قبل أن أتطرق لصلب الموضوع أود أن أشرح العنوان لمن لا يتقن الدارجة المغربية. فعبارة “ما تعيبنيش آ خويا” تعني أصلا “لا تقلدني يا أخي”. ولقد وقع اختياري على هاته العبارة الدارجة لأنها تدلنا على حكمة شعبية عميقة مفادها أن التقليد بين الإخوة غالبا ما يكون قصد إبراز عيب المقلد للمقلد. ولا حاجة لي هنا لإضافة حركات على كلمتي مقلد ومقلد وذلك لسبب بسيط :لا فرق بيني وبين من يقلدني أو من “يعيبني” كما نقول بالدارجة. فمن العيب أن نعيب إخوتنا أو نبرز عيوبهم. فسواء كنت أول فاعل لعملية التقليد أو مفعولا به. والأغبياء أو القاصرون هم الذين يوجهون أصبع الإتهام لمن يقابلهم ويقولون :'هو الذي بدأ بالإعتداء علي والبادئ أظلم'. وكأنما يمكن أن نحدد لدوامة العنف بداية. وكأنما المنخرط في حلقة العنف المضاد برئ من العنف. تجربتنا البشرية كأفراد وكجماعات علمتنا أن المرآة الحية التي تمثل أمامنا خلال عملية التقليد تنتهي في آخر الأمر إلى الخلط والفوضى والفتنة ولا نعلم في النهاية ما أصل الحكاية والمحاكاة العنيفة. بعد هاته المقدمة أود أن أعود لأصل الموضوع : قضية الصحراء والقبائل الآمازيغية الجزائرية. وصلني خبر وفاة الآكاديمي روني جيرار البارحة وقرأت كذلك أخبارا مفادها أن ممثلا للمغرب بالأمم المتحدة لجأ إلى إثارة مشكلة القبائل الآمازيغية بالجزائر. وقد يتساءل القارئ عن حق : ما العلاقة بين هاذين الخبرين ؟ لقد قدمت ثلاث مقالات عن روني جيرار على موقع هسبريس حاولت أن أشرح عبرها نظريته القائلة بأن المحاكاة أو التقليد بين شبيهين ولكن متنافسين غالبا ما يؤديان إلى التصعيد وأخيرا إلى العنف بين الإخوان والأخوات، مثلا. أرى فيما وقع بالأمم المتحدة بين إخوتي تجسيدا واضحا لهاته النظرية الأنتروبولوجية (أنتروبوس تعني إنسان بالإغريقية). نعلم أن هنالك تنافسا عريقا في القدم بين المغاربة والجزائريين لربما لأنهم متشابهون في كثير من الجوانب. فنحن نرى إذا أختنا الجزائر تتهم أخاها المغرب بأنه لا يحترم حقوق أختيهما الصحراوية. ونرى المغرب يقدم جوابا غبيا لما فيتهم أخته الجزائر بأنها لا تحترم أخاهما القبائلي. وبما أن الغباء يجر الأطفال إلى المغالات بغباء أقوى من الذي سبقه يمكننا أن نتصور أختنا الجزائر تتهم أخاها المغرب بأنه هو كذلك لا يحترم أمهما الآمازيغية المشتركة وأنه احتكر السلطة بيد رجال يرثوها منذ قرون أبا عن جد، وليس بنتا عن أم، وأن حكم الرجال ميراث دخيل منحدر من شبه جزيرة نائية ونفس الإتهام يمكن للمغرب أن يوجهه للسلطات الجزائرية وهكذا ... على هذا المنوال يمكننا أن نتوقع بسهولة تامة التصعيد والمغالات التي يمكن للأخ والأخت - المتشابهين كل التشابه - أن يتبادلاها عن حق وعن باطل حول مشكلة حقوق الإنسان الجزائري والمغربي، الصحراوي أو الآمازيغي وما يمكنهما أن يثيراه من نعرة لو تعمقا في تاريخهما المشترك وتذكرا معا قبائل العزاة الوافدة من الشرق وكذا العبيد المستوردين أو الوافدين من السودان (بلدان السود) ولربما قد يتذكرا كذلك حقوق المرأة المهضومة ويغاليان في التفاخر بما أنجزه الأخ ولم تنجزه الأخت من تقدم في هذا الميدان ومن يدري لربما يمكنهما إثارة حقوق زاوية مولاي عبد القادر الجيلاني المهضومة وحقوق زاوية عيساوى المنسية ولربما طرق وزوايا أخرى كي تعم الفوضى الفكرية وليتابع الأخ والأخت التراشق بالإتهامات الهوجاء من طرف كلا البلدين. أقولها بصراحة إنني لأرى هنا لعبة أطفال غير ناضجين لا تليق باللقاءات الدبلوماسية بالأمم المتحدة. هيئة ناقصة ولا شك ولكنها الوحيدة التي تحاول النهوض بعبإ حفظ السلام بالأماكن الساخنة وليس بتسخين الرؤوس وتجييش النفوس. إن كنا حقا نحلم للمغرب وللجزائر ولإخواننا الصحراويين والقبايليين بغد أفضل فلا بد أن نطلب من المغرب ومن الجزائر ومن الصحراويين ومن القبائليين أن يكفوا عن متابعة هاته اللعبة التي تليق حقا بالأطفال والتي لا يرجى منها أي نفع يعود على الشعبين المتنوعين كل التنوع لأنهما عرفا من الإختلاطات العرقية الآتية من الشرق والشمال والجنوب والتي يمكن اليوم تحليلها ومعرفة تفاصيلها بدقة كيماوية (تحليل حوامضنا الأميينية الوراثية). الحكمة تكمن إذن في تهدأة التصعيد والمحاكاة لنقول للمغرب ولأخته الجزائر : كفاكما مشاجرة. نعلم أن لكليكما مساوئ وعيوبا مشتركة وبإمكانكما اليوم التنافس من أجل غد أفضل لكما الإثنين وذلك بالتنافس بالتي هي أحسن وليس بالتي هي أكفس. فماذا تقدمان معا كجهود مشتركة من أجل الإعتراف بحقوق آمازيغيتكما الأم ؟ ما هي الجهود المشتركة التي يمكنكما أن تقدماها من أجل حكامة أفضل للأقاليم النائية عن عاصمتيكما ؟ ما هي التنازلات المتبادلة التي بإمكانكما أن تتفقا عليها لتنمية التعاون فيما بينكما لصالح شعبيكما ؟ فحذار إذن من التقليد الأعمى الذي لا يفيدكما في التقدم نحو حلول تليق بالشعبين المغربي والجزائري بكل مكوناتهما اللغوية والإقليمية والجهوية. وعليكم السلام يا من يريد السلم والسلامة لأهله.