في تلك البلدة السورية المحاصرة بريف دمشق، حيث ظن العالم أن زمن الموت جوعا قد ولى واندثر، حيث أبواق حقوق الانسان تصرخ في كل بقاع الأرض، حيث انتقلت البشرية من مرحلة المطالبة بالحق في الحياة وفي العيش الكريم الى مرحلة المطالبة بما هو أسمى وأكثر بكثير..حيث تم الحصار بفعل فاعل معلوم، وتحت مراقبة المجتمع المدني،وعلى مرأى ومسمع من الهيئات الحقوقية، والمنظمات والمؤسسات والدول. في تلك البؤرة تحديدا؛ يعود بنا الحال السائد لما قبل التاريخ والميلاد..عندما يموت الرضيع في انتظار تحضير الحليب، ويفارق الشيخ المسن الحياة من جراء التصاق بطنه بظهره، في مضايا فقط يظهر الناس كخيالات هياكل متحركة غادرتها الروح فظلت عظاما تلفها الثياب، فقط في مضايا يتعارك بنو آدم حول قطة حية لذبحها..فهم لم يجدوا سواها لسد رمقهم. هناك حيث دام الحصار سبعة أشهر كاملات..فانقطع الغذاء والدواء، في مضايا تستحيل الحياة..حيث لا طعام يطبخ، ولارائحة طبخ تفوح...كلما دققت النظر في طبيعة الحياة هناك؛ كلما أدركت مدى حقارة هذا العالم الذي نعيش فيه، وكلما توصلت لحقيقة القانون الذي يسودنا..لا لا؛ أبدا ما هو بقانون الغاب، فالفطرة الحيوانية الخالصة أرقى بالطبع..ما سمعنا يوما بأن الحيوانات تموت جوعا، ومارأينا تلك الكائنات تظلم بعضها بعضا..هي تعيش فقط كما أراد الله لها أن تكون، تعيش على جبلتها التي جبلت عليها أول مرة.. مضايا وغيرها من صور الأسى ما هي الا نتيجة كارثية لحرب حقيرة لا أخلاق فيها..تخوضها جهات جفت قلوبها من الرحمة منذ زمن بعيد، جهات لاتهمها أرواح البشر، ولاتلقي بالا لضحايا استهتارها ذاك.. نعم؛هذه هي حصيلة الحروب الشعواء،الهمجية اذن.. فكفاكم ماأنتم عليه من بطش ياطغاة هده الدنيا الدنيئة، كفاكم؛ فحلمي كأحلام الكثيرين من سكان هذا الكوكب، حلمي أن يعم الأمان كل مكان، حلمي أن أرى الحياة تدب في تلك الأراضي التي جعلتم منها وغى لكم، وحلبات لقتالكم، حلمي أن تشرق ابتسامة ذلك الطفل الباكي من جديد، حلمي أن تردد حمامات السلام النشيد... أتمنى لنا أوطانا عادلة.