ما إن استبشر المزارعون خيرا بتراجع شبح الجفاف، عقب التساقطات المطرية التي شهدتها أغلب مناطق البلاد في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، حتى لاحت في الأفق بوادر أزمة فلاحية مرتقبة، وضعَ على إثرها المشتغلون بالقطاع أياديهم على قلوبهم خوفا من استمرار شحّ الأمطار لأسابيع أخرى، لما لذلك من تبعاتٍ سلبية يصل مداها إلى باقي الميادين الاقتصادية منها والاجتماعية. ومع قرب انسلال الشهر الميلادي الأول من السنة الجارية، بدأت قسمات وجوه صغار الفلاحين تكتئب كلّما عاينوا محاصيلهم الزراعية تسير نحو التدهور، في الوقت الذي يلجأ آخرون، خاصة في عدد من مناطق دكالة، إلى الإمكانات المتوفّرة لسقي أراضيهم الزراعية، رغبة منهم في إنقاذ الموسم الفلاحي، والتخفيف من حدّة الجفاف الذي بدأ يرخي بظلاله بشكل مقلق. معاناة صغار الفلاحين بوشعيب مقتدر، أحد فلاحي منطقة بولعوان بإقليم الجديدة، وفي تصريح لهسبريس، أشار إلى أن الفلاحين يعيشون في الوقت الراهن وضعية لا يُحسدون عليها، إذ أصبحوا يجدون صعوبة كبيرة في تسويق الخضروات المتوفرة في الوقت الراهن، بعدما انخفض سعرها إلى مستوياتٍ لا يحصل معها الفلاح على المصاريف التي أنفقها في زرع وجني وتسويق المحصول. وأوضح المتحدث ذاته أن مناطقهم السقوية لم تتأثر بالحدّة نفسها التي عرفتها المناطق البورية، غير أن تكلفة السقي أثقلت كاهل الفلاحين الذين دأبوا على توفير مصاريف مهمة في مثل هذه الفترات، مبرزا مشاكل أخرى يتخبط فيها الفلاح في الوقت الراهن، تتمثل، بالأساس، في ارتفاع أعلاف المواشي، إذ وصل سعر "بالة التبن" الواحدة، على سبيل المثال، إلى 25 درهما. مقتدر أورد أن ارتفاع ثمن الأعلاف وقلّة المراعي دفعا الفلاحين إلى بيع مواشيهم لعدم قدرتهم على الاحتفاظ بها لفترات طويلة، ما يجعلهم مجبرين على تخفيض ثمنها المعتاد نتيجة كثرة العرض وقلة الطلب، حيث يخسرون حوالي 500 درهم لكل رأس غنم، وأزيد من 2000 درهم للأبقار، وذلك في غياب تامّ لأية مساعدات من الوزارات المعنية. وعن الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها لمساعدة المتضررين من الجفاف، أكّد مقتدر أن "مفهوم مساعدات الدولة" يثير مخاوف الفلاحين لما يرافقه من فوضى ومشاكل، عازيا ذلك إلى كثرة الإجراءات الإدارية، والقوانين المتداخلة، والفصول غير الواضحة، والمتاهات المتشابكة من جهة، ولافتا من جهة ثانية إلى "مشروع سبق أن استفاد منه فلاحو المنطقة لسقي أراضيهم بالتنقيط، ولا يزالون يعانون من فشله إلى اليوم"، على حد تعبيره. المطالب المائية مستجابة أما عبد الكبير ليفي، رئيس مقاطعة تسيير شبكة الري "الفارغ"، فقد أوضح في تصريحه لهسبريس، أن عمليات السقي لا تزال عادية إلى حدود الساعة، وطلبات الفلاحين مستجابة بحكم سيرورتها بالوتيرة نفسها التي تعرفها في مثل هذه الفترات من السنوات الماضية، مع وجود اختلاف يتمثل في كون الفلاحين اضطروا إلى سقي أراضيهم في الفترة الحالية، تعويضا للأمطار التي كانت تغطي دورتين مائيتين أو ثلاث، ما يعني ارتفاع المصاريف لدى المزارعين. وأوضح ليفي أن السنوات العادية تتطلب 10 أو 11 دورة مائية، وفي السنوات المتّسمة بالجفاف تُضاف 4 أو 5 دورات أخرى، أي بزيادة مالية لدى الفلاحين تصل إلى 1300 درهم في السنة عن كل هكتار، مشيرا إلى أن مثل هذه الفترة من السنة الماضية عرفت تساقط 120 مليمترا من الأمطار، في حين لم تتجاوز التساقطات إلى حدود الساعة 50 مليمترا، ما يعني أن محاصيل الأراضي البورية ستتضرر بشكل كبير، في الوقت الذي تسير مزروعات الأراضي السقوية بشكل جيّد، ومن ضمنها الشمندر السكري، الذي وصفه المسؤول ذاته "بالجيّد جدّا". وعن وضعية الفلاحين في منطقة دكالة، أكّد ليفي أن مداخيلهم السنوية لا تطرأ عليها أية تغيّرات في السنوات الجافة، موضحا ذلك بالقول إن أغلب الفلاحين يحولون أراضيهم البورية، في سنوات الجفاف، إلى سقوية، حيث تتم زراعة القطاني والحبوب والمزروعات الكلئية، ضاربا لذلك مثالا ب"الفصّة" التي يبيعها ملّاك الأراضي السقوية ب 50 أو 60 درهما في سنوات الجفاف، عوض 30 أو 35 درهما في السنوات العادية، مشيرا إلى أن المكتب الجهوي يهتم حاليا بتحسيس الفلاحين بضرورة ترشيد وعقلنة استعمال الموارد المائية. أما بالنسبة للتدابير الخاصة بسنوات الجفاف، فأوضح المسؤول ذاته أنه إلى حدود الساعة لم تتوصل المصالح المعنية بأية تعليمات لتخفيض الحصص المائية للفلاحين، غير أن تأخر الأمطار إلى شهر أبريل، سيدفع إلى التفكير في حاجيات انطلاق الموسم الفلاحي المقبل، حيث تتدخل مختلف الوزارات لتحديد إستراتيجية مائية خاصة، تتوافق مع الاحتياط المائي للسدود، ومدى تغطيته لسنة أو سنتين أو أكثر، مع تحديد حصة الماء الصالح للشرب من جهة، والمستعمل في أغراض صناعية أو فلاحية من جهة ثانية.