بعد الفيضانات التي عرفتها مناطق واسعة من المغرب، والتي كانت لها تأثيرات سلبية على الفلاحة السنة الماضية، وكان من نتائجها موسم فلاحي ضعيف، انضافت إلى هذه «الوضعية»،الموسم الحالي، موجة الصقيع التي تلت انحباس المطر، وهي الموجة التي تؤثر سلبا على المحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها، وتساهم في تلف العديد من المنتوجات، كما تساهم في تأخر نمو الأخرى التي يكون وقع الضرر عليها أقل مثل الحبوب والقطاني. اصفرار المنتوجات من أعراض «الصقيع» على المنتوجات الفلاحية، ظهور الإصفرار على أوراقها وتقلص نموها، مما يؤثر على دورة نموها ، وبالتالي تأخرها عن الموعد ، وهذا يؤدي بالضرورة إلى النقص في المحصول. وإضافة إلى هذه الأضرار التي تتأثر بها الكثير من المحاصيل كالحبوب والبطاطس والبصل ، فإن بعض المحصولات الأخرى تصاب بأمراض كثيرة مثل المرض الذي يصيب القطاني خاصة الفول والمعروف عند الفلاحة في بعض المناطق المغربية «بشوال الخروف» أو «تابع الخروف»، وهو مرض تجهل لحد الآن أسبابه رغم وجود بعض المبيدات التي تخفف من آثاره. ويلجأ الفلاحون غالبا في مثل هذه الفترات التي يمتد فيها الصقيع أو بقاء برك الماء وسط المحاصيل، الى معالجتها ببعض الأسمدة ،خاصة مادة الازوت التي تساعد المحاصيل على تحمل آثار المياه، وكذلك برودة الصقيع التي تؤدي إلى تلف المحاصيل. حسب بعض الفلاحين ، فإن موجة «الصقيع» تزيد من إثقال كاهل الفلاحين بهذه المصاريف، أما الذين لايقدرون عليها فإنهم يتكبدون الخسارة، وتكون الأمطار التي يستبشرون بها بدون فائدة. وخلافا لكل السنوات السالفة، فإن الموسم الفلاحي الحالي يتميز، حسب العديد من الذين التقتهم «الاتحاد الاشتراكي»، بندرة في الأمطار، و انحباسها ، وهو العامل الأكثر تأثيرا على الفلاح المغربي بصفة عامة والدكالي على وجه الخصوص، على اعتبار أن أكثرية فلاحي منطقة دكالة يعتمدون في فلاحتهم سواء التسويقية أو الاستهلاكية ،على الأمطار، حيث يمكن اعتبار الأمطار عنصرا حاسما بنسبة كبيرة في مصير الزراعات البورية، في حين أن نظيرتها السقوية لا تتأثر به، نظرا لاعتمادها على مخزون الفرشة المائية ونسبة الملء بحقينة السدود. لكن بداية الموسم الفلاحي الحالي ، تميزت خلالها الأمطار بالتقطع وسوء التوزيع، علما بأن تباشير موسم فلاحي جيد تبدأ منذ أوائل شتنبر بنزول الأمطار الخريفية والتي تبقى مهمة لمختلف الزراعات سيما الحبوب و عشب المراعي، خصوصا في منطقة دكالة، التي تحتل الحبوب مكانة مهمة في منتوجها الفلاحي ، حيث تحتل مساحتها 90 في المائة من المساحة المزروعة والبورية على وجه الخصوص، لكن هذه السنة تقلصت مساحتها بشكل واضح، كما أن هذه المساحات ، على قلتها ، تواجه خطر تأخر سقوط المطر، فالحبوب تحتاج إلى أمطار بداية الموسم عند زراعتها، وتحتاج ايضا إلى أمطار الربيع ليكون المنتوج جيدا، ورغم اننا في انتظار امطار شهر يناير ، الا انها لن تكون كافية لإنقاذ الموسم، لكنها قد تساهم على الأقل في التخفيف من الأضرار التي تسببت فيها قلة التساقطات المطرية الخريفية، رغم أن الموسم لن يكون جيدا أو حتى متوسطا. وبالتالي سيكون الوضع صعبا، ليبقى الفلاح المتضرر الأول والأخير، علما بأن آخر نشرة لمكتب الظرفية الإقتصادية اعتمدت في نمو العديد من القطاعات على جودة الموسم الفلاحي «الذي ستكون نتائجه، حسب ذات المكتب. جيدة.» أكدت مصادر من المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بدكالة أن التساقطات المطرية تقل ب50 في المائة مقارنة مع نفس الفترة، إذ لم تتجاوز بمجموع تراب إقليمي الجديدة وسيدي بنور خلال الموسم الفلاحي 2014-2015 بجهة دكالة عبدة 264 ملم بتاريخ 15 دجنبر 2014 ، المصادر اعتبرت تلك التساقطات إلى حد الآن ضعيفة وغير مشجعة في منطقة تعتمد زراعة حبوب خريفية في مساحة بورية تصل 94 في المائةمن المساحة الإجمالية المزروعة، ما يعني أن الموسم الفلاحي الحالي يظل بشكل كبير تحت رحمة التقلبات المناخية. إلى ذلك، كان اجتماع انعقد ، مؤخرا ، لتقييم حصيلة تقدم الموسم الفلاحي بدكالة، خلص إلى أن ندرة التساقطات أدخلت يأسا في قلوب السواد الأعظم من فلاحي المنطقة، التي تعد خزانا هاما من الحبوب واللحوم والحليب، وكان التشاؤم خيم على أشغال هذا الاجتماع، خاصة أن المساحة المزروعة المؤمنة من الحبوب بشتى أنواعها لا تتجاوز 30 ألف هكتار من أصل 135418 هكتارا . وأكد عضو من الغرفة الفلاحية الجهوية لدكالة عبدة، في تصريح للاتحاد الاشتراكي، أن التساقطات المطرية تأخرت بشكل كبير في هذه الفترة من الموسم الفلاحي، التي تحتاج فيها المزروعات إلى كميات هامة من الماء الضروري لنمو طبيعي يصمد في وجه الظروف المناخية وفي مقدمتها الجريحة، وأضاف أن ندرة الأمطار أضعفت الموسم الفلاحي الحالي بنسبة 60 في المائة، خاصة الأراضي الفلاحية ذات التربة الرملية. قلة الأمطار تؤثر سلبا على إنتاج اللحوم والألبان وأشار إلى أن قلة كميات الأمطار بدكالة لم يسلم من آثارها السلبية أي قطاع فلاحي، مبرزا أن في مجال التسمين تراجعت أثمنة الغنم بحوالي 45 في المائة، مقارنة مع فصل الصيف الأخير، وهو ما من شأنه خلق اختلالات ملموسة في الاقتصاد القروي المعتمد أساسا على تربية المواشي. وفي هذا السياق، أوضح أن أثمنة الأعلاف بجميع أنواعها ارتفعت بنسبة 100 في المائة، إذ أكد أن سعر علف الشمندر ارتفع من 1.50 درهم إلى 4 دراهم للكيلوغرام والنخالة من 1.50 درهم إلى 3 دراهم للكيلوغرام، والعلف المركب للحليب من 1.60 درهم إلى 4 دراهم للكيلوغرام والتبن من 10 دراهم إلى 20 درهما للبالة. وأبرز أنه إذا ما استمر الوضع على حاله، فإن ذلك سيضر بإنتاج الحليب الذي ستتناقص إنتاجيته بشكل كبير وسيضطر الفلاح إلى بيع بقرة لإطعام أخرى. البطاطس أكبر متضرر بخصوص الخضر والبواكر، اعتبر منتج من منطقة خميس متوح التي تعد من بين المناطق المعروفة بإنتاج البطاطس، أن الفلاح يراكم خسائر متتالية، وأعطى مثالا على ذلك أن الكيلوغرام من البطاطس يكلف 3 دراهم بينما يتم بيعه بسعر 2ونصف درهم وأقل أحيانا ، في ظل فوضى تطبع السوق الداخلي وتوقف التصدير الخارجي. وختم بالقول: إن الدولة لحد الآن لم تقم بأي بادرة لمساعدة الفلاحين لتجاوز هذه المرحلة الصعبة من الموسم الفلاحي الحالي، وطالب العديد من فلاحي منطقة دكالة ، وزير الفلاحة بعقد اجتماع طارئ مع الفلاحين للاطلاع على ما آلت إليه الأوضاع من تدهور في منطقة تعد دعامة استراتيجية في الأمن الغذائي ببلادنا. المكتب الجهوي «عون» لتحصيل الديون من جهة أخرى، يلوم فلاحو دكالة المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي باعتباره يبخل عليهم بمياه السقي والتي حددها في سويعات معدودة في ايام محددة سلفا خلال الأسبوع ، والتي يراها الفلاحون غير كافية ، ويطالبون بأكثر من ذلك لإغاثة الحبوب، خاصة أن الأنباء القادمة من المركب المائي المسيرة الحنصالي، تؤكد أن حقينته تفوق ملياري متر مكعب من الماء بنسبة ملء تفوق70 في المائة، وأن دكالة خصصت لها حصة مائية تقارب 600 مليون متر مكعب، استهلك منها لحد الآن 120 مليون متر مكعب، بل إن المكتب تحول من مؤطر ومدعم للفلاحين بالجهة الى مجرد «عون مكلف بتحصيل الديون العمومية وسيف على رقاب الفلاحين . ويرى متتبعون للشأن الفلاحي بدكالة، أن انحسار التساقطات، من شأنه أن يغذي موجات قلق بالمنطقة، التي لم تتح لها الفرصة للانعتاق في إطار مخطط المغرب الأخضر من مخلفات سنوات جفاف سابقة وانسداد آفاق التسويق في وجه الخضر والبواكر منذ حرب الخليج الأولى سنة 1990، كما أنه يدفع إلى موجات هجرة قروية نحو التجمعات الحضرية بدكالة مع ما يرتبط بذلك من ظواهر اجتماعية سلبية مرافقة، مؤكدين أنه في ظل محدودية التأمين ضد الجفاف، يتعين على الدولة أن تبادر إلى إجراءات لها من الفعالية، ما يجعلها ترقى إلى مبادرات حقيقية لإغاثة الحرث والنسل في هذة المنطقة الفلاحية المهمة. وتؤكد المديرية الجهوية للفلاحة دكالة عبدة أن مساعدات الدولة لتشجيع الإستثمار في المجال الفلاحي تزداد سنة بعد أخرى، حيث أفاد بلاغ لها أن دعم المديرية ارتفع بشكل هام في عدد الملفات التي تمت معالجتها والتي حصل أصحابها على إعانات الدولة في إطار صندوق التنمية الفلاحية، وذلك من أجل إنجاز مشاريع فلاحية تنموية حيث ارتفع عدد الملفات المعالجة من 1.569 ملفا سنة 2008 إلى 6.600 ملف سنة 2012، أي بنسبة ارتفاع 320 % .أما عدد الملفات التي تمت معالجتها إلى متم شهر أكتوبر2013، فقد فاقت 9.000 ملف، أي بنسبة ارتفاع تفوق 475 % مقارنة مع سنة 2008 . في نفس الاتجاه، ارتفعت قيمة الإعانات الممنوحة من 79 مليون درهم خلال سنة 2008 إلى 228 مليون درهم سنة 2012 ، حيث سجلت نسبة ارتفاع تصل إلى 189 % . وقد وصلت قيمة الإعانات الممنوحة سنة 2013 ، إلى متم شهر أكتوبر2013 ، إلى 204 مليون درهم، أي بنسبة ارتفاع تصل إلى 160 % مقارنة مع سنة 2008 . وبلغ عدد الملفات المعالجة خلال الست سنوات الماضية منذ إنشاء الشباك الوحيد سنة 2008 بمصالح المديرية الجهوية للفلاحة دكالة عبدة، 18.102 ملف بمبلغ إعانات يقدر ب 984 مليون درهم. كما أن مبلغ الاستثمارات الناتج عن المساعدات الممنوحة لصالح الفلاحين خلال الست السنوات الماضية يقدر بمليارين و 460 مليون درهم وبهذا المبلغ المتعلق بالاستثمارات، فإن الدولة تكون قد ساهمت ب 40 % في الاستثمار الخاص. ويتوزع حجم الإعانات حسب نوعها على الشكل التالي : تجهيز الضيعات بالمعدات الفلاحية: 44 % ، التجهيزات الهيدروفلاحية: 41 % ، تكثيف الإنتاج الحيواني: 14 % وأخيرا غرس الأشجار المثمرة. كما تم اعتماد مساعدات مالية جديدة برسم سنة 2013/2014 تهم بالخصوص: غرس الأشجار المثمرة، إنعاش وتنويع صادرات المنتجات الفلاحية، تجهيزالضيعات بالمعدات الفلاحية و تشجيع استعمال الطاقة الشمسية في مشاريع الري المقتصدة في المياه. تراجع مساحات الشمندر السكري أحجم المكتب الجهوي بدكالة عبدة عن تجاوز حصة 4 أيام حتى لا ترتفع مديونية الفلاحين بخصوص مياه السقي، في ظل ظروف منطقة سقوية سفلى وعليا تتسم هذا الموسم بتراجع زراعة الشمندر السكري من 22 ألف هكتار إلى حوالي8 آلاف هكتار، وذلك على شكل ردة فعل من طرف المنتجين على حصيلة المواسم الماضية التي اتسمت بحصدهم خسائر كبيرة مترتبة عن هزالة ثمن الشمندر والأعطاب المتكررة التي لحقت المعمل، ما تسبب في تعفن المنتوج، وكذلك المشاكل المرتبطة بوسائل النقل. إلى ذلك، فإن جل الفلاحين ممن التقيناهم يؤكدون على ضرورة وقوف المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي إلى جانبهم، بتمكينهم من مياه السقي لمدة أطول من تلك التي حددت في معدل ثلاثة أيام ، وذلك من أجل إنقاذ مزروعاتهم، مستشهدين في ذلك بكون المركب المائي المسيرة تفوق نسبة الملء به 90 بالمائة، الأمر الذي يمكن أن يخفض من موجة القلق التي تجتاح أوساط الفلاحين. ارتفاع الأسعار وندرة العلف الخضر هي الأخرى نالت نصيبها من موجة الجفاف السائدة، إلا أنها تبقى بنسبة أقل لكونها تعتمد في غالب الأحيان على السقي الاصطناعي، كما ان ارتباطها بالتساقطات يبقى غير مباشر، لكونها تزرع بضيعات صغيرة اذا قورنت مع مساحات زراعة الحبوب، إلا أن موجة البرد التي اجتاحت البلاد في الآونة الأخيرة، أثرت بشكل غير مسبوق على المحاصيل، سيما أن زراعة الخضر تحتاج إلى السقي الوفير والحرارة المعتدلة، وهما العاملان اللذان يغيبان معا هذه السنة، في حين تبقى الضيعات المغطاة تنتج بشكل طبيعي جراء اعتمادها على الحرارة الاصطناعية ، وهو ما يفسر الارتفاع الصاروخي لأسعار بعض الخضر في الآونة الاخيرة، حيث فاق ثمن الفاصوليا الخضراء 30 درهما للكيلوغرام ،فيما سومة القرع لا تنزل عن12 درهما، أما البطاطس ورغم غلائها، فلا تزال تقاوم بفعل توفرها ببعض المخازن ولن تتأثر بشكل كبير إلا بعد أشهر، حسب بعض المزارعين، حيث أتلفت الجريحة ما يفوق 60 بالمائة من المساحة المزروعة بالبطاطس، نتيجة موجة الجريحة غير المسبوقة، التي اجتاحت جل مناطق المملكة، بما في ذلك حقول دكالة. وهو وضع يعمل المضاربون في السوق الداخلية على استغلاله وزرع إشاعات في صفوف المواطنين ودفعهم للإيمان بالتهاب الأسعار. لتبقى هذه الفئة هي المستفيد الوحيد في ظل معاناة المنتج الذي يشكو من ارتفاع المصاريف وخاصة الكازوال . وأمام انتشار الصقيع والجريحة ، أعلن في وقت سابق وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، عن وضع برنامج خاص بالتأمين يغطي أكثر من 600 ألف هكتار من المزروعات والأغراس ومساعدة من يريد إعادة زرع المساحات التي أتلفها الصقيع بتغطية نسبة من مصاريف البذور . في حين يرى الفلاحون أن هذه الإجراءات تبقى غير كافية، ويطالبون بمخططات مستدامة وليست موسمية. إذا كان انحباس التساقطات قد أثر على المزروعات وتوقف معها أمل الفلاح في إنتاج جيد ومحصول يكفي لتغطية النفقات ، فإن معاناة مربي الماشية تزداد يوما بعد يوم، وذلك في ظل ندرة العشب بالمراعي ،و الارتفاع الصاروخي في أثمنة الكلأ بكل أصنافه سواء الأعلاف الموجهة للتسمين ولتربية المواشي ،ويقابل ذلك انخفاض مهول في ثمن البهائم خصوصا بعد أن شرع العديد منهم في التخلص منها أملا في تقليص النفقات. وحسب بعض الكسابة ، أمام ما تعرفه أسعار المواد العلفية من ارتقاع صاروخي وبعملية حسابية بسيطة فإن كل بهيمة تكلف صاحبها 50درهما يوميا على الأقل ،وهو ما يوجب على الفلاح بيع بقرة من أجل إطعام أخرى. هذه الظروف دفعت بالكسابة إلى مطالبة الوزارة الوصية بوضع برنامج استعجالي لإنقاذ قطيع الماشية، بدعم ثمن الأعلاف على غرار ما هو معمول به في مناطق أخرى كالمنطقة الشرقية والرحامنة وأخيرا سوس، مستشهدين بكون المنطقة تعد خزانا مهما لمادتي اللحوم والحليب ومشتقاته، حيث يقارب إنتاجها ربع الإنتاج الوطني من هاتين المادتين الحيويتين، ومن ثم لن تقف انعكاسات الوضعية الراهنة عند منطقة دكالة فحسب، بل ستشمل كل ربوع البلاد.