لعل المتتبع للشأن المحلي بمدينة وادي زم، يلحظ حركية مجتمعية وسياسية منقطعة النظير، فمنذ عقود خلت والمدينة تعيش نوعا من الركود والسكون الذي وصل إلى حد السُّبات حيث تحولت المدينة إلى ما يشبه مقبرةً للشهداء والمقاومين. وبغضّ النظر عن الأسباب المباشرة والعوامل التي جعلت المدينة تتقهقر في العقود الأخيرة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ... فإن ما يجري حاليا على المستوى المحلي لمدينة وادي زم يُؤشر على عودة قوية للمواطن في هذه المدينة. هذه الاستفاقة نلمسها من خلال الجدل والنقاش الذي أثير على مستوى بعض المواقع الإلكترونية المحلية وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حول بعض القضايا "مدى أحقية المعارضة في عقد اجتماعاتها في قاعة البلدية" وبشأن «أحقية بعض الأحياء في الاستفادة من الكهرباء والماء "وأيضاً " قضية محاصرة نائب رئيس المجلس البلدي أثناء قيادته لسيارة الجماعة". هذهإنها بعضٌ من بؤر التوتر بين جزء من المعارضة والأغلبية، وبدون الحكم حول مدى مشروعية وأحقية هذه القضايا، يمكن القول أن ما يميز هذه الفترة ، وهو العودة القوية لمكونات المعارضة ومتابعتها الدائمة للأنشطة المحلية ، معارضة تدافع عن المدينة بإمكانيات محدودة وتتوفر على الشجاعة وتخاطب الساكنة عبر المواقع الإلكترونية ، وتتمرد عن القيود التقليدية وتعقد اجتماعاتها ببهو قاعة البلدية ، معارضةٌ نجحت في تجاوز المقاربة التقليدية التي كانت تطوق المعارضة وتجعلها محصورة في الحضور للدورات العادية و"تصيدها" لاستمالة الأغلبية وهيمنتها على المجلس البلدي. إن المعارضة بمفهومها العام أضحت شريكا في تدبير الشأن العام للمواطن. وفي المقابل، وبكل موضوعية نتابع يقضة حذرة للمجلس البلدي وتواصله الدائم والمستمر مع ساكنة المدينة بصفة مباشرة وحضور متواصل لرئيس المجلس من خلال تجاوبه في صفحته على الفاسبوك مع شباب المدينة، مجلس بلدي يخرق قاعدة أن المنتخب يختفي إلى حين الاستحقاقاتالانتخابية، مجلس بلدي ظل يحافظ على وصية المرحوم سي بوعزة الفاسني حينما قالي منذ تسع سنوات "إن نقطة قوة مجلسي هي المحافظة على طهارة وبكارة أيدنا،" ومنذ أكثر من ثلاثة عشر ونيف من التسيير المحلي للمدينة والمجلس محصنا من كل متابعة أو شبهة. إن ما يمز اليقظة المجتمعية في مدينة وادي زم، هو الفورة التي أضحت تعرفها المدينة على مستوى الجرائد الإلكترونية المحلية، من خلال سهرها الدائم على تغطية جميع الأحداث المتعلقة بالشأن المحلي، جرائد إلكترونية بإمكانيات مادية منعدمة استطاعت أن تضم خيرة شباب المدينة الذين يؤمنون بأن ما عرف إعلاميا برياح الربيع العربي يمكن أن يحُد نسبيا من عنترة السلطوية بكل أنواعها. وادي زم في حاجة ماسة إلى معارضة تقوم بالمشاركة الفعلية بتدبير الشأن المحلي وأن تستفيد من السند الدستوري والقانوني الذي منحهالمشرع للمعارضة، كل ذلك لن يتأتّ إلا بنخب محلية تتوفر على مصداقية وعلى حكمة وأن تُرابط باستمرار من أجل المصلحة العامة، معارضة تعرف مالها وما عليها وألا تُنصب نفسها قاضيا على المجتمع، بل أكثر من ذلك معارضة يجب أن تؤمن بأنها في القادم من الاستحقاقات الانتخابية، يمكن أن تتحول إلى أغلبية وإلى مجلس مسير، ويفترض فيها ألا تقوم بسلوكيات يمكن أن تقيدها في المستقبل. الوضعية الحالية تفرض على المجلس البلدي بأن يكون أكثر انفتاحا وأن لايتهم عمل المعارضة بالتشويش، وأن يتعامل مع مكونات المجتمع المدني بمرونة، و يجب على الأغلبية أن تتقبل بأن صناديق الاقتراع يمكن أن تجعلها في المعارضة، ولذلك يجب على المجلس أن يؤسس لعلاقة تشاركية بين الأغلبية والمعارضة، فبالرغم من المجهودات التي يقوم بها المجلس البلدي فإن جزءا كبيرا من الأغلبية الصامتة غير راضٍ عن الوضع الحالي للمدينة، والمجلس مُلزم بتطوير خطابه وتجاوز نظرية المؤامرة وخطاب المظلومية والضحية، مرّت ثلاثة عشرة سنة من التسيير والوضع غير مُرضٍ، لذلك فالأمر يتطلب مجهودات لا مندوحة عنها. وادي زم في حاجة ماسّة إلى مواقع إلكترونية تفهم أن وظيفتها نقلُ الخبر وأن تلتزم بمبادئ المهنية والحياد والموضوعية، ويجب ألا تقوم بدور حاكي الصدى وألا تتحول إلى منابر إعلامية باسم المجلس البلدي أو المعارضة وألا تتقمص وظيفة الوصي على المواطن. الرهان معلقٌ على المجتمع المدني المحلي في أفق بروز مواطن متمرد عن الوصاية ومستقل في أفكاره وآرائه، مواطن يتوفر على حصانة معرفية وعلى مناعة فكرية مواطن صوت في الرابع من شتنبر على حزب يعتبره نزيها، مواطن ينتظر بحرقة وعد منتخبيه، مواطن يمكن أن يصوت لصالح أو ضد من اعتبرهم بالأمس أنصار الإصلاح. * باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية