بتاريخ 15 يناير (كانون ثاني) من عام 2016م نشرت مجموعة من الأكاديميين في تركيا عريضة تنتقد فيها سياسة أردوجان بمعالجته للتمرد الكردي المسلح بعنوان لن نكون شركاء في الجريمة، ترتب عليه اعتقال 21 أكاديمي ممن وقع على العريضة، وطرد البعض من وظائفهمن والتحقيق مع أكثر من ألف منهم، وقام أردوجان رئيس جمهورية تركيا والوجه البارز في حكومة العدالة التركية بتوجيه نقد شديد لهؤلاء؛ بأن من يسمي نفسه أكاديميا لايعني أنه أمسك بالحقيقة ونطق صدقا عدلا، وأمام هذه الاعتقالات أظهر الكثير من المفكرين اعتراضهم على تصرف الحكومة التركية منهم (نعوم تشومسكي) المفكر والناقد الأمريكي المثير للجدل. والسؤال المحرج هو أين حدود التعبير ومن الذي يقرر هذا أمام تمرد العقل وسباحته التي لاتعرف الشواطيء؟ ثم ماقيمة أي تفكير لم يجد طريقه الى التشكل بالتعبير نطقاً وكتابة ونشاطاً وتجمعا وتظاهرا وتشكيل أحزاب وجميعات ومؤسسات وهيئات؟؟ نعم إنه سؤال ملح فمن يسمح للتفكير بالانطلاق، والتعبير بالانحباس، هو في الحقيقة يغتال الفكر والتعبير معاً. إذا سمحنا للعقل بالتفكير، وكممنا الأفواه عن التعبير، كان مثلنا كمثل الحمار يحمل أسفارا، أو مثل من ينطلق بسيارة وهي مشدودة الفرامل فهل يفعل هذا أحد منا؟ في الواقع وفي كثير من بلداننا صادرنا الكلام فلا يفتح المواطن فمه الا عند طبيب الاسنان ؟ وعندما نقول أننا مع التفكير، ولكن لابد من تنظيم التعبير، نحن في الواقع نطلق نكتة ولانريد التعبير الا بالغاء كل تعبير، تحت شعار لاحرية لاعداء الشعب، لنصادر كل حرية وكل الشعب؟! ولكن من هو العدو؟ وأي حرية نعني؟ يجب أن نشجع التفكير بدون حدود، والتعبير بدون قيود، ونحرم شيئاً واحدا وهو استخدام القوة لفرض الآراء خروجا ودخولا، ومن عنده قدرة على إقناع الناس فليلق حباله وعصيه ويسحر الناس؟ في القرآن مبدأ مقدس جاء بعد آية الكرسي، وهي أي آية الكرسي أعظم آية في القرآن، جاءت آية عدم الإكراه، لا إكراه في الدين (دخولا وخروجا). من الغريب أن البعض يقول أن هذا هو قبل الإسلام، فإذا أسلم وغير دينه قطعنا رقبته، تحت مقولة حديث مشبوه ناقص غير تام (من بدل دينه فاقتلوه). لو أردنا التطبيق الحرفي لهذا الحديث المشبوه، كان معناه أن من كفر بدين غير الإسلام، وجاء لاعتناق الإسلام قطعنا رقبته، وتركناه يدخل الإسلام بدون رأس وعنق. ألا ساء مايحكمون. نحن نظن أننا اذا سمحنا للحق والباطل بفرص متكافئة أن الباطل سيهزم الحق؟! ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فاصبحتم من الخاسرين؟! نحن نظن اننا إذا فتحنا المجتمع لجميع الآراء ان الاسلام سيختفي من الأرض؟! ولكن الذي ثبت أن الاسلام صمد عبر التاريخ، ويكسب أتباعاً باستمرار ليس أقلها (أخوات محمد) في ألمانيا من نساء جرمانيات وليس تركيات ؟! اعترفت مجلة الشبجل الألمانية أن عددهن يتجاوز الخمسين ألفاً، وكتاب (جيفري لانج) عن (الصراع من اجل الإيمان) يبين كيف أن استاذ الرياضيات الأمريكي الملحد أسره القرآن فاعتنق الاسلام ولكن اتصاله بالمسلمين فجعه؟ أذكر من كتاب القوة (The Power) للفيلسوف البريطاني برتراند راسل قولته؛ أن أمر التربية لوكان له في تعليم الأطفال، لعرض على عقولهم أشد الاراء تباينا، وأكثر الأقوال تناقضا، من أجل تشكيل العقل النقدي. نحن مصيبتنا هي في العقل (النقلي) مع أن ابن خلدون قبل ستة قرون قال عن الأخبار أنه (إذا اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم فيها العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران، والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب؛ فلا يأمن فيها الإنسان من العثور ومزلة القدم والحيدعن جادة الصدق) ليصل رحمه الله أن هذا هو ماوقع فيه كثير من أئمة النقل والمفسرين، وكما وضع القواعد الستة لضبط الأخبارح فقد ذكر ستة أمثلة على ذلك، منها خيالات الناس في أن بناة الأهرامات كانوا من العمالقة، ليقرر أن الأمر ليس كذلك، بل اجتمعت المهارة اليديوية والعبقرية الهندسية وقوة الدولة، ليقول في النهاية أن عمر بن الخطاب ر والمأمون ارادا هدم الأهرامات فعجزا، وأن هارون الرشيد أراد هدم إيوان كسرى فعجز، مع فارق الهدم والبناء، ليقرر قوة وفخامة تلك الدول التي تركت خلفها مثل هذه الآثار. بكل أسف فإن الديناميت مكن هؤلاء المتخلفين من الطالبان في أفغانستان وداعش في سوريا والعراق من هدم آثار هامة، وفعلوها ايضا بتكنولوجيا لم يخترعوها هم. أي فكرة خاطئة ستتهاوى ولو بعد حين، ومن يحمل في جيبه عملة مزيفة لن يستفيد منها وسيرسي مصيره وراء القضبان ، ومن ملك الذهب صرفه في بنوك العالم أجمعين ، وأي نظام فكر يقوم على الوهم والاكراه لن يصمد مهما حاولنا ترويجه وحراسته ، وآية الفشل على أي نظام أنه لايقوم الا بحراسة الارهاب ، وانهار الاتحاد السوفيتي بسبب داخلي محض بدون أي هجوم خارجي وهو يملك مايدمر به الكرة الأرضية مرات لإنه كان أعظم نظام إكراه في الرأي والتعبير؟