أجمع جل المتدخلين في ندوة من تنظيم الرابطة الوطنية للصحافيين الاستقلاليين، حول "الصحافة الحزبية...أي واقع لأي أفق؟"، انعقدت مؤخرا بالرباط، على أن الصحافة الحزبية تعيش وضعا جد مترد، منذ تسعينيات القرن الماضي، بعد بروز ما سمي الصحافة المستقلة. عبدالله البقالي، رئيس تحرير جريدة العلم، الناطقة بلسان حزب الاستقلال، أكد في مداخلته أن ما تعيشه الصحافة الحزبية حاليا "أمر عادي، بالنظر إلى المشهد الإعلامي المغربي الرديء والمتخلف"؛ مضيفا أنه "لا يمكن الحديث عن إحياء الصحافة الحزبية دون التطرق إلى حل المعضلة التي يعاني منها الإعلام المغربي". واسترسل رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية بأن الصحف الناطقة بلسان الأحزاب "هي الأكثر استقلالية''، بحكم أن "القارئ عندما يقتني الجريدة يكون على دراية بأنها تابعة لحزب، وتنتهج خطابه، عكس الجرائد التي تدعي استقلالية ملفقة بخطابات تخدم جهات ما". وأضاف البقالي أن "نسب الخروقات في الصحافة الحزبية جد منخفضة"، معللا ذلك بعدد الدعاوى التي ترفع في حق الصحافيين العاملين في الجرائد الحزبية، والتي لا تتجاوز 4 دعاوى سنويا، إضافة إلى بيانات الحقيقة التي نادر ما تنشر في الجرائد الحزبية. الكاتب الصحافي عبد العزيز كوكاس رد على تبرير البقالي بالقول إن "انخفاض عدد الدعاوى وبيانات الحقيقة يعكس شيئا من الكسل في ممارسة مهنة المتاعب لدى الصحف الحزبية، لعدم انفتاحها على الأجناس الكبرى، كالتحقيقات والروبرتاجات". كوكاس، في معرض حديثه، شدد على أن النقاش حول الصحافة الحزبية "لم يعد له جدوى"، وما هو إلا "نوع من مكابرة جراح الموت"، لأن الصحافة الورقية بشكل عام في طريقها إلى الزوال. وأضاف المتحدث نفسه أن "الصحافة الحزبية، والصحافة الورقية بشكل عام، لا يمكنها التأقلم مع مجموعة من التحولات الضاغطة، وعلى رأسها التطور التكنولوجي"، قائلا إن "المجتمع المغربي انتقل من الجانب الشفوي إلى الجانب الإلكتروني دون المرور بالشق المكتوب، ناهيك عن ضغوط الإشهار والرقابة الذاتية الكبيرة التي يفرضها الصحافي بجريدة حزبية على نفسه". الصحافي السابق في جريدة "الزمن"، التي تعتبر من أوائل الجرائد المستقلة بالمغرب، أكد أن "الجرائد الحزبية حاليا غير مؤثرة، ولا تباع، إلى درجة أن الأمناء العامين للأحزاب يفضلون إجراء حوارات مع جرائد مستقلة، على أن يجروها مع جرائدهم الحزبية". وأضاف كوكاس أن هذا لا يمنع من القول إن الجرائد الحزبية عليها أن تتطور لتصبح مؤسسة للتكوين الصحافي، "فيها رائحة الحركة الوطنية ورائحة الحس النقدي"، حسب تعبيره. وقال الباحث السياسي بوشعيب أوبي إن ما تعيشه الأحزاب السياسية من تراجع أثر حتى على جرائدها، وأضاف أن الدول يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن الصحافة الحزبية تؤدي خدمة عمومية كتلك التي تقدمها الأحزاب. الباحث السياسي نفسه عرج بقوله على قانون الصحافة والنشر الذي لم يصدر بعد، مطالبا القائمين عليه بأن يأخذوا بعين الاعتبار إمكانية انفتاح الصحافة الحزبية على المجال الإلكتروني، منتقدا انغلاق الصحف الحزبية على نفسها، فبحسبه بات من الضروري الانفتاح على الرأي والرأي الآخر. وأكد جواد الشفدي، مدير نشر جريدة التجديد، على ضرورة تغليب الجانب المهني على الجانب الحزبي في ممارسة المهنة، مضيفا أن ما تعيشه الصحافة الحزبية يعود إلى مجموعة من العوامل، أبرزها الدعم غير الكافي، إضافة إلى تدني معدل المبيعات، خاصة أن الصحافة الحزبية لا تعتمد الإثارة في نقل أخبارها. هذا الوضع حسب المتحدث نفسه يستوجب تأهيلا شاملا للصحافة الحزبية يهم كل الجوانب. ولعل تراجع الهواجس الإيديولوجية عبر العالم، مقابل بروز الهواجس السياسية، أثر بشكل أو بآخر على وضعية الصحافة الحزبية بالمغرب، حسب عبد الجبار الراشدي، الباحث في قضايا الإعلام، الذي اعتبر أن الصحافة الحزبية لم تستطع مواكبة مجموعة من التحولات الاجتماعية. وأضاف الباحث في قضايا الإعلام، أن مساحات الحرية تطرح إشكالا في الصحافة الحزبية، "فلا يمكنها أن تكتب بسوء عن حزبها أو الأحزاب المتحالفة معه، وهذا ما يقزم وظيفتها". وختم رشدي حديثه بالقول إن الصحافة الحزبية يجب أن تنفلت قليلا من ضغط الأحزاب، وفي مقابل ذلك يجب تطوير مستوى المؤسسة الإعلامية، وكذلك الاعتناء بالموارد البشرية. *صحافي متدرب