بدت الأجواء هادئة على شاطئ بحر غزة، فلقد سكنت أمواج البحر، بعد انحسار منخفض جوي سريع، فيما انعكست أشعة الشمس وقت الغروب على سطح الماء، إلا أن هذا الهدوء، لم يدم طويلا، فسرعان ما اختلطت الأصوات الخافتة للأمواج المتلاطمة، مع نباح قوي للعشرات من الكلاب، ذات الأنواع المختلفة. ففي مشهد غير مألوف في قطاع غزة، تجمّع العشرات من الشبان الفلسطينيين من هواة تربية الكلاب، لقضاء ساعات من الترفيه، واستعراض جمال وقدرات حيواناتهم. وعلى رمال الشاطئ ، اصطف نحو 30 شابًا، أمسك كلٌ منهم بطوق كلبه، استعدادًا لالتقاط صورة تذكارية، اعتادوا أخذها في كل يوم ترفيهي يخرجون فيه للهو مع كلابهم، بعيدًا عن روتين الحياة في مدينهم المحاصرة. ولا تعتبر تربية الكلاب واصطحابها في نزهة، أمرًا متعارف عليه في قطاع غزة، حيث تقتصر تربية الحيوانات الأليفة في المنازل، على الطيور بأنواعها، والقطط، وأسماك الزينة. والصدفة وحدها، هي من جمعت مئات الشبان، من ملاك وهواة تربية لكلاب، من مختلف محافظات القطاع، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبحوا يمنحون أنفسهم أوقاتًا ممتعة، وأسلوب حياة جديد، لم يعتادوا عليه من قبل. فبعد أن أنشأ أحد الشباب الهواة لتربية الكلاب، ويدعى ماهر جبر، (39 عامًا) برفقة أصدقائه صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أطلق عليها اسم "كلاب جيرمن غزة"، تفاجأ بالتفاعل الكبير من رواد هذا الموقع، ومقتنيي الكلاب، ليكونوا بذلك أول تجمع شبابي يهتم بتربية الكلاب في غزة. وعلى شاطئ البحر، كان يتسابق جبر (39 عامًا) مع كلبه "راموس" الذي يبلغ من العمر عاما ونصف العام، مع عدد من أصدقاءه. ورغم صغر عمر الكلب "راموس" صاحب اللون الأسود والبني، والذي ينحدر من سلالة كلاب "الجيرمن لونج هير"، إلا أنه يبدو كبير الحجم، ومدربًا جيدًا، وأليفًا. وبعد أن قذف جبر كرة صغيرة خضراء في الهواء، ليلتقطها كلبه ويحضرها له، قال لمراسلة وكالة الأناضول:" ثقافة تربية الكلاب في غزة، غير منتشرة، ولا ينظر لها بعين الاهتمام، لكنها لم تعد كذلك الآن". ومستدركًا أضاف، وهو يمرر يده على شعر كلبه الطويل:" كنت أتخوف في البداية من رفض الناس للفكرة، تفاجأت من التفاعل والاهتمام الكبير بالكلاب، وتقبل الناس لفكرة اقتناءه في المنزل، رغم انتشار الخوف في صفوفهم تجاه الكلاب، واعتباره كائنا نجسا". وحسب جبر فإن نحو 60% من أنواع وأصناف الكلاب المتواجدة في العالم، موجودة في قطاع غزة، ومنها "الجيرمن بأنواعه، الدوبر مان، امستاف، بلادور، الجولدن". وتابع:" عملية استيراد الكلاب صعبة جدًا بسبب الحصار الإسرائيلي، بالإضافة إلى أن تكلفة شحنها فقط، تقدر بنحو 500 دولار، بينما أسعارها تتراوح ما بين 500- 1000 دولار أمريكي، وذلك حسب أنواعها". ولفت إلى أن "الحصار المفروض على القطاع، يعيق بشكل كبير جدًا إدخال الكلاب، وأن إدخالها يكون بجهود ذاتية". ومنذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006، تفرض إسرائيل على قطاع غزة، حصاراً خانقاً، شددته مع منتصف حزيران/ يونيو 2007 إثر سيطرة الحركة على القطاع. وأشار جبر إلى أن تجار أطعمة الحيوانات، أصبحوا يهتمون جدًا بأطعمة الكلاب، بعد انتشار صفحة الفريق بشكل واسع، ومعرفتهم باهتمام الشباب بتربية الكلاب في غزة. أحمد اللحام (28 عامًا)، يمتلك كلب من سلالة "جيرمن شيبرد"، وأحد مؤسسي التجمع الشبابي على العالم الافتراضي، يقول بأنه "سعيد جدًا لوجود هذا العدد الكبير من الشباب الذين يشاركونه هوايته". وأضاف متحدثًا لوكالة الأناضول:" الهدف من إنشاء المجموعة عبر موقع فيس بوك، هو توعية الشباب والمجتمع بكيفية تربية الكلاب، والتخلص من النظرة السلبية حول من يقتنيها". وأوضح اللحام، الذي يعمل حلاقًا، أن تجمّعهم ينفذ حملات توعية، حول الأمراض التي تصيب الكلاب، وأنواعها وكيفية العناية بها، وحققنا استفادة كبيرة فيما بيننا من خلال تبادل معلوماتنا وتجاربنا". ويطمح اللحام، الذي يقتني كلبه منذ نحو عشر سنوات، أن يتم تأسيس جمعية ونادٍ خاصة بتربية الكلاب، وانتشار التوعية بين المجتمع والجهات الرسمية بشكل أكبر. أما الشاب أحمد سعد، فهو "ممتنٌ جدًا لصديقه الذي أضافه على صفحة "كلاب جيرمن غزة"، لتعرفه على أصدقاء جدد، ومشاهدته لنوعيات مختلفة من الكلاب. ويحاول سعد أن ينهي عمله كسائق أجرة في وقت مبكر، حتى يحظى بأوقات ممتعة برفقة كلبه، كما يقول لوكالة الأناضول. ورغم أن التكلفة المعيشية لكلبه تتقدر بنحو 100 دولار شهريًا، إلا أنه لن يقدم على بيعه، فجلوسه معه يبعده عن التفكير بمشاكل ومتطلبات الحياة، في المدينة التي أرهقها الحصار والحروب"، وفق تعبيره. وخلال الأعوام السبع الماضية، شنت إسرائيل ثلاثة حروب على قطاع غزة، تسببت بموت وإصابة عشرات الآلاف، وتدمير واسعة في المنازل والمنشآت، مما خلف نسب بطالة عالية. وفي مايو/ أيار الماضي، ذكر البنك الدولي أن اقتصاد غزة ضمن أسوأ الحالات في العالم، إذ سجل أعلى معدل بطالة في العالم بنسبة 43% ترتفع لما يقرب من 70% بين الفئة العمرية من 20 إلى 24 عاماً. من جانبه قال حسين الأخرس، المدرب المتخصص في مجال تدريب الكلاب البوليسية، إن "ثقافة تربية الكلاب والاهتمام بها، بدأت تظهر في قطاع غزة، منذ نحو عامين". وأضاف لوكالة الأناضول:" أصبح هناك اهتمام واضح من أصحاب المنشآت والشركات بالكلاب؛ لتأمين عقاراتهم، كما أن هناك عدد كبير من الشباب يهوى تربية هذا الحيوان الوفي". وأشار الأخرس إلى أن تدريب الكلاب، في قطاع غزة، يواجه عقبات بسبب غياب بعض أدوات التدريب والأماكن المخصصة لذلك، مثل غياب كرة التدريب التي يقدر ثمنها ب 800 دولار". واستدرك:" نحاول الاستعاضة عن غياب بعض الأدوات، بمعدات محلية الصنع"، مشيرًا إلى "الاهتمام بتربية الكلاب مازال في بداياته من قبل الجهات الرسمية، فمثلا لا يوجد أي اهتمام بإصدار التقارير والشهادات اللازمة". بدوره يقول محمد أبو الخير، المهندس الزراعي، والمتخصص في علاج الكلاب منذ 4 سنوات، أن "الحصار الإسرائيلي، أثر بشكل كبير على تربية الكلاب في القطاع". وأضاف لوكالة الأناضول:" نواجه صعوبة في إدخال الأدوية والتطعيمات الخاصة بالكلاب، مثل تطعيم السعار، وبعض التطعيمات التي يجب أن تتناولها الجراء في عمر 45 يومًا، وإن وصلت للقطاع، فإنها تصل تالفة؛ لبقائها لفترات طويلة على المعبر، قبل سماح السلطات الإسرائيلية بإدخالها". وأوضح أن هناك شح كبير في أنظمة ووسائل التدفئة الخاصة بالكلاب، مرجعًا السبب للحصار أيضًا. وأضاف أبو الخير:" 95% من الجراء التي ولدت في شتاء العام الماضي، لقيت حتفها، لغياب أنظمة التدفئة، ولغياب التطعيمات التي تساعدها على مقاومة البرد، وأيضًا غياب الوعي لدى الناس". * وكالة أنباء الأناضول