عادة ما يتم استخدام التقارير والدراسات الحقوقية وكذا تلك التي تتطرق للحالة الدينية في عدد من البلدان كوسائل للانتقاد والضغط والتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول. وقد عودتنا التقارير التي تصدر بالغرب حول الحالة الدينية في العالم إلى الإشارة إلى عدم احترام حقوق الأقليات في العالم الاسلامي؛ وإذا أخذنا المغرب على سبيل المثال فقد أشارت تقارير الخارجية الأمريكية أكثر من مرة إلى وضع الأقليات المسيحية وتعرضها للضغط، علما أن حرية الممارسة الدينية في المغرب مضمونة بنص الدستور، والواقع اليومي يشهد على ذلك، ويكفي النظر إلى عدد الكاتدرائيات والمعابد والكنائس المنتصبة في كل المدن المغربية، ومنها ما هو موجود على مسافة قريبة من المساجد. هذه المعالم الدينية ولدت بمحض إرادة مغربية تنبع من قناعة دينية على أساس الوسطية والتسامح واحترام الآخرين، وحظي هذا التنوع الديني ولا يزال بالرعاية التامة من طرف أمير المؤمنين بصفته الضامن لحريات كل المؤمنين بدون تمييز بين الأديان. وتاريخ المغرب زاخر بالأمثلة المجسدة لهذا التعدد الديني، فعلى سبيل المثال كان الترخيص لبناء كاتدرائية طنجة مثلا، من توقيع العلامة سيدي عبدالله كنون في بداية الاستقلال، عندما كان عاملا لمدينة طنجة، كما أن الكنيسة الانجليكانية في نفس المدينة كانت هدية من السلطان ولا زالت تحمل اسم (هدية السلطان)... لكن ما يحدث في الغرب من دعوات متطرفة تقوم على التمييز والحقد والكراهية ضد الإسلام، فنادرا ما يتم الحديث عنه في التقارير الدولية، وما يدعو إلى الاستغراب أن لا أحد عموما ينتقد تراجع حريات الأقليات أو الإشارة الى خروقات لحقوق الإنسان ولقيم العيش المشترك. إن التصريحات العنصرية لأبرز مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسيات الأمريكية، دونالد ترامب، الذي تعهد بعدم السماح للمسلمين بدخول أمريكا في حالة فوزه في انتخابات السنة المقبلة، وكذا الخوف الذي يعيش فيه المسلمون في مناطق من أوروبا والذي بلغ حد إجراء عمليات تفتيش ودهم المنازل ليلا وفرض الإقامة الجبرية على مجموعة من الأشخاص بدون حكم قضائي؛ إضافة إلى الخطاب السياسي المتطرف الذي يكيل النعوت للمسلمين بدون أي رادع وبجهل تام حتى لأبسط أبجديات الإسلام، كلها أمثلة تبرز هذا النزوح في الدول الغربية نحو مهاجمة كل ما له علاقة بالإسلام باستغلال، في أغلب الأحيان، لأحداث إرهابية تم الصاقها بالإسلام عنوة بالرغم من براءة الإسلام منها، ما فتئت الأغلبية الإسلامية الواسعة تؤكده. لقد بلغت معاناة الأقليات المسلمة في الغرب في الفترة الأخيرة من المضايقات حدا لم يعد من المعقول غض الطرف عنه إن كنا ندافع حقا عن حقوق الإنسان بمفهومه الشامل، الذي لا يعتمدا تمييزا بسبب الدين أو اللون أو الانتماء الجغرافي من أجل دعم السلم والتسامح والإنسانية والعيش المشترك بين جميع الناس. فما زلنا نشهد اعتداءات يومية على المسلمين واللاجئين السوريين في بعض البلدان الأوروبية، وفي الأمس مثلا وفي قلب البرلمان الفرنسي تم تسجيل صافرات استهجان ضد امرأة مغربية محجبة، لم يشفع لها كونها سخرت حياتها لنشر التسامح والمحبة في الأحياء الهامشية الفرنسية بعد أن دفع ابنها حياته ثمنا ليقم الجمهورية التي كان جنديا في جيشها؛ وفي ألمانيا مازالت مظاهرات حركة بيغيدا شاهدة على عنصرية فئة من المجتمع الألماني ورفضها للعيش جنبا الى جنب مع المسلمين، وهو نفس الأمر في هولندا التي يقدم فيها الزعيم السياسي خيرت فيلدرز مادة دسمة في حملاته الانتخابية من خلال مهاجمة الإسلام والمغاربة بعدوانية واضحة تطالبهم بالرحيل. إذن وبعد أن أصبحت الاسلاموفوبيا ظاهرة تتنامى باستمرار في مدن أوروبية، ألا يحق لنا في (العالم الثالث) أن نصدر تقارير نقيم فيها مدى احترام حقوق الإنسان والحريات ودرجات التسامح في الغرب ؟ وإذا كان الاتحاد الاوربي قد قرر أن يجعل من سنة 2016 سنة لحقوق الانسان في إفريقيا، أليس حري به أن يتحرك لحماية هذه الحقوق في دول الاتحاد؟ أم أن حقوق الإنسان ورقة تستعمل كسلاح سياسي من أجل تبرير التحكم والضغط على دولنا؟ *الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج