منذ أربعة عقود والصحراء (المستعمرة الاسبانية سابقا) موضع نزاع، لم تفلح القوة العسكرية ولا المبادرات الدبلوماسية في حله. فهل سيستمر عقودا أخرى، أم ستمتلك الأطراف الشجاعة والوسائل لإنهائه؟ من حيث الحق، تتنازع حول الصحراء شرعيتان، تاريخية بني عليها المطلب المغربي، وقانونية بني عليها مطلب البوليساريو ومن ورائها الجزائر. اصطف خلف الشرعيتين داعمون لهذا الطرف وذاك، ومن ورائهم مصالح تقترب من هذا حينا ومن ذاك أحيانا. وبين كل هؤلاء وقفت الأممالمتحدة حائلا دون انجرار المنطقة نحو تصعيد قد يرخي بضلاله على منطقة شمال غرب إفريقيا وجنوب أوروبا. وبسبب سوء طالع نزاع الصحراء، كثرت بؤر التوتر في مناطق تتجاوز في حيويتها وأولويتها منطقة شمال غرب إفريقيا، أصبح معها النزاع كبركان خامد، لا يأتمنه القريب ولا يشعر به البعيد. الأممالمتحدة التي تمثل الضمير الجمعي للمجتمع الدولي، وتشرف على عملية التسوية منذ 1991، لا تعطي الشرعية لطرف دون الآخر، وتدعو لحل توافقي، يتجاوز الحق الذي يتمسك به كل طرف، ويصر ممثلها الخاص الحالي أن الحل بيد طرفي النزاع، وأن مهمته تنحصر في تسهيل الوصول إليه. وقد لعبت القوى الكبرى دورا بارزا في ردم الهوة بين الأطراف المتنازعة، بالضغط حينا وبالحيلة والإغراء أحيانا أخرى. فقد تمكنت على مدار 24 سنة من رعاية العملية السلمية من تخفيض التوتر إلى أدنى مستوى. نزعت سلاح جبهة البوليساريو، صاحبة المبادرة في الهجوم من خلال وقف إطلاق النار وأمنت إطلاق سراح الأسرى، وفوق ذلك روضت الجبهة من حركة مسلحة تتبنى الخيار العسكري لفرض الاستقلال إلى منظمة سياسية تطالب بتقرير المصير وتركت تحديد شكل ومضمون تقرير المصير لما سيتفق عليه الأطراف في المفاوضات. وعلى المغرب فرضت المجموعة الدولية الاعتراف بالخصوصية الصحراوية وتقديم مبادرة حسن نية تثبت ذلك، تمثلت في مبادرة الحكم الذاتي التي أثني عليها مبدئيا من مجلس الأمن لتثبيتها كحد أدنى. ولما أوصلت جبهة البوليساريو إلى التفاوض حول تقرير المصير، والمغرب إلى الاعتراف بنوع من الاستقلالية الصحراوية داخل الفضاء المغربي، أصبحت الأممالمتحدة جاهزة للتقدم نحو ردم ما بقي من الهوة. فصارت تبحث في ما سمي بالحلول المبتكرة التي تحقق شيئا من هذا المطلب ومن ذاك، حيث طرحت، مؤخرا، مقترح الكونفدرالية للنقاش، وهو مقترح وصفه العاهل المغربي في خطابه الأخير ب "تصورات بعيدة عن الواقع، تم طبخها داخل مكاتب مكيفة، كاقتراحات لحل الخلاف الإقليمي، حول مغربية الصحراء". ولم تعلق جبهة البوليساريو على المقترح، إلا أن قبولها واضح في صمتها وإلحاحها على الإسراع بالمفاوضات والحركة الكبيرة لقيادييها بين تيندوف والجزائر العاصمة كلما حلت زيارة للوسيط الأممي. وباستخدام أدواته الناعمة (المنظمات الدولية والمجتمع المدني والصحافة) يسعى المجتمع الدولي إلى مواصلة الضغط على الأطراف حتى يصل في النهاية إلى الحل التوافقي الأقل تكلفة ويحفظ ماء الوجه للجميع. فتجربة ربع قرن من رعاية النزاع والزيارات والدراسة أعطت للقوى الكبرى صورة أن المغرب ذا الموقع الحيوي لا يمكن العبث باستقراره، لأن الغرب، وخاصة أوروبا، سيكونون أول ضحاياه. وفي الجهة الأخرى، خبرت القوى الفاعلة في المجتمع الدولي المعنية بنزاع الصحراء، وخاصة فرنسا وإسبانيا، المنطقة بحكم الاستعمار والجوار، وتعلم أن جبهة البوليساريو لها حاضنة اجتماعية (قبلية) سيؤدي عدم احتوائها إلى توسيع رقعة ألا استقرار في منطقة الساحل المضطربة أصلا. ومن وراء ذلك، جزائر قال رئيس مخابراتها في نهاية السبعينيات: "وْحْنا واشْ نْدِّوْ" حينما عرضت عليهم فرنسا مقترحا بأن يحتفظ المغرب بشمال الصحراء وتشكل البوليساريو وموريتانيا، التي تدير حينها جنوب الصحراء، فدرالية. أما موريتانيا التي تحرس صحراء واسعة يعشعش في أطرافها الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة وتعرف التركيبة القبلية لحاضنة البوليساريو الشعبية، لا يخدم أمنها القومي حلٌّ لا يستوعب سكان المخيمات الصحراوية، الذين لن يجدوا من متنفس غير موريتانيا في حالة الحل القسري، مما سيعرض أمنها القومي واستقرارها الهش إلى خطر جسيم. وبين هذه الخطوط الحمر تستمر جولات الوسيط الأممي كريستوفر روس، ومساعي المجتمع الدولي في التوصل لتسوية نهائية لم تنضج ظروفها بعد على مستوى المنطقة.