رغم الأمطار الغزيرة التي تساقطت على بلادنا مع بداية الموسم الفلاحي ، حيث أطلت تباشيرها الأولى مع شهر شتنبر مع انتظام في التساقطات استمر الى حدود بداية دجنبر، وخلافا لكل السنوات السالفة، فإن الموسم الفلاحي الحالي يتميز ، حسب العديد من الذين التقتهم الاتحاد الاشتراكي ، بندرة حادة في الأمطار، وهو العامل الأكثر تأثيرا على الفلاح المغربي بصفة عامة والدكالي على وجه الخصوص، وعلى اعتبار أن أكثرية فلاحي منطقة دكالة يعتمدون في فلاحتهم ، سواء التسويقية أو الاستهلاكية، على الأمطار حيث يمكن اعتبار الأمطار عنصرا حاسما بنسبة كبيرة في مصير الزراعات البورية، في حين أن نظيرتها السقوية لا تتأثر بها، نظرا لاعتمادها على مخزون الفرشة المائية ونسبة الملء بحقينة السدود. لكن بداية الموسم الفلاحي الحالي وإن بدت الأمطار جيدة، فإنها تعثرت خلال شهري يناير وفبراير، بالإضافة إلى أنها لم تكن بالغزارة المرجوة، حيث تميزت بالتقطع وسوء التوزيع، علما بأن تباشير موسم فلاحي جيد تبدأ منذ أوائل شتنبر بنزول الأمطار الخريفية، والتي تبقى مهمة لمختلف الزراعات سيما الحبوب و عشب المراعي، خصوصا في منطقة دكالة والتي تحتل الحبوب مكانة مهمة في منتوجها الفلاحي حيث تشكل مساحتها 90 في المائة من المساحة المزروعة والبورية على وجه الخصوص، لكن هذه السنة تقلصت مساحتها بشكل واضح، كما أن هذه المساحات على قلتها تواجه خطر تأخر سقوط المطر، فالحبوب تحتاج إلى أمطار بداية الموسم عند زراعتها، وتحتاج ايضا إلى أمطار الربيع ليكون المنتوج جيدا، ورغم اننا في انتظار أمطار شهر مارس، الا انها لن تكون كافية لإنقاذ الموسم، لكنها قد تساهم على الأقل في التخفيف من الأضرار التي تسببت فيها قلة التساقطات المطرية الخريفية، رغم أن الموسم لن يكون جيدا أو حتى متوسطا، وبالتالي سيكون الوضع كارثيا، ليبقى الفلاح المتضرر الأول والأخير. وأكدت مصادر من المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بدكالة أن التساقطات المطرية لم تتجاوز بمجموع تراب إقليمي الجديدة وسيدي بنور 200 ميليمتر ، بينما كانت في الفترة نفسها من الموسم الماضي 240 ميليمترا بنقص قدرته المصادر ذاتها بحوالي 25 في المائة ، معتبرة تلك التساقطات، إلى حد الآن، ضعيفة وغير مشجعة في منطقة تعتمد زراعة حبوب خريفية في مساحة بورية تبلغ 94 في المائة من المساحة الإجمالية المزروعة، ما يعني أن الموسم الفلاحي الحالي يظل بشكل كبير تحت رحمة التقلبات المناخية. إلى ذلك، فإن اجتماعا انعقد، مؤخرا ، لتقييم حصيلة تقدم الموسم الفلاحي بدكالة، خلص إلى أن ندرة التساقطات أدخلت يأسا كبيرا في قلوب السواد الأعظم من فلاحي المنطقة، التي تعد خزانا هاما من الحبوب واللحوم والحليب، وكان التشاؤم خيم على أشغال هذا الاجتماع، خاصة أن المساحة المزروعة المؤمنة من الحبوب بشتى أنواعها لا تتجاوز 18 ألف هكتار من أصل 135418 هكتارا. وأكد عضو من الغرفة الفلاحية الجهوية لدكالة عبدة في تصريح للاتحاد الاشتراكي، أن التساقطات المطرية تأخرت بشكل كبير في هذه الفترة من الموسم الفلاحي، التي تحتاج فيها المزروعات إلى كميات هامة من الماء الضروري لنمو طبيعي يصمد في وجه الظروف المناخية وفي مقدمتها «الجريحة»، وأضاف أن ندرة الأمطار أضعفت الموسم الفلاحي الحالي بنسبة 40 في المائة، خاصة الأراضي الفلاحية ذات التربة الرملية. ندرة الأمطار في منطقة تعد خزانا هاما للحبوب واللحوم والألبان وأشار إلى أن قلة كميات الأمطار بدكالة لم يسلم من آثارها السلبية أي قطاع فلاحي، مبرزا أن في مجال التسمين تراجعت أثمنة الغنم بحوالي 20 في المائة، مقارنة مع فصل الصيف الأخير، ما من شأنه خلق اختلالات خطيرة في الاقتصاد القروي المعتمد أساسا على تربية المواشي. وفي هذا السياق، أوضح أن أثمنة الأعلاف بجميع أنواعها، ارتفعت بنسبة 100 في المائة، إذ أكد أن سعر علف الشمندر ارتفع من 1.50 درهم إلى 3.50 دراهم للكيلوغرام والنخالة من 1.50 درهم إلى 2.75 درهم للكيلوغرام، والعلف المركب للحليب من 1.60 درهم إلى 3.60 دراهم للكيلوغرام والتبن من 10 دراهم إلى 18 درهما للبالة. وأبرز أنه إذا ما استمر الوضع على حاله، فإن ذلك سيضر بإنتاج الحليب، الذي ستتناقص إنتاجيته بشكل كبير جدا وسيضطر الفلاح إلى بيع بقرة لإطعام أخرى. وبخصوص الخضر والبواكر، اعتبر منتج من منطقة خميس متوح، التي تعتبر من بين المناطق المعروفة بإنتاج البطاطس، أن الفلاح يراكم خسارات متتالية، وأعطى مثالا على ذلك أن الكيلوغرام من البطاطس يكلف درهمين بينما يتم بيعه بسعر 1.40 درهم وأقل أحيانا في ظل فوضى تطبع السوق الداخلي وتوقف التصدير الخارجي. وختم بالقول إن الدولة ، لحد الآن، لم تقم بأي بادرة لمساعدة الفلاحين لتجاوز هذه المرحلة الصعبة من الموسم الفلاحي الحالي، وطالب العديد من فلاحي منطقة دكالة ممن التقتهم الاتحاد الاشتراكي، وزير الفلاحة بعقد اجتماع طارئ مع الفلاحين للاطلاع على ما آلت إليه الأوضاع من تدهور في منطقة تعد دعامة استراتيجية في الأمن الغذائي ببلادنا. من جهة أخرى، يلوم فلاحو دكالة المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي باعتباره يبخل عليهم بمياه السقي والتي حددها في سويعات معدودة في ايام محددة سلفا خلال الأسبوع ، والتي يراها الفلاحون غير كافية ويطالبون بأكثر من ذلك لإغاثة الحبوب، خاصة أن الأنباء القادمة من المركب المائي المسيرة الحنصالي، تؤكد أن حقينته تفوق 3 ملايير متر مكعب من الماء بنسبة ملء تفوق90 في المائة، وأن دكالة خصصت لها حصة مائية تقارب 600 مليون متر مكعب، استهلك منها لحد الآن 120 مليون متر مكعب. ويرى متتبعون للشأن الفلاحي بدكالة أن انحسار التساقطات، من شأنه أن يغذي موجات قلق بالمنطقة، التي لم تتح لها الفرصة للانعتاق في إطار مخطط المغرب الأخضر من مخلفات سنوات جفاف سابقة وانسداد آفاق التسويق في وجه الخضر والبواكر منذ حرب الخليج الأولى سنة 1990، كما أنه يدفع إلى موجات هجرة قروية نحو التجمعات الحضرية بدكالة مع ما يرتبط بذلك من ظواهر اجتماعية سلبية مرافقة. وكان المتتبعون أنفسهم أكدوا أنه في ظل محدودية التأمين ضد الجفاف، يتعين على الدولة أن تبادر إلى إجراءات لها من الفعالية، ما يجعلها ترقى إلى مبادرات حقيقية لإغاثة الحرث والنسل في هذه المنطقة الفلاحية المهمة. تراجع زراعة الشمندر من 22 إلى 8 آلاف هكتار أحجم المكتب الجهوي بدكالة عن تجاوز حصة 4 أيام حتى لا ترتفع مديونية الفلاحين بخصوص مياه السقي، في ظل ظروف منطقة سقوية سفلى وعليا تتسم هذا الموسم بتراجع زراعة الشمندر السكري من 22 ألف هكتار إلى حوالي8 آلاف هكتار، وذلك على شكل ردة فعل من طرف المنتجين على حصيلة المواسم الماضية التي اتسمت بحصدهم خسارات كبيرة مترتبة عن هزالة ثمن الشمندر والأعطاب المتكررة التي لحقت المعمل، ما تسبب في تعفن المنتوج، وكذلك المشاكل المرتبطة بوسائل النقل، بل هناك من اعتبر أن إغلاق معمل الزمامرة كان ضربة قاضية لقطاع الشمندر السكري بالمنطقة. إلى ذلك، فإن جل الفلاحين ممن التقيناهم يؤكدون على ضرورة وقوف المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي إلى جانبهم، بتمكينهم من مياه السقي لمدة أطول من تلك التي حددت في معدل أربعة أيام، وذلك من أجل إنقاذ مزروعاتهم ، مستشهدين في ذلك بكون المركب المائي المسيرة تفوق نسبة الملء به 90 بالمائة، الأمر الذي يمكن أن يخفض من موجة القلق التي تجتاح أوساط الفلاحين. «الجريحة» متهمة ، الى إشعار آخر، في ارتفاع أسعار الخضر الخضر هي الأخرى نالت نصيبها من موجة الجفاف السائدة، إلا أنها تبقى بنسبة أقل لكونها تعتمد في غالب الأحيان على السقي الاصطناعي، كما ان ارتباطها بالتساقطات يبقى غير مباشر، لكونها تزرع بضيعات صغيرة اذا قورنت مع مساحات زراعة الحبوب، إلا أن موجة البرد التي اجتاحت البلاد في الآونة الأخيرة، أثرت بشكل غير مسبوق على المحاصيل، سيما أن زراعة الخضر تحتاج إلى السقي الوفير والحرارة المعتدلة، وهما العاملان اللذان يغيبان معا هذه السنة، في حين تبقى الضيعات المغطاة تنتج بشكل طبيعي جراء اعتمادها على الحرارة الاصطناعية ، وهو ما يفسر الارتفاع الصاروخي لأثمنة بعض الخضر في الآونة الاخيرة، حيث فاق ثمن الفاصوليا الخضراء 18 درهما للكيلوغرام ، فيما سومة القرع لا تنزل على12 درهما، أما البطاطس ورغم غلائها، فلا تزال تقاوم بفعل توفرها ببعض المخازن ولن تتأثر بشكل كبير إلا بعد أشهر ، حسب بعض المزارعين، حيث أتلفت الجريحة ما يفوق 60 بالمائة من المساحة المزروعة بالبطاطس نتيجة موجة الجريحة غير المسبوقة، التي اجتاحت كل مناطق المملكة، بما في ذلك حقول دكالة. وهو وضع يعمل المضاربون في السوق الداخلية على استغلاله وزرع إشاعات في صفوف المواطنين ودفعهم للإيمان بالتهاب الأسعار. لتبقى هذه الفئة هي المستفيد الوحيد في ظل معاناة المنتج الذي يشكو من ارتفاع المصاريف وخاصة الكازوال. وأمام انتشار الصقيع و«الجريحة»، قد أعلن في وقت سابق وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، عن عزم الحكومة على تعويض الفلاحين المتضررين من الصقيع وهو تدخل استثنائي ، كما أعلن عن وضع برنامج خاص بالتأمين يغطي أكثر من 600 ألف هكتار من المزروعات والأغراس ومساعدة من يريد إعادة زرع المساحات التي أتلفها الصقيع بتغطية نسبة من مصاريف البذور .في حين يرى الفلاحون أن هذه الإجراءات تبقى غير كافية، ويطالبون بمخططات مستدامة وليست موسمية. معاناة الكسابة أمام ندرة الكلأ وارتفاع أسعار العلف إذا كان شح التساقطات قد أثر على المزروعات وتوقف معها أمل الفلاح في إنتاج جيد ومحصول يكفي لتغطية النفقات ، فإن معاناة مربي الماشية تزداد يوما بعد يوم، وذلك في ظل ندرة العشب بالمراعي ، والارتفاع الصاروخي في أثمنة الكلأ بكل أصنافه سواء الأعلاف الموجهة للتسمين ولتربية المواشي ، ويقابل ذلك انخفاض مهول في ثمن البهائم خصوصا بعد أن شرع العديد منهم في التخلص منها أملا في تقليص النفقات. وحسب بعض الكسابة أمام ما تعرفه أسعار المواد العلفية من ارتقاع صاروخي وبعملية حسابية بسيطة، فإن كل بهيمة تكلف صاحبها 50 درهما يوميا على الأقل ،وهو ما يوجب على الفلاح بيع بقرة من أجل إطعام أخرى. هذه الظروف دفعت بالكسابة إلى مطالبة الوزارة الوصية بوضع برنامج استعجالي لإنقاذ قطيع الماشية، بدعم ثمن الأعلاف على غرار ما هو معمول به في مناطق أخرى كالمنطقة الشرقية والرحامنة وأخيرا سوس، مستشهدين بكون المنطقة تعد خزانا مهما لمادتي اللحوم والحليب ومشتقاته، حيث يقارب إنتاجها ربع الإنتاج الوطني من هاتين المادتين الحيويتين، التي لن تقتصر انعكاساتها على منطقة دكالة فحسب، بل على كل ربوع المملكة. على سبيل الختم أدى انحسار التساقطات في هذه الفترة المفصلية من العام الفلاحي، إلى قلق شديد أرخى بظلاله على البادية الدكالية منذ أكثر من شهرين، وتحول إلى يأس بعد أن انصرام شهر فبراير ، معلنا تضرر الفلاح والكساب بشكل مباشر وهو ما يؤثر حتما على النسيج الاقتصادي ببلادنا ويجعل نسبة النمو التي وردت في التصريح الحكومي غير قابلة للتحقق على خلفية أن الفلاحة هي المحرك الأساسي لقطاعات أخرى تابعة، وتوقعت العديد من المصادر أن يؤدي الجفاف بالبادية المغربية إلى تقلص في أيام العمل وازدياد عطالة القرويين ما سيغذي حتما موجات من الهجرة القروية متدفقة على المدن والمراكز، مع ما يصاحب ذلك من انعكاسات سلبية ترفع بالأساس معدل الجريمة بشكل غير مسبوق!