نجاح المعارضة في الوصول إلى سدة الحكم في الأرجنتين، بعد انتخاب مارويثو ماكري رئيسا للبلاد قبل نحو أسبوعين، جلب معه رياح تغيير هبت يوم الأحد الماضي على فنزويلا ومكنت المعارضة من تحقيق الفوز في انتخابات تشريعية أعادت رسم الخريطة السياسية في البلاد، بعد هيمنة للحزب الاشتراكي لنحو 16 سنة. هذه المرة كان تحالف المعارضة "منبر الوحدة الديموقراطي" المشكل من أزيد من 30 حزبا سياسيا يضم اليمين كما اليسار، في الموعد واستطاع أن يلحق هزيمة ب"التشافية" (نسبة إلى الرئيس الراحل هوغو تشافيز)، وضرب بقوة بعد حصوله على 99 مقعدا من أصل 167، وهي نتيجة قابلة لتتعزز أكثر عند الانتهاء من فرز الأصوات الخاصة ب22 مقعدا، مازالت لم تعرف نتيجتها بعد، وتقول المعارضة إن لها فيها نصيبا أوفر لا يقل عن 13 مقعدا. بهذه النتيجة إذن تكون المعارضة قد طوت صفحة "الثورة البوليفارية'" وطموحات "الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا" الذي كان ينوي الاستمرار في ترسيخ "اشتراكية القرن الواحد والعشرين" كما أوصى بذلك تشافيز في آخر خطاباته التي دعا فيها الفنزويليين إلى اختيار نيكولاس مادورو خلفا له ليواصل حمل مشعل "الثورة". لكن مادورو وحزبه يفشلان، بعد مرور سنتين ونيف على وصية تشافيز، في الحفاظ على هيمنة اللون الأحمر داخل المؤسسة التشريعية التي ستتولى المعارضة، اعتبارا من خامس يناير المقبل، الإمساك بزمام السلطة داخلها بأغلبية مريحة بمقدورها إصدار القوانين التنظيمية أو حتى حجب الثقة عن نائب الرئيس أو أحد الوزراء وتعيين وإقالة مسؤولين في مناصب حساسة داخل الجهاز القضائي. ولم يجد الرئيس الفنزويلي مادورو (53 عاما) بدا من الاعتراف بالهزيمة أمام المعارضة، وقال "نعترف بهذه النتائج"، مضيفا أن الديموقراطية والدستور انتصرا في هذه الانتخابات، رغم أنه استدرك بالقول إن "المعارضة لم تنتصر اليوم ولكن انتصر التيار المناهض للثورة". أما إنريكي كابريليس رادونسكي زعيم المعارضة والمرشح الرئاسي السابق، فاعتبر أنه "كان دائما ينادي بأن هذا هو طريق التغيير الذي يتعين أن تختاره فنزويلا"، أي اللجوء إلى قوة صوت الناخب وصناديق الاقتراع ليتمكن الفنزويليون من كسر جدار الخوف واختيار مستقبل جديد. وفي تعليقه على هذه النتائج، قال الأمين العام لتحالف المعارضة خيسوي تشو طوريألبا "نحن لن نلاحق ولن نحاكم من يفكر بطريقة مختلفة عن تفكيرنا بل سيكون الدستور هو بوصلتنا المشتركة"، وذلك في إشارة إلى السياسيين الذين يقبعون في السجون الفنزويلية ومن بينهم زعيم حزب "الإرادة الشعبية" ليوبولدو لوبيز المحكوم بنحو 14 سنة سجنا لاتهامه بالتحريض على العنف خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد خلال السنة الماضية. وقبل توليه لمهامه مطلع الشهر المقبل، يعتزم ائتلاف المعارضة خلال هذا الأسبوع تشكيل أربع لجان في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والمؤسساتية، وذلك بهدف إعداد سلسلة من الإجراءات الرامية إلى حل المشاكل الملحة وفي مقدمتها معدلات التضخم، التي بحسب بعض المحللين الاقتصادين، تعتبر الأعلى في العالم بعد أن تجاوزت عتبة 100 بالمائة، بالإضافة إلى المشاكل المرتبطة بندرة المواد الغذائية الأساسية وارتفاع معدلات الجريمة بشكل قياسي. ولم يمر فوز المعارضة بالانتخابات البرلمانية في هذا البلد الكاريبي، الذي يتوفر على أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم، دون أن يخلف ردود فعل دولية وإقليمية. وفي هذا الصدد، أشادت الأممالمتحدة بالأجواء السلمية التي طبعت العملية الانتخابية، مبرزة على لسان متحدث باسم الأمين العام بان كي مون أن " الشعب قال كلمته ونأمل أن يحترم الجميع نتيجة الانتخابات". من جهتها، اعتبرت واشنطن أن الناخبين الفنزويليين "عبروا عن رغبة لا تقهر في تغيير توجه بلادهم"، داعية إلى نهج طريق الحوار بين جميع الأطراف في فنزويلا من أجل مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها البلاد. وفي هذا السياق ذكر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن بلاده "تهنئ شعب فنزويلا لإسماع صوته بصورة سلمية وديموقراطية" خلال هذه الانتخابات التشريعية، مؤكدا استعداد واشنطن لدعم الحوار في هذا البلد الجنوب أمريكي. وعلى نفس المنوال جاء رد فعل الاتحاد الأوروبي إذ اعتبرت ممثلته السامية للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية، فديريكا موغيريني، أن الأمر يتعلق ب"تصويت من أجل التغيير ونداء واضح الى جميع الفاعلين السياسيين والمؤسسات في فنزويلا لبدء جهود سياسية بناءة". وبدوره، دعا الأمين العام لاتحاد دول أمريكا الجنوبية "أوناسور"، إرنيستو سامبير، الحكومة والمعارضة الفنزويليتين إلى مباشرة "حوار وطني" من شأنه المساهمة في تجاوز الصعوبات الاقتصادية التي تجثم على أنفاس الفنزويليين. تختلف القراءات لما يعتمل من أحداث على المستوى الإقليمي، فبعض المراقبين يرون أن فوز المعارضة برئاسيات الأرجنتين وبتشريعيات فنزويلا واحتمال إقالة الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف يشكل بداية نهاية حكم اليساريين المهيمن منذ سنوات على أمريكا اللاتينية، أما البعض الآخر فيقدر أن أفول نجم حكم وسلطة ما إنما هو نتيجة طبيعية مادامت سنة الحياة تقتضي التغيير والرحيل .. فدوام الحال من المحال. *و.م.ع