مَن فَعَلَها؟ ولْنَفْرِضْ صحيحًا ما يقولُه مسؤولٌ في «حزبِ الآخرة» من أنّ «التدخل الأمني ضد أساتذةِ الغد، مُؤامرةٌ من جهاتٍ ضدّ الحكومة ولم يأمُر به وُزراءُ الحزب».. لنَفْرِضْ أن هذا صحيح.. ما دورُكم أنتم؟ وهل يُشرّفُكُم أن تُعلنُوا عجزَكُم عن اكتشافٍ مؤامرةٍ ضدّ «أساتذةِ الغد»؟ ولماذا لا تُفصحُون عن الجهاتِ التي حَبكتْ تلك المؤامرة؟ ألا تعرفُونها؟ وكيف لا تعرفُونها، وأنتم رئيسُ حكومةِ «حزبِ الآخرة»؟ وهل هذا التّستُّر على جهات، وأنتم في موقع المسؤولية، يُعفيكُم من المحاسبة؟ أليس من حق المواطنين أن يحاسبوكم على ما وقع؟ وعلى اعترافكم بوجود «مؤامرة من جهات».. ما هي هذه الجهات؟ عليكم أن تُجيبُوا: من المسؤول عن العُنفِ الرّسمي ضدّ «أساتذة الغد»؟ إنّنا بعد أنْ وقَعت الواقعة، نسمعُ «حزبَ الآخرة»، ومعه أحزابٌ مُشاركة بطريقة أو أخرى، تَتملّصُ من المسؤولية، وتُلحِقُها بجهاتٍ أخرى، وبأسلوبٍ غامض.. وفي هذه الأحزابِ من يقولُ: «رئيسُ الحكومة لا علمَ له بضربِ المتظاهرين».. ها هي أحزابُنا تتهرّبُ من المسؤولية.. و «حزبُ الآخرة» أيضا غيرُ واضح.. والحكومةُ لم تقُلْ شيئا، حتىّ وهي برئاسة رئيسِ «حزبِ الآخرة».. ووزيرٌ كبيرٌ يُعلن: «الفيديوهات مُفَبْرَكة».. مُفَبْرَكة؟ والواقعُ يقول عكسَ هذا.. في الواقع، نجدُ أنفُسَنا أمام مُظاهراتٍ مُسالِمة، وهراواتٍ تنهالُ على الرؤوسِ أينما اتّفَق.. وأمام عدَساتٍ وآلاتِ تصوير.. هذا هو الواقع.. فمن المسؤولُ إذن؟ لماذا التهرّبُ عن المسؤولية؟ لماذا التراشُقُ بالمسؤولية؟ من أعطى الأوامر؟ من أشرفَ على التنفيذِ في الشوارع؟ من؟ ماذا؟ متى؟ أين؟ لماذا؟ كيف؟ أسئلةٌ بحاجةٍ إلى أجوبةٍ رسمية.. فمن يُجيب؟ لا يُمكنُ أن يقعَ ما وقع، دون أن يكُون مسؤولٌ ما قد أَمَر.. وإذا كانت بعضُ أحزابِنا ساهمتْ بطريقةٍ أو أخرى في الاعتداءاتِ على المتظاهرين المسالمين، فالحكومةُ أيضًا مسؤولة.. مسؤولةٌ بشكلٍ مُباشر، أو لكوْنِها عاجزة.. العجزُ لا يُبعدُ عنها المسؤولية.. والجهلُ لا يُبعدُ عنها المسؤولية.. ونحنُ المواطنُون لا نعرفُ مسؤولاً غيرَ الحكومة.. هي المسؤولةُ عن أمن المواطنين، وحُرّيتهم، وحقّ التظاهُر... مسؤولةٌ بقُوّةِ القانون.. ومع الحكومة، هناك من شاركوا، ومن نَفّذُوا العُنفَ في شوارعِ البلاد.. ومع هؤلاء، حتمًا شُركاءُ آخرون: أُولاءِ من أثرياءِ البلد.. لم يحصدُوا كلُّهم مَلاييرَهم بعَرَقِ الجبين، وبالصّدق، واحترامِ القانون، بل بالرّيع، والتّحايُل، والالْتفافِ على المستضعَفين، وضدّ المثقّفين، والفنّانين، وكلِّ ما هو إبداع.. أثرياءُ هم أكبرُ المستفيدين من تَقَهْقُرِ التعليم، والصحة، والتشغيل، وغيرِها... وكيف لا يكونُون من أكبر المستفيدين من هراواتِ التعليم؟ تجدُهُم دائما مع السّلطة.. أينما كانت السلطة، هُم حولَها.. يتقرّبُون.. يتحايلُون.. يحصُلُون على امتيازات.. ويُقدّمون العشاءاتِ والرّشاوى وغيرَها... ما دورُ هؤلاء في المظالم التي تَطالُ فئاتٍ من بناتِ وأبناءِ هذا البلد؟ من حقّنا أن نعرف.. وأن نفهمَ المَواقِع.. ومن يتمركزُون في هذه المَواقِع.. ومن في مُحيطاتها.. أثرياءُ مُنتشرون في البرلمان والجماعات وغيرِها، وكلّ ما هو ريعٌ وتجارةٌ سوداء.. هؤلاء ممّن أفقرُوا ويُفقِرُون سُكانَ البلد.. ومعهم تتحرّكُ المخدّرات.. وأحزابٌ تستضيفُ أباطرةَ المخدّرات، وتُدافعُ عنهم، وتُمكّنُهم من كراسي القرار، لرسْم خرائطِ الغِنَى والفقْر، وكلّ ما هي فوارقُ اجتماعية.. واليوم، نجدُ «حزبَ الآخرة»، بمعيّةِ أشباح، وهو يتسلّحُ بالهراواتِ لاغتيال التعليم العمومي، ومنعِ الأجيالِ الصاعدة من حقّ المعرفة.. «حزبُ الآخرة» وصلَ إلى قمّة الحكُومة باستغلالِ الدّين لأغراضٍ سياسية.. ما العملُ الآن؟ إن هذه الفئاتِ المسؤولة، وهي «حزبُ الآخرة» ومن معه، من أحزابٍ ونقاباتٍ وأثرياء وغيرِ هذه الأطراف، خَرقَتْ كلَّ حُقوقِ الإنسان، كما هي مُتعارَفٌ عليها وطنيًّا ودوليًّا.. فالمغربُ التزمَ بمواثيقَ دولية، وجَعَلَها في دستور 2011 تسمُو على القوانين الوطنية.. فخَرَقَ المواثيقَ الدولية التي تَعَهَّدَ بها.. وخَرَقَ الدستورَ المغربي، وهو ينصُّ في فصله 22 على ما يلي: «لا يجُوز المسّ بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مُهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون». هذا ما ينُصُّ عليه الدستورُ الوطني.. وهناك دستورٌ روحي لم يتمّ الالتزامُ به، وهو كتابُ الله.. وقد تصدَّى «حزبُ الآخرة» ومن معه، لحقوق الإنسان في القُرآن، والدستورِ الوطني، والمواثيقِ الدولية.. وأساءَ لبَلَدِنا.. المغربُ الجديد يعملُ على التّخلُّص من تَبِعَاتِ الأحداثِ السوداء التي عرفَها البلدُ في الماضي، ويعملُ على فَتْحِ آفاقٍ مُستقبليةٍ إيجابية، لكنَّ «أحزابَ اللاّمسؤولية»، وعلى رأسها «حزبُ الآخرة» ومن معه، يُعقّدُون مسيرتَنا إلى غدٍ أفضل.. «حزبُ الآخرة» ليس وحدهُ يُحرّكُ الهراواتِ ضدّ «أساتذة الغد».. معهُ «فيالقُ» حزبية من الحكومة والبرلمان وجماعاتٍ ونقاباتٍ وغيرها، تُشكّلُ شبكاتٍ «سياسيةً» تدفعُ ببلدنا إلى الصراع مع بناتِ وأبناء بلدنا.. من المستفيدُ من تخريبِ التعليم العمومي؟ وقطاعاتٍ أخرى؟ «حزبُ الآخرةِ ومن معه» لا تهمُّه إلا الصناديق.. يهمُّهُ فقط أن «ينتصر» في الانتخابات.. ما زال يعتقدُ أن الفُقراء سيُصوّتون له، وأن «المخزن» سيُعطيه شُحنةً صُندُوقيةً لإبقائه في قيادةِ البلد.. هو وَاهِم.. لقد خرجَ من القلبِ المغربي.. ومن الدماغِ المغربي.. ومن الثقةِ المغربية.. «حزبُ الآخرة» مكانُه في الآخرة! هناك يُحاسَبُ على ما اقْتَرَفهُ من إساءات، هو وشُركاؤه في البرلمان والحكومة وغيرِها.. هذه المرة، وقَعتُم في قبضةِ الشارعِ الواعي.. فشَبابُنا يحتجّون بأسلوبٍ مُتحضّر.. ويُردّدُون: «سِلْمية.. سِلْمية!».. وأنتُم، يا سيادةَ رئيس «حزب الآخرة» ومن معكم، تَسَلّحتُم بالهَراواتِ الرسمية، وهاجَمْتُمُوهُم بالضرب والرّكل، ولم يعُد أحدٌ يثقُ في ما تزعُمون من أنّ «الفيديوهات مُفَبْرَكة»، وأنهُ «لا علمَ لكم بالعُنف».. فماذا أنتم فاعلُون؟ كلُّ البلدِ على عِلْمٍ بأنّ العُنفَ الرّسمي قد حصل.. هل ما زلتُم مُصِرّين على حرمانِ الناس من حقُوقهم الاجتماعية؟ المغاربةُ لهم حُبٌّ كبيرٌ للوطن.. ولا يَقبلُون أيةَ بلبلَة.. وأيَّ كذِب.. وأيَّ كذّاب.. ودوامُ الحالِ من المحال.. والفيْصَلُ هو القانُون!