويعه ووضعه تحت جناحه . إن من يحاولون اختبار النوايا ومحاكمتها قبل بلورتها الى مشروع وعرضها على الشعب للاستفتاء ، انما يستبقون الأحداث ويفترضون مسبقا نتيجة هذا الاستفتاء ، وسيطعنون في نتائجه وفي مشروعيته سواء كان نزيها أو لا .ويطرحون أفكارا كضرورة اعتماد جمعية تأسيسية منتخبة وهي من يجب ان تشرف على اعداد الدستور الجديد وليس لجنة معينة . وهؤلاء يناقضون انفسهم في الوقت نفسه، يشككون في نوايا النظام ولا يستطيعون ائتمانه على انجاز اصلاحات هو من بادر بها من تلقاء نفسه . ويأتمنونه على انتخابات ستجرى في اطار نفس الدستور الحالي وتحت كنف الملك وسلطاته. وإلا فكيف سيتم انتخاب هذه اللجنة وهم المشككون في البرلمان والانتخابات السابقة . انه نفس المأزق الدستوري الذي وقعت فيه مصر واضطرت الى تعيين لجنة لتعديل مواد الدستور حتى يتم اجراء انتخابات نزيهة وانتخاب مؤسسات نزيهة يمكنها مستقبلا التفكير في دستور اكثر ديموقراطية للبلد . و مادامت النتيجة متيسرة بتعيين هذه اللجنة وقد تكون متعسرة بالانتخاب نظرا للإشكال الدستوري المشار اليه فما المانع بالقبول بالمبدأ ، ومادامت خلاصة ما ستصل اليه كلا اللجنتين منتخبة كانت أم معينة سيعرض على الملك صاحب القول الفصل فما الفرق .كما ان مسلسل الاصلاح لا يجب ان يتوقف عند المشروع الحالي المقترح من طرف الملك ،بل هو مجرد خطوة أولى لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة قادرة على افراز مؤسسات ذات تمثيلية شعبية تستطيع مواصلة مشروع الاصلاح وتبني المزيد من التعديلات الدستورية مستقبلا ،وهذا الامر لا يمكن ان يتأتى دفعة واحدة ، إلا في حالة واحدة اذا كان البعض يعتبر 20 فبراير نهاية التاريخ. لا احد يملك سلطة الطعن في النوايا ، ولا يجب الاستعجال في قطف الثمار قبل ان تنضج ،والشعب الذي انتظر أزيد من ثلاثة عقود، ليس صعبا عليه ان ينتظر عقدا اخر ان اقتضى الامر من اجل ترسيخ دولة المؤسسات ،وليس ثلاثة اشهر فقط. وهذا الشعب لم يقل كلمته بعد ،فلا يغتر احد بجماهيرية وهمية وشعبية زائدة ومن يريد أن يصدق وزنه الحقيقي في السوق الشعبية فل يعلن عن نفسه صراحة ولا يتستر وراء قميص 20 فبراير ومثيلاتها ،كما يقول المغاربة من يرقص لا يخبأ لحيته. حينها فقط سيكون المقياس الشعبي الذي يريد البعض نزعه عن مشروع الاصلاح وشرعيته بيد الشعب فل يتركوا الشعب يقول كلمته فيهم وفي الاصلاح ايضا .إن رضا الشعب سيعبر عنه يوم الاستفتاء وليس من خلال استمرار التظاهر ، ولا نرى طريقة اخرى غير ذلك . ومن حق كل قوة شعبية أو سياسية أن تبعث رسائلها متى شاءت وكيف شاءت، لكن ذلك ينبغي ان يتميز بنوع من الذكاء السياسي واستثمار اللحظات التاريخية بنوع من الايجابية ، وإظهار نوعا من الرضى الجزئي أو العام مع التحفظ حول بعض التفاصيل مما يؤشر بالفعل عن النضج السياسي .وليس مقبولا عقلا ومنطقا رمي كل ما وعد بتحقيقه وراء بدعوى انه ممنوح او غير نابع من الارادة الشعبية ،فالإرادة الشعبية التي يحاول البعض الاستقواء بها خداعة وقد لا تأتي بالمطلوب دائما، ونحن العالمون بواقع شعبنا ودرجة وعيه .والاكثر من هذا ايضا ان مجرد الرفض للحفاظ على طهرانية سياسية زائفة تجاه المخزن والاستعلاء عليه يفقد أصحاب هذه الدعوات اصطفافهم الى جانب مصالح الشعب وتغليب مصالحهم الفئوية لمجرد تعزيز قوتهم التفاوضية ربما لانتزاع مكاسب سياسية خاصة اكثر منها عامة. ان من يصرون على الخروج في التظاهر ويلوحون بجماهيرهم تجاه المخزن عليهم أيضا ان يخرجوا مشاريعهم للإصلاح ويعرضوها للنقاش ، فهذا المخزن على الاقل قدم رؤيته للإصلاح فاين المشاريع السياسية لهذه القوى المهددة بالمسيرات المليونية . هل تملك هذه القوى السياسية القدرة على بلورة تفاصيل مشروع الاصلاح الذي طرحه الملك . اين هي هذه المشاريع، لما لا يتم طرحها في الاعلام وعلى الانترنت وعلى القنوات الاجنبية ،اذا سلمنا بكون المجال الاعلامي الرسمي ما يزال محتكرا ، ولا احد اصلا يثق فيه ويستمع اليه . ان القوى السياسية الحقيقية عليها ان تعكف على عقد ندوات سياسية وفكرية لأهم بنود الاصلاح وإعداد مذكرات وطرحها على المتخصصين والاعلاميين، والترويج لها بشكل كبير وعرضها على اللجنة المكلفة بتعديل الدستور لجعلها أمام الأمر الواقع في حالة تجاهلها في المشروع النهائي. بعد ذلك فقط يمكن الطعن والتظاهر والدعوة الى رفض المشروع جملة وتفصيلا . ان ضعف القوى السياسية هو ما يجعلها عاجزة على مسايرة التغييرات السياسية بالمغرب وهذا أكبر المصائب . ومن يطلع على مقترحات الاحزاب السياسية حول مشروع الحهوية والتي قدمت للجنة الملكية ويقارنها بالمشروع النهائي المقدم الى الملك يستصغر كل تلك الاحزاب وكوادرها أمام كفاءة من تم تعيينهم من طرف الملك للإشراف على مشروع الجهوية . ومشاريع الاحزاب يمكن تصنيفها بالضعيفة الى الرديئة جدا . فلا يجب الاستهانة باللجنة المعينة من طرف الملك للإشراف على تعديل الدستور ،وعلى القوى السياسية ان تثبت جدارتها باقتراح مشاريع منافسة ،ساعتها ستكون اللجنة ملزمة بالأخذ بأحسنها . وعكس ذلك فسيكون مشروع اللجنة هو المهيمن والبقاء للأصلح. وليس إطلاق الكلام على عواهنه والمناداة بالإصلاح ودولة المؤسسات والحرية والكرامة وغيره، كاف للتغيير وإنما ترجمة ذلك من خلال مشاريع مفصلة وذات صيغ دستورية وليس مجرد كلام إنشائي. إلى من يحاول اختبار نوايا المخزن نقول ،إن المخزن لم يتغير ولكي يتغير يجب علينا نحن أولا ان نقتنع بأنه بإمكانه أن يتغير حينها فقط سيكون المخزن قد تغير.