الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصارا بجبهة البوليساريو، بدأت إرهاصات نشأتها في بداية السبعينيات من القرن الماضي وسط طلاب جامعات ومدارس ثانوية وإعدادية من سكان المناطق الصحراوية التي استرجعها المغرب من إسبانيا سنة 1958 (أقاليم طرفاية وطنطان). وكان أول ظهور لمطلبهم بتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب من الاستعمار الإسباني في مظاهرتين بمدينة طنطان سنة 72 قابلتها السلطات المحلية بالقمع. كل نشطاء الحركة كانوا يحملون جنسيات مغربية، ومعظمهم أبناء جنود وضباط مغاربة قادوا كتائب القوات المغربية نحو مدينة تيندوف في حرب الرمال سنة 1963، ولم يكن لدى أي منهم شك في مغربية المناطق التي يعيشون وينشطون فيها من أجل تحرير الصحراء، أو هكذا بدت الصورة. فلم يظهر في مطالبهم وﻻ أدبياتهم ما يوحي بغير ذلك حتى بعد أن أعلنوا عن قيام الجمهورية الصحراوية في المنفى، بدعوى أن المغرب ضم الساقية الحمراء ووادي الذهب بعد استقلاله ضدا على مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار ودون استفتاء سكانها ضدا عن مبدأ تقرير المصير. فكيف تكونت عند أبناء طنطان و بوزكارن فكرة استقلال صحراء ﻻ يعرفون عنها غير ما يسمعونه من روايات اﻵباء أو ما تتناقله قوافل التجار بين كلميم والأقاليم الصحراوية المستعمرة، وهم من نشؤوا وكبروا تحت الراية المغربية، ولم يطالبوا بتحرير أقاليمهم (طنطان وطرفاية) التي انطلقوا منها، والتي استعادها المغرب باتفاقية سينطرا بينه وبين إسبانيا سنتين بعد استقلاله ودون استشارة أهلها، تماما كما استعاد الساقية الحمراء باتفاقية مدريد في نوفمبر 1975. أم إنهم دُفعوا لذلك بسوء تقييم السلطات المحلية لمدينة طنطان التي قمعت مظاهراتهم المطالبة بتحرير الصحراء سنة 1972، واعتقال بعض قادتهم والتنكيل بهم في السجون. أم بسبب قصور نظرة قادة الأحزاب الوطنية المغربية التي لجأ إليها الشبان الصحراويون طلبا لدعمهم في قضية تحرير الصحراء، فبدل احتوائهم وتأطيرهم تم تجاهل مطلبهم، ما دفع بالمجموعة التي كانت تعد على رؤوس الأصابع إلى الفرار خارج المغرب، وكان أقرب مكان يمكنهم اللجوء إليه هو شمال موريتانيا الذي سبقتهم إليه قيادات حركة بصيري الفارين من ملاحقة الإدارة الإسبانية في الساقية الحمراء بعد مظاهرات العيون سنة 1970. ومن هناك ذهب زعيم الحراك الثوري، الولي مصطفى السيد، إلى مدينة تيندوف الجزائرية لاستطلاع الموقف الجزائري، حيث سيقف على حالة التهميش والفقر التي يعاني منها أبناء عمومتهم في تيندوف بسبب دعمهم لمطالب المغرب في حرب الرمال سنة 1963. كان من الطبيعي أن تتغير الأفكار، بعد أن التقى مطاردون ومهمشون يجمعهم الدم الواحد والمعاناة المشتركة. فكانت البداية الفعلية للتفكير في تأسيس كيان جامع للصحراويين يؤوي المطاردين والمهمشين ويرفع الغبن عن المستعمرين منهم، فتم الإعلان عن ميلاد جبهة البوليساريو في مدينة زويرات الموريتانية (مايو 73)، وبدأت نشاطها العسكري ضد الحاميات الاسبانية، ونشاطها السياسي في تأطير واستقطاب الصحراويين في المناطق البعيدة عن المغرب واسبانيا (الحدود الموريتانية الجزائرية مع الصحراء). فتحت جبهة البوليساريو قنوات اتصال مع الجزائر عن طريق منخرطيها الجدد من صحراويي تيندوف الذين تشكلت منهم نواة جيشها. عندها فقط استشعر المغرب خطورة الموقف، وبدلا من تدارك الموقف وتصحيح الخطأ، انخرط في خطأ جديد، حيث أسس جبهة التحرير والوحدة لتحرير الصحراء، أو حركة الرجال الزرق، بقيادة شخص مجهول متعدد الأسماء (ادوارد موحى، محمد ارقيبي، رشيد). الجبهة الجديدة التي فتحت مكتبا لها بالجزائر قبل البوليساريو لم يجد زعيمها من حل غير الفرار من الجزائر بجواز سفر مالي مزور بعد انكشاف أمره. فقد كان، علاوة على كونه مدعوما من المملكة المغربية، بعيدا كل البعد عن الصحراء وبلا سند قبَليّ صحراوي، عكس قائد البوليساريو، الولي مصطفى السيد، الذي عرف كيف يدخل الجزائر عملا بنصيحة ابن عمه اعلاتي ولد ميارة، أحد أعيان تيندوف وقتها. فقد نصحه، في زيارته الأولى سنة 1972، أن يكون رسوله إلى صحراويي تيندوف والجزائر أحد أبناء رقيبات الشرق الذين يشكلون غالبية سكان تلك المناطق، فكان أن بعث بعد المؤتمر التأسيسي للبوليساريو احمتو ولد خليلي ولد محمد البشير (اﻻسم الحقيقي لمحمد عبد العزيز الذي سيصير زعيم جبهة البوليساريو ﻻحقا) ومحمد لمين ولد البوهالي الذي سيصبح ﻻحقا وزير دفاعها، لفتح مكتب للجبهة في تيندوف والتنسيق مع الجزائر، فعائلتاهما اللتان تنتجعان الحدود الشرقية والشمالية الشرقية للصحراء تشكلان ثلث قبيلة الرقيبات الأكثر عددا في الإقليم. كان عدم احتواء وتأطير مطلب تحرير الصحراء في بداية سبعينيات القرن الماضي سببا في تأسيس جبهة البوليساريو خارج المغرب، ما سهل استقطابها من طرف خصومه. كما كان تأسيس حركة الرجال الرزق التي ولدت ميتة سببا في أن تصبح البوليساريو الممثل الشرعي والوحيد للصحراويين. *قيادي سابق في جبهة البوليساريو