التجليات والحلول المقترحة تقديم: تضطلع الجماعات الترابية بدور بارز لأجل ضبط أوضاع البيئة محليا وتلبية حاجيات المواطنين في هذا الصدد لاسيما بعد بروز الإرادة الواضحة للقوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية قصد تعزيز وتوضيح وتوسيع الاختصاصات البيئية المنوطة بتلك المؤسسات ولضمان تنفيذ برامج حماية البيئة على الصعيد اللامركزي والمرتبطة أساسا بمرفق النظافة العامة وما يقتضيه من عمليات التطهير الصلب والسائل ومرفق إحداث المناطق الخضراء وتوزيع الماء والكهرباء،بيد أنه رغم أهمية الاختصاصات التي تضطلع بها الجماعات فيما يخص تدبير مرفق البيئة بموجب القانون والإمكانيات المالية المرصودة للبرامج المتعلقة بأداء هذا المرفق الحيوي فإن الجماعات التي من المفترض أن تخفف من مركزية التدخلات البيئية بضمان تدبير فعال وعقلاني للقضايا البيئية المطروحة على الصعيد اللامركزي لا زالت تجد صعوبات جمة في التصدي للمشاكل البيئية اليومية المتمثلة في التخلص من النفايات الصلبة والسائلة ومعالجتها الأمر الذي يجعلها أمام صعوبة كبيرة في تدبير المرفق الجماعي للبيئة لم تخفف من وطأتها إسناد تدبير هذا المرفق للقطاع الخاص في إطار عقود التدبير المفوض مما يعيد النقاش من جديد حول الصيغ الملائمة لتدبير هذا المرفق وكذا حول الحلول المقترحة لإخراج مرفق البيئة الجماعي من أزمته. فماهي تجليات ضعف التدبير المفوض للمرفق الجماعي للبيئة؟ وماهي الحلول المقترحة لتفعيل تدبير هذا المرفق المحلي الحيوي؟ أولا: تجليات ضعف التدبير المفوض للمرفق الجماعي للبيئة . يشكل المرفق الجماعي للبيئة إحدى المرافق الحيوية والأساسية التي تستهدف التصدي للقضايا البيئية المحلية في اتجاه ضمان تنمية محلية مستدامة التي تشكل أهم عناصر الحكامة المحلية الجيدة، بيد أنه رغم أهمية الإطار القانوني المحدد لصلاحيات الجماعات في ميدان البيئة والتدخلات البيئية المتعددة والمتنوعة التي تقوم بها الجماعات بمعية باقي الجماعات الترابية والهيئات اللاممركزة والهيئات العمومية والخاصة فإنه عمليا تبقى تلك التدخلات محدودة في فاعليتها ونجاعتها، وبالنظر لهذه الصعوبات التي واجهتها المجالس الجماعية في تدبير قطاع التطهير الصلب بسبب نقص الوسائل المادية والبشرية وغياب التدبير العقلاني للنفايات الصلبة طرحت فكرة تفويت قطاع التطهير الصلب للخواص لاسيما بعدما اتضح عجز المصالح الجماعية عن مواجهة الأعباء التي يطرحها مرفق جمع وإخلاء النفايات الصلبة،لذلك تم تفويت تدبير قطاع التطهير الصلب للشركات الخاصة في العديد من الجماعات الحضرية في إطار عقود التدبير المفوض La gestion déléguée كطريقة جديدة من طرق تدبير المرافق العمومية المحلية نص عليها الميثاق الجماعي سابقا والقوانين التنظيمية الأخيرة للجماعات الترابية،علاوة على تفويض بعض المرافق العامة المحلية الحيوية كالماء والكهرباء والتطهير السائل،لاسيما وأن تلك المرافق تتطلب تقنيات كبيرة ووسائل تكنولوجية متطورة، وهي إمكانيات تفتقدها المجالس المحلية مما يحول دون تحقيق الجودة في أداء الخدمات غير أن هذا الأسلوب التعاقدي لم يفلح كثيرا في معالجة الإشكاليات التي يطرحها مرفق البيئة وهذا راجع لعدة أسباب منها على سبيل المثال لا الحصر: غياب الوعي الكامل بالإكراهات المحلية والتحولات البيئية وبخاصة الديمغرافية والعمرانية. عدم احترام دفاتر التحملات من لدن الشركات الخاصة وغياب التتبع المادي للمشاريع المنجزة أو المبرمجة وعدم تفعيل اللجان المحلية للمراقبة. عدم توفر الجماعات على الإمكانيات اللازمة لتفعيل دورها الأساسي والمركزي في المراقبة والتتبع مع عدم القدرة على تقييم عمل الشركات المفوض إليها تدبير القطاعات البيئية وجديتها في تطوير أدائها. ضغط الأعباء على الشركات ولاسيما في المدن الكبرى وعدم تطبيق المقتضيات الزجرية في حق المفوض إليه في حالة تجاوز بنود عقد التدبير المفوض. هذه بعض العوائق التي ساهمت في ضعف أسلوب التدبير المفوض لاسيما في المرافق الحيوية المرتبطة بمعالجة القضايا اليومية كالتطهير السائل والصلب وتوزيع الماء والكهرباء...الأمر الذي أثار عدة تساؤلات حول نجاعة هذا الأسلوب التعاقدي في تدبير المرفق الجماعي للبيئة و الذي يقتضي الوقوف عند الحلول الكفيلة بتحقيق تدبير مفوض فعال قمين بإتمام الخدمات المرفقية البيئية في إطار من الجودة والفاعلية. ثانيا : الحلول المقترحة. لتفعيل الدور البيئي للجماعات ينبغي أساسا تقوية القدرات التنظيمية والمالية والبشرية للمجالس الجماعية الحضرية والقروية وتمكينها من الوسائل التقنية الحديثة إذ بدون تلك القدرات والوسائل لا يمكن النهوض بالاختصاصات البيئية الموكولة للجماعات مع ضرورة تطوير الصيغ المعتمدة في تدبير المرفق الجماعي للبيئة لاسيما ما يخص أسلوب التدبير المفوض الذي يتعين تفعيله من خلال صياغة عقود للتدبير المفوض في إطار من الوضوح والدقة والبيان بشكل يمكن المجالس المنتخبة من القيام بدورها في التتبع والمراقبة الإدارية والتقنية والتقييم باعتماد مؤشرات وآليات لتقييم الفعالية والجودة في التدبير، على أنه فيما يخص خدمات المرافق العامة المسيرة بأسلوب التدبير المفوض والتي تهم بالأخص قطاعات الماء والكهرباء والتطهير السائل والنقل، فيتعين التأكيد بصددها أن أي تحديد للأسعار دون مراعاة السياق الاجتماعي وبالأخص القدرات المساهماتية لدى المنتفعين، يجعل مبدأ تفويض تدبير المرفق العام محل تشكيك،لاسيما وأن المنتفعين غالبا ما يرفضون إيقاع وأهمية الزيادات،فأي عملية للامتياز أو التدبير المفوض وأي سياسة لتحرير المرافق العامة يتعين أن تقيس مسبقا آثارها الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة للمنتفعين،وكذا جودة وكلفة الخدمة المرفقية المؤداة، هذا مع ضرورة إقدام الجماعات على توظيف أسلوب شركات التنمية المحلية لاسيما فيما يخص قطاع تدبير النفايات الصلبة والتخلص منها، مع أهمية إحداث هيئة مكلفة بالدراسات البيئية على الصعيد المحلي تتولى تقديم الاستشارات التقنية في المجالات البيئية المختلفة لفائدة الجماعات الترابية. فضلا عن ذلك يمكن للمجالس الجماعية أن تلجأ إلى إحداث مؤسسات للتعاون الجماعي قصد الارتقاء بميادين التطهير السائل والصلب وإحداث المساحات الخضراء واستغلال إمكانية التعاون التي تتيحها القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، مع إمكانية اللجوء إلى صندوق التجهيز الجماعي لتمويل المشاريع البيئية، من ناحية أخرى يتعين إعطاء قضايا البيئة مكانة أساسية ضمن دورات المجالس المحلية قصد مناقشة وضعية البيئة داخل الجماعة والإقليم والجهة ومن ذلك مثلا إدراج مسألة تفويض مرفق تدبير النفايات واتخاذ القرار المناسب بشأن الصيغ الملائمة للتدبير الخاص به (تدبير مباشر أم التدبير التعاقدي أم تدبير عن طريق التشارك)،كذلك ينبغي توفير الإمكانيات البشرية المؤهلة، وفي هذا الصدد يجب فتح مجال التكوين المستمر للأطر الجماعية والمنتخبين ليشمل تخصصات جديدة لمواكبة التطور العلمي والحاجيات الحقيقية للإدارة الجماعية في ميدان المحافظة على البيئة إذ أظهرت التجربة أن التدبير المباشر لمرفق البيئة الجماعي، وبشكل استثنائي، أعطى نتائجا جيدة في بعض الجماعات التي تولت فيها أطر متخصصة ومكونة ذات خبرة عالية في ميدان البيئة تدبير هذا القطاع، كما يظهر من المفيد تعبئة الوسائل المالية الكفيلة بمواجهة الأعباء التي يطرحها تدبير هذا المرفق في مختلف جوانبه والمرتبطة خاصة بالتطهير السائل والصلب. كذلك ينبغي التخفيف من ثقل سلطة الوصاية على المجالس الجماعية خاصة عند اتخاذ القرارات المستعجلة لحماية البيئة من التدهور لأن كل تأخير أو تماطل في هذا الباب ينعكس سلبيا على الأفراد والجماعات مما يعني أن حماية البيئة ليست حكرا على الجماعة وحدها، بل تقتضي إشراك باقي الهيئات والمؤسسات ولاسيما هيئات المجتمع المدني، وفي هذا الصدد فإن المجالس الجهوية كذلك مدعوة إلى أجرأة اختصاصاتها البيئية التي تشمل عموما اعتماد كل التدابير الرامية إلى حماية البيئة ومن هذا المنطلق يمكن للمجالس الجهوية أن تقوم بإعداد مخطط عمل جهوي للبيئة بمشاركة كل المتدخلين وبتعاون مع قطاع البيئة هذا المخطط الذي قد يستهدف بالأساس تشخيص الحالة البيئية بالجهة مع تحديد المشاكل وإيجاد الحلول وكذا تحديد التوجهات والمحاور الكبرى لسياسة جهوية في ميدان البيئة مع إدماج متطلبات التنمية الجهوية في إطار تحترم فيه معايير البيئة، أيضا يتعين تعميم التصاميم البلدية للبيئة Plans Municipaux de l'environnement التي تهدف التقييم الدقيق للحالة البيئية للوسط الحضري و أخذ المشاكل البيئية بعين الاعتبار عند إنجاز المشاريع التنموية مع تحسيس الفاعلين الاقتصاديين والمنتخبين المحليين بمشاكل البيئة و إعداد برنامج عمل على المدى الطويل من أجل تدبير أفضل للبيئة. أكيد أن تدبير مرفق البيئة من لدن الجماعات يعد عنصرا فاعلا في تنفيذ السياسة البيئية بحكم قرب هذه الوحدات الترابية الجماعية من مواقع الاختلالات البيئية، الأمر الذي يجعلها معنية مباشرة بالتصدي المباشر لتلك الإختلالات وتدبير مختلف الإشكاليات التنموية ذات الصلة بحماية البيئة، كذلك بات إيجاد إدارة للقرب لاممركزة تساهم في التدبير الفعال لمرفق البيئة محليا عبر توحيد وتوجيه التدخلات البيئية التي تقوم بها مختلف الهيئات اللامركزية واللاممركزة، شرطا أساسيا للارتقاء بجودة مرفق البيئة المحلية وتحقيق التنمية المستدامة. تبعا لذلك وبالنظر للاختصاصات الهامة التي ستضطلع بها الجهات والجماعات الترابية بموجب الدستور الجديد و القوانين التنظيمية للجماعات الترابية فإن التحدي الكبير الذي سيظل ملازما للتدبير المحلي لمرفق البيئة سيظل هو تحدي الحكامة الجيدة كأداة أساسية لتأهيل الإدارة المحلية وتطوير الاقتصاد المحلي ككل لبلوغ التنمية المستدامة التي ترتكز على مقومات أساسية ترتبط بحماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية. *أستاذ جامعي في القانون العام