يتكون الانسان من قلب و قالب، روح وجسد ، معدن و آنية، و ليحقق تنميته الذاتية ينبغي عليه أن يسير بشكل متواز في تطوير هذين البعدين دون أن ينسى بعدا ثالثا يمكن أن ندخله في هذا المقال داخل خانة القلب أو الروح أو المعدن و ذلك لأنه ذلك الجانب غير المرئي من الانسان و نقصد به طبعا البعد الفكري. خلال بحثنا داخل حديقة القرآن الكريم الروحية من أجل اقتطاف آية عطرة تتماشى وهذا المعنى الذي نتدارسه انبعث في الروع قوله الإله "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون".1.و لن نجد خيرا من السنة شارحا لهذا المعنى حيث أورد المحدث الترمذي: عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء ، فإذا هو نزع واستغفر الله وتاب ، صقل قلبه ، فإن عاد زيد . فيها ، حتى تعلو على قلبه ، وهو الران الذي ذكر الله في كتابه : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. قال : هذا حديث حسن صحيح. يتضح - من خلال ضياء شمس النبوة "القرآن و السنة" إذا امتزجت بضياء العقل الاجتهادي "التأمل الفكري" فيتضح سبيل المحجة البيضاء ليلها كنهارها و ذلك من أجل الوصول الى الهدف "النتائج و الخلاصات" – أن قلب الانسان عبارة عن مرآة تنعكس فيها حقيقة الانسان إن خيرا فخير أو شرا فشر و مقياس الشخص في ذلك أو التيرمومتر الذي من خلاله يستطيع الانسان الاحساس بمدى قربه وبعده من أو عن الفطرة و بالتالي من أو عن الله عز هو ذكر الله عز وجل حيث شبه الرسول الأكرم القلب بالمعدن النفيس الذي يشوبه غبار أو صدأ فيحتاج الى صقالة لينجلي عنه الوسخ فيصبح صافيا بهيجا و صقالة القلوب حسب المنهج النبوي ذكر الله. فكيف يا ترى يمكن أن يكون لتكرار جملة ما هذا التأثير الكبير في قلب و روح و معدن الآنية و الجسد و القشرة؟ أو بتعبير آخر كيف يمكن لترداد جملة معينة نفس مفعول الاغتسال الظاهري ليتحقق الانسان بفعل تأثير ذلك الى اغتسال باطني؟ ألف الصيدلي والمعالج النفسي إيميل كووي (1857-1926) كتاب "التحكم في الذات عن طريق الإيحاء الذاتي الواعي" ينظر فيه الى دور الإيحاء الذاتي في المعالجة النفسية بفضل تكرار جملة واحدة 23 مرة في اليوم وهي " إنني في كل يوم وفي جميع مناحي الحياة أتحسن إلى الأفضل شيئا فشيئا" وأورد فيه مجموعة من المبادئ أصبحت تعرف فيما بعد بمنهج كووي. من هاته المبادئ: - عندما تكون الإرادة والخيال في صراع يفوز الخيال بلا منازع. - عندما تكون الإرادة والخيال في حالة اتفاق لا تضاف إحداهما إلى الأخرى بقدر ما تتكاثر إحداهما بالأخرى. - الخيال يمكن أن يوجه عن طريق الإيحاء الذاتي الواعي.2. إن تركيز علماء العمل التزكوي على كثرة ذكر الله عز وجل بالخصوص في منهجهم لم يأت من فراغ بل أتى من تراكم التجارب في سلوكهم لسبل الحق فنظروا في أمر الشريعة في منظومتها الكلية فوجدوا أن كل شريعة شريعة، إما يتخللها ذكر الله عز وجل، أو تذكرنا بالله، فكان ذكر الله تعالى هو المقصود الأعظم من القشور الشعائرية، وأكبر دليل على ذلك الآية الكريمة التي تتحدث عن عماد الدين الذي هو الصلاة، قال فيها الحق سبحانه "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر " بمعنى أن ذكر الله تعالى الذي يتخلل الصلاة أكبر في نهيه في عن المنكر من حركاتها الظاهرية،ولم تأت تلك الحركات إلا كتدريب شرعي على الخنوع والخضوع لله تعالى و عزة أمام المخلوق " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " .3. فالركوع والسجود ليس مقصودا شرعيا في حد ذاته بقدر ما المغزى هو تحصيل ذلك الشعور بالعبدانية لله تعالى والخنوع له في سائر اليوم و الشعور ببرد التسليم لسحابة التجلي الالهي فالسجود المطلوب هو السجود القلبي لله في سائر الحياة وفي سائر تصرفاتنا وأفعالنا وإنما تأتي الشرائع كأسلوب تربية يومي ضروري من أجل التدريب للحصول على هذا المعنى الذي هو غاية سالك درب التزكية في سلوكه لطريق القوم فهو إن ترقى في المقامات إنما يترقى في خنوعه وعبدانيته وفقره لله تعالى إلى أعلى مستوى. إن تركيز مجهر بصيرتك أيها الانسان في تأمل أي عمل صادر عن جوارحك من أجل اخضاعه لمقياس التيرمومتر القيمي ينبغي أن يتوجه الى روح العمل و هو النية لا الى قشرته التي هي صورته الظاهرية، فآفة الأمم المتخلفة اليوم تركيزها على الظواهر دون العمق و الجوهر و المغزى و هو ما جعل كل تجليات العمل الانساني الجمعي خواء في هواء فلا بعد العبادة سوي و لا بعد العادة سني، أو قل فلا اجتماعهم على الآخرة قويم و لا التفافهم على الدنيا سليم و لا سبيل الى الخروج من وحل التخلف الى اعتدال في السلوك و ارتقاء في القيم لينجح الفكر الجمعي في انتخاب من ينوب عنه في أمور التدبير الا بالارتقاء في النظر الى الأشياء مع عروج في البصيرة الفكرية و لن يتأتى ذلك الا بالامتثال لأول لفظ الهي "اقرأ". *الهوامش 1، المطففين 14. 2، انظر La méthode Coué على موقع www.wikipedia.org 3، المائدة 54. * أكاديمي و باحث في علم الأكسيولوجيا و الديونطولوجيا.