منذ مجيء حكومة عبد الإله بنكيران، والمشهد السياسي المغربي يزداد تأزما، فقد تدنى الخطاب السياسي إلى مستوى تحت الصفر، وانتشرت الشعبوية، وغابت المسؤولية، بل وصل الأمر ببعض السياسيين والبرلمانيين إلى درجة " استبلاد " من وضعوا فيهم الثقة، واختاروهم كمسؤوليين سياسيين و نوابا عن الأمة . إن المتتبع للمشهد السياسي المغربي سيتضح له بجلاء أن هذا المشهد يعيش أحلك أيامه. فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة، وتعيين بنكيران رئيسا لها، وهو الذي عوض أن يبدع في تنفيذ برنامجه الحكومي ومخططه التشريعي، يشغله الإبداع في شيء واحد وهو إخراجه لقاموس سياسي خاص به عن ما سواه، والذي تضمن لمفاهيم و مصطلحات استعملت لأول مرة في الحياة السياسية المغربية كالعفاريت و التماسيح وغيرها ... في إشارة منه إلى وجود جيوب مقاومة التغيير ، ومحاربة الفساد والاستبداد. ليكون بذلك أول من قص شريط تدني المشهد السياسي المغربي ، خاصة على مستوى الخطاب. وفي الوقت الذي دعت فيه الدولة إلى تكثيف المشاركة السياسية، والانضمام إلى الأحزاب، ومحاربة العزوف السياسي، سادت ممارسات غير أخلاقية ومنفرة وغير مسؤولة داخل مؤسسات الدولة ، من طرف بعض السياسيين و البرلمانيين، مما رسم صورة قاتمة لدى المواطنين، وخاصة الشباب منهم بسبب تدني المادة السياسية ورسوب بعض السياسيين، فكيف يمكن إقناع المواطن المغربي بفعالية المؤسسة التشريعية وأحد نواب الأمة يقدم على سلوك غير أخلاقي وهو "إظهار بطنه" ، ويتلفظ بألفاظ "سوقية " "ضرب الغرزة "؟ في زمن بنكيران ، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل زاد أكثر من ذلك، حينما أطلت علينا إحدى الوزيرات في برنامج تلفزيوني وهي مستهزئة بقيمة مبلغ معاشات البرلمانيين الذي يبلغ 8000 درهم ، مع العلم أن الحد الأدنى للأجور لا يتعدى 1600 درهم في غالب الأحوال . كما يعتبر هذا المبلغ (8000درهم ) الذي اعتبرته الوزيرة زهيدا بتعبير 2 فرنك ، مبلغا ضخما في نظر الفقراء و المحرومين. سلوك الوزيرة " الاستهزائي" هذا ، خلق ردة فعل ، واستنكار جل المغاربة ، بحيث طالبوا بإلغاء معاشات البرلمانيين ، على أساس أنهم يقدمون خدمة سياسية وليست قانونية ، بمعنى أنهم ليسوا بموظفين لدى الدولة حتى يستفيدوا من المعاشات بعد انتهاء ولايتهم التشريعية ،كما نظم بعض الناشطين السياسيين و الجمعويين وقفة إحتجاجية أمام مقر الحزب الذي تنتمي إليه الوزيرة مطالبين إياها بالاعتذار وتقديم استقالتها . لم يمضي على مقولة 2 فرنك أسبوعا كاملا ، حتى تكرر نفس المشهد ، لكن هذه المرة بخرجة أخرى مع الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة، في برنامج تلفزيوني، تقول فيها بأنها تشتغل 22 ساعة في اليوم ، مما دفع المغاربة إلى نوع من الدهشة والحيرة من هذا الخطاب الطوباوي، متسائلين بشكل لا يخلوا من الاستغراب والسخرية عن قدرة الوزيرة على الاشتغال في كل هذه المدة، مما يعني أنها لا تترك لحياتها الخاصة سوى ساعتين، وهو ما يمثل رقما قياسيا في سجل ساعات عمل جميع الوزراء العاملين في الحكومة . كما تساءل العديد من نشطاء المواقع الاجتماعية عن سر القدرة " الخارقة " التي تجعل الوزيرة تشتغل لمدة تفوق مدة عمل اليابانيين المعروفين بكونهم الأكثر بذلا للجهد في العالم. مما سبق يمكن استخلاص فكرتين أساسيتين : الأولى يمكن الاصطلاح عليها بموت السياسية في زمن حكومة بنكيران، فعوض أن ننتظر إصلاحات هيكلية حقيقية، وخطاب سياسي واضح و صريح و مسؤول ، يربط المسؤولية بالمحاسبة، نتلقى تصريحات دخيلة على الحقل السياسي المغربي، مثل " 2 فرنك ،و 22 ساعة عمل ، و التماسيح و العفاريت، و"ضرب لغرزة ". الفكرة الثانية يمكن ملاحظتها من خلال ردود فعل المغاربة مباشرة بعد أي قرار، أو تصريح لمسؤول سياسي أو برلماني غير منسجم مع الثقافة السياسية المغربية. فهل هذا يفهم منه أن المواطنين المغاربة أصبحوا يتابعون الشأن السياسي، و يفرضون الرقابة على السياسيين؟. إذا كان الجواب بنعم ، فلماذا ماتت السياسية في زمن حكومة بنكيران ؟.