تتواصل ردود الفعل حول توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان الداعية إلى المساواة بين الجنسين. الموضوع تحول من مجرد توصية، من ضمن مجموعة من التوصيات التي تضمنها التقرير، إلى نقاش طرح سجالا واسعا أخد أبعاد دينية واجتماعية وسياسية، هاته الأخيرة برزت مع توالي بلاغات وبيانات الأحزاب، كان آخرها تقرير المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، المشارك في الائتلاف الحكومي، الذي أبدى موافقته على محتوى التوصية الداعي إلى المساواة بين الجنسين في جميع المجالات بما قي ذلك الإرث بشرط أن يتم ذلك "بالتدرج". حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سبق وأن دعا، على لسان أمينه العام، إدريس لشكر، إلى المساواة في الإرث بين الجنسين قبل أشهر من تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وسارع، من جديد، بعد الإعلان عن توصية المجلس، إلى التأكيد الكامل عن تأييده لمقترح التوصية. أما حزب العدالة والتنمية فقد اعتبر، في بلاغه له حول توصية المجلس، بأن ذلك "تجاوز لمؤسسة إمارة المؤمنين ولمنطوق الخطاب الملكي السامي في افتتاح السنة التشريعية لسنة 2003، الذي أكد فيه جلالة الملك أنه، بوصفه أميرا للمؤمنين، لا يمكن أن يُحِّل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله، كما تفتح جدلا عقيما حول مواضيع تنظمها نصوص قرآنية قطعية الثبوت والدلالة كموضوع الإرث". حزب الأصالة والمعاصرة أشاد بمقترح المساواة في الإرث، مؤكدا على "أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعد مؤسسة دستورية لم تمارس إلا الدور المنوط بها، في إطار الالتزام بالمواثيق الدولية والتشريعات الوطنية ما يستدعي معه نقاشا هادئا لمقترحاته بعيدا عن فرض الوصاية على التفكير المجتمعي من طرف البعض". أما حزب الاستقلال، حليف "البام" في المعارضة، فأكد على لسان أمينه العام، حميد شباط، أن موقف الحزب "واضح" في ما تعلق بالمساواة في الإرث، معتبرا أن الموضوع محسوم في الأصل بنص قرآني ولا اجتهاد مع وجود نص، مضيفا أن هذه التوصية تأتي خارج اهتمامات المغاربة، بحسب شباط. يتضح أن جل الأحزاب لم تترك نقاش المساواة في الإرث يمر مرور الكرام أو دون أن تأكد دعمها أو رفضها لتوصية المساواة بين الجنسين. وقد اعتبر بنيونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الأوّل بوجدة، أن الموضوع رغم أنه طرح بصيغة مجردة على شكل توصية، إلا أنه صحي بالنسبة للنقاش العمومي لكن استعماله في أغراض سياسية هو شيء غير مقبول. المرزوقي لم يستبعد أن دخول الأحزاب على الخط في موضوع الإرث ما هو إلا استباق للحملة الانتخابية، قد يؤدي إلى حجب مواضيع أهم وأكثر حساسية بالنسبة للمواطنين للخوض في نقاش ثانوي، مؤكدا تجاوب نسبة كبيرة من المتابعين مع الطرح الرافض لهذه التوصية، كما أظهر ذلك الاستطلاع الأخير الذي قامت به هسبريس، ما قد يخدم جهة سياسية معينة دون أخرى كما يقع دائما عند إقحام الدين في النقاش، وفق تعبير أستاذ القانون الدستوري بجامعة وجدة. أما علي الشعباني، الباحث في علم الاجتماع، فيرى أن الأحزاب السياسية هي نابعة من هذا المجتمع ويجب أن لا تخلط بين الشأن السياسي والقضايا المجتمعية. فالدين، في نظر الشعباني، يعد أساسيا في المجتمع، وبالتالي "لزم على الأحزاب أن لا تخلط الأمور، فقد يؤدي ذلك إلى فتن"، مضيفا أن المجتمع لم يصل إلى نوع من النضج المعرفي ليواكب مثل هذه المواضيع، لذا وجب على الأحزاب "أن تأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار بشكل ذكي وليس بغباء"، وتساءل المتحدث عن جدوى طرح هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات، خاصة أن هناك مواضيع أهم من موضوع المساواة في الإرث. وكان المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد أوصى في تقرير موضوعاتي له حول "وضعية المساواة والمناصفة بالمغرب" بضرورة تعديل مدونة الأسرة بشكل يمنح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل فيما يتصل بانعقاد الزواج وفسخه، وفي العلاقة مع الأطفال، وكذا في مجال الإرث". *صحافي متدرب