إذا توقفنا عند الكيفية التي تم بها إحداث اللجنة التي ستعد القانون التنظيمي الخاص بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وما يكتنف إحداثها وطبيعتها ومنهجيتها من غموض مثير، يتضح أنها تعمل تحت إشراف وزارة الثقافة وليست لجنة مستقلة، حيث أشرف وزير الثقافة على بداية أشغالها، وتتابع الوزارة اجتماعاتها وتتصل بالجمعيات وتستدعيها، ومن المرتقب أنها هي التي ستتولى تقديم التقرير والمشروع الذي سيتم إعداده. وهذه كلها معطيات تؤكد بأن القانون التنظيمي للمجلس سينص على أن المجلس سيكون تابع لوزارة الثقافة وسيعمل تحت سلطتها ووصايتها. والسؤال الكبير الذي يطرحه هذا الوضع ومخرجات عمل اللجنة المعنية هو : أي شخصية مؤسساتية وأي مستقبل لمجلس وطني استراتيجي تابع لوزارة ضعيفة؟! فالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية يعد من المؤسسات الهامة التي نص عليها دستور 2011، حيث ستمثل فيه كافة المؤسسات المعنية بمجالات حماية وتنمية اللغتين الرسميتين والتعبيرات الثقافية المغربية. ومن الواضح أن مهمته الأساسية تهم وضع السياسة اللغوية والثقافية وتتبع تنفيذها في مجالات الحياة العامة، وهذا يعني أنه مؤسسة إستراتيجية تتولى وضع ومتابعة وتقويم السياسات العامة في المجال اللغوي والثقافي دون إغفال امتدادها الهوياتي، بما في ذلك تدابير الحكومة وقطاعاتها الوزارية ومؤسسات وإدارات الدولة. بهذا المعنى، فالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية لا يقل أهمية عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والمجالس الاستشارية، مثلا، ومن الواضح أن استقلالية المجلس عن الحكومة وقطاعاتها التي تتولى تنفيذ السياسات العامة، وتمتيعه بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية، هو شرط أساسي لضمان نجاعته وحكامته المؤسساتية، والاضطلاع بمهامه التقويمية والإستراتيجية. أما وزارة الثقافة بالمغرب، فمن المعلوم أنها تعتبر أضعف قطاع حكومي، سواء من حيث مجالات سلطتها وتدخلها، أو من حيث مواردها المادية والبشرية. فميزانيتها لا تتجاوز 0,3 في المائة من الميزانية العامة للحكومة، وجل مرافقها وإداراتها المركزية والجهوية والمحلية تفتقر إلى الحد الأدنى من البنيات والبنايات والتجهيزات والموارد الضرورية، بل أن إمكاناتها اللوجيستيكية وطاقمها البشري يكاد يقارن بما تتوفر عليه جماعة حضرية متوسطة في المغرب. ومن حيث مجالات تدخلها وعملها فهي محدودة، وبعد أن أحدثت مؤسسة مستقلة لتدبير قطاع المتاحف وهي المؤسسة الوطنية للمتاحف، وإحداث مؤسسة أرشيف المغرب المستقلة أيضا، وبعد اضطلاع العديد من المؤسسات والوكالات والجمعيات الكبرى والمستقلة بتنظيم المهرجانات والتظاهرات واللقاءات والقطاعات الفنية والإبداعية والأدبية، فلم يتبقى لمديرياتها سواء المركزية أو الجهوية سوى هوامش للتدخل وممارسة السلط وإثبات الحضور. ورغم أن الوزارة تعمل جاهدة على إبراز مكانتها ودورها في حدود الإمكانات المؤسساتية والمالية المتوفرة، وقد عملت بشكل محترم خلال السنوات الأخيرة على توسيع دائرة التنشيط الثقافي وتقديم التشجيع والدعم في مجالات المسرح والنشر والفنون التشكيلية...، إلا أن الاضطلاع بمهام كبرى والإشراف على مجلس استراتيجي في مستوى المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، سواء من حيث لجنة إعداد قانونه التنظيمي وتحديد مهامه واختصاصاته وتركيبته، أو من حيث إدراجه قانونيا ومؤسساتيا تحت وصاية وسلطة الوزارة، سيشكل إضعافا لشخصية المجلس الوطني وتقزيما لوظائفه التخطيطية والحكامتية التي تتطلب استقلاليته عن القطاعات الحكومية المعنية بتنفيذ سياساته ومضمون تقاريره وقراراته الإستراتيجية.