في شهر غشث من كل سنة تظهر نتائج الترتيب السنوي للجامعات بالعالم ويتم نشر لائحة ال 500 جامعة الأفضل عالميا حسب ما أصبح يصطلح عليه بترتيب شنغاي، الذي يقوم به المركز الدولي WCUR للترتيب الأكاديمي لجامعات العالم بشنغاي، حيث يتم هذا الترتيب للجامعات بناءا على مجموعة من المقاييس من ضمنها جودة التكوين والبحث العلمي بها، وتوظيف خريجها بالمؤسسات الإقتصادية والمالية والصناعية الكبرى، وحصول العاملين بها أو خريجها على جوائز نوبل أو غيرها، والأعمال العلمية المنسوبة إليها والمنشورة بالمجلات العلمية الجادة. ويعتبر نشر هذه النتائج حدثا دوليا مهما وتقوم الجرائد المغربية، على غرار كل الجرائد في العالم، بنشر مقالات حول هذا الموضوع، لمناقشة الأسباب التي تجعل الجامعات المغربية تتخلف عن إحراز مراتب ضمن أحسن وأفضل الجامعات العالمية، وتحديد العوامل المسؤولة عن هذه النتيجة. إلا أن البعض يقدم ويناقش هذه المسألة وكأنها كارثة أصابت تعليمنا العالي وبحثنا العلمي، أوكأننا كنا واهمين ننتظر أن نصنف ضمن المراتب الأولى. فالنتيجة معروفة مسبقا والأمرلا يستحق في رأينا أدنى تهويل، ولا يجب أن تعطى له أهمية كبرى، كما أنه ليست له دلالة كبيرة فيما يخص جامعاتنا من حيث جودة التكوين أوالبحث العلمي، وذلك لاعتبارات موضوعية كثيرة سنتطرق إلى البعض منها في النقط التالية: 1. يعتمد ترتيب شنغاي في الأساس على مقاييس لا توافق كل الجامعات حتى الأروبية منها، بل هي مقاييس يبدو وكأنها وضعت خصيصا لتقييم وتصنيف الجامعات الأنجلوسكسونية وجعلها النموذج الذي يجب أن يقتدى به في جميع بلاد العالم، وقد يلاحظ ذلك من خلال الرتب التي حصلت عليها في كل السنوات، مدرسة البوليتكنيك والمدرسة العليا للأساتذة الفرنسيتين والعديد من الجامعات الفرنسية الشهيرة، وهي رتب متدنية مقارنة مع شهرة ومستوى هذه المؤسسات التي تنتج النخب العلمية والفكرية والإقتصادية الفرنسية، حيث حصلت دائما في ترتيب شنغاي على رتب متأخرة بالمقارنة مع شهرتها. وهذه المدارس والجامعات الفرنسية تمد كذلك الجامعات الأمريكية والكندية بباحثين من مستوى متميز، ما يساهم في حصول هذه الأخيرة على الرتب الأولى. كما أن الجامعات الأمريكية تتوفر على موارد مالية ضخمة لكونها جامعات خصوصية، الشيئ الذي يمكنها من إستقطاب كبار الباحثين والعلماء من كل أقطار العالم، خلافا للجامعات الأروبية باعتبارها جامعات عمومية تعتمد على تمويل الدولة. 2. إن ترتيب شنغاي الذي تهيمن الجامعات االأنكلوسكسونية على إحتلال أحسن الرتب فيه أصبح محل إنتقادات شديدة من طرف الكثيرمن المهتمين من جامعيين ومسؤولين سياسيين في أوروبا، وقد بدأوا يفكرون في إحداث تصنيف خاص للجامعات الأوروبية، يأخذ بعين الإعتبار خصوصيات هذه الجامعات ويعترف لها بالمكانة التي تستحقها. فجامعات القارة الأوروبية التي تعتبرأكبرمنتج للأفكار العلمية في العالم، وتوفر التكوين بالمجان لمواطني البلاد التي تنتسب إليها، بل حتى لكل من يمكنه أن يلتحق بها بغض النظر عن جنسيته، لم تحرز الكثير منها رتبا جيدة، رغم تفوقها في مجالات كثيرة. هذا في الوقت الذي نجد فيه أن هناك جامعات دول غنية، متخلفة علميا وصناعيا، إستطاعت أن تصنف ضمن أحسن الرتب، متفوقة على الجامعات الأوروبية المشهود لها في الكثير من التخصصات العلمية، وذلك لأنها تؤدي أجورا عالية جدا لبعض مشاهير العلوم مقابل الإشارة في أعمالهم العلمية إلى إنتمائهم إليها، دون أن تطأ أقدامهم أرضها! هذه الأجور قد تصل إلى 72000 دولار سنويا للواحد حسب مجلة Science الأمريكية الشهيرة. 3. بالجامعات المغربية يعمل الكثير من الباحثين خريجي العديد من الجامعات الفرنسية والكندية والأمريكية وغيرها من بين تلك التي تحصل على رتب جد محترمة في ترتيب شنغاي، ولكن هؤلاء الباحثين ليسوا بأحسن حال في البحث العلمي والتدريس من زملائهم الذين درسوا بالجامعات المغربية وتخرجوا منها. بل هناك من تفوق من بين هؤلاء الأخيرين، وأثبت أنه لو توفرت له شروط العمل والنزاهة الفكرية والاعتراف المتوفرة بالبلاد المتقدمة لماأعطى أكثر، لأنه استطاع أن يجد ويجتهد وينتج في بيئة جامعية غير سليمة، تعاني من سوء التسيير على مستوى المختبرات والشُعب، والخلل الكبيرالذي تعرفه مسطرة اختيار وتعيين لجان التوظيف واللجان العلمية ولجان التقييم ولجان الخبراء ومشاريع البحث والبرامج. 4. إن كان هناك جزء من المسؤولية عن عيوب جامعتنا يتحمله الجميع، من رئيس الشعبة ومدير المختبر وعضو مجلس الكلية مرورا بمسيري الشأن المحلي الجامعي، فإن أكبر قدر من هذه المسؤولية تتحملها الأحزاب السياسية التي تقلدت حقيبة البحث العلمي وفشلت فشلا دريعا في هذا المجال، وذلك لغياب أية رؤية إستراتيجية واضحة لديها لأي بحث علمي تريده هذه الأحزاب في برنامجها السياسي، أو لوضع الرجل الغير مناسب على رأس قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، كما ظهر ذلك بجلاء خلال السنوات الأخيرة. ولعل ما يؤكد هذا هو أننا أصبحنا لا نسمع من المسؤول الحالي عن قطاع التعليم العالي والبحث العلمي إلا الحديث عن ملايين الدراهيم التي هو بصدد البحث عنها، أو تلك التي وجدها، من أجل دعم البحث العلمي، دون أن نعرف الشيئ الكثير عن المشاريع التي ستخصص لها هذه الأموال، في غياب تصور واضح لما يريده من تعليم عالي ومن بحث علمي على المديين القريب والبعيد، اللهم ذلك التوجه نحو خوصصة التعليم العالي، أي نحو القضاء على ما بقي من بحث علمي بهذه البلاد، لأن مؤسسات التعليم العالي الخاص التي تناسلت ببلادنا لا يهمها البحث العلمي، وهي أصلا غير مؤهلة لذلك. 5. يجب علينا كذلك أن نكون موضوعيين في حكمنا على الرتب المتدنية جدا التي كانت من نصيب جامعاتنا في تصنيف شنغاي واعتبار الأمر عاديا، وذلك لأنها جامعات حديثة، لا يتعدى عمرها ال 60 سنة، أي ما يمثل بالكاد جيلين من الباحثين، بالمقارنة مع الجامعات العريقة في أروبا وأمريكا وآسيا، التي يفوق عمرها ال 150 أو 200 سنة أو أكثر من التكوين والبحث العلمي. ثم إن الدول المتقدمة تتوفر على أعداد كبيرة من الجامعات االمتطورة، قد تفوق ال 80 أو 100 جامعة في دول كفرنسا أو ألمانيا مثلا. كما أن الدولة والمؤسسات التابعة لها في البلاد المتقدمة، من أكاديميات العلوم ومراكزالبحث االعلمي، هي التي تسهرعلى توجيه البحث العلمي وعلى وضع برامجه والمساهمة فيها، وهو ما لا تقوم به هذه المؤسسات عندنا رغم وجودها. فالمركز الوطني للبحث العلمي المغربي أصبح مجرد وكالة لتوزيع الأموال المخصصة لدعم البحث العلمي على الفرق و المختبرات، حيث يتم هذا التوزيع عبر شراكات وتعاقدات مع هذا المركز، في تغييب مطلق للمعايير التي تعتمد في اختيار اللجان التي تقيم المشاريع. وقد سبق أن عرفت المشاريع المعروفة بأسماء الPARS والPROTARS في بداية الألفية الثالثة تجاوزات كبيرة، حيث إستفادت بعض الفرق من أموال باهضة مقابل نتائج باهتة إن لم تكن منعدمة، ولم يحاسبها أحد. 6. أصبح بعض المسؤولين عن البحث العلمي ببلادنا يدفعون بالجامعة المغربية إلى الدخول في السباق نحو رتبة جيدة في تصنيف شنغاي أو غيره بالتشجيع على إنتاج الكثير من الأعمال، دون مراعاة عامل الجودة وتوفير شروطها، ناسيين أو متناسيين أن مثل هذا الأعمال العلمية التي أصبحت تنتجها الكثير من مختبرات جامعاتنا لا تُعتمد في تصنيف شانغاي. وقد أدى هذا التشجيع إلى إنتاج جامعاتنا لنسب كبيرة من الأعمال الرديئة في العلوم، وهو ما سيؤدي بها حتما إلى إحتلال الرتب الأخيرة في أي تصنيف جدي . ومن بين هؤلاء المسؤولين من دفع إلى تبني قاعدة الفهرسة المسماة Scopus عوض Thomson Reuters الأكثر جدية في تقييم العمل العلمي، وذلك حتى يظهروا هم والمجموعات المقربة منهم على أنهم الأكثر إنتاجا، ويستفيدوا من الدعم وأشياء أخرى 7. رغم كل شيء فإن لجامعاتنا، من ناحية التكوين إلى حدود الإجازة والسنة الأولى من سلك الماستر، مستوى محترما جدا، حيث أن الكثير من الطلبة المتخرجين منها في هذه المستويات يُقبلون بسهولة في الجامعات الأوروبية، ويحصلون على نتائج جيدة عند التحاقهم بها ، مما يدل على أن مستوانا التعليمي ليس أقل جودة من التعليم بالخارج رغم قلة إمكانياتنا. أما البحث العلمي فقد عرف تراجعا خطيرا في السنوات الأخيرة، إلى درجة أصبح معها مستوى نسب كبيرة من أطروحات الدكتوراه في بعض التخصصات لا يتعدى مستوى رسالة الماستر بسبب قبول الأعمال الرديئة المنشورة بمقابل في بعض المجلات، واعتمادها في تقييم هذه الأطروحات.