تناسلت في الآونة الأخيرة ردود متنوعة ومتباينة حول التصريحات الأخيرة للصحفي المغربي أبو بكر الجامعي و الأمير هشام العلوي والمتعلقة بإمكانية قيام ثورة شعبية بالمغرب على غرار ما وقع بمصر وتونس. ودون الدخول في مزايدات مفضوحة أو حدوث تشنجات مجانية مفادها تخوين المواطنين المشار إليهما أعلاه، دعونا نقوم بعملية تشخيص لواقعنا الإجتماعي والسياسي مستحضرين مميزاته و نواقصه حتى نتمكن من فتح حوار هادئ بين مختلف المهتمين بالشأن الوطني دون اصطفافات أو سباب مجاني لا يخدم إلا أعداء هذا الوطن الحبيب. فغني عن البيان أن المغرب، خلال العشرية الأخيرة، قد استطاع خلق طفرة حقيقية على مستوى تأهيل بنياته التحتية و إطلاق أوراش تنموية كبرى بإعتماده فقط على إمكانياته البشرية والطاقات الخلاقة لأبناء هذا الشعب مكن من خلق فرص عمل متنوعة تتجاوز في آحايين كثيرة مؤهلات خريجي التعليم العمومي. كمنا نتج عن هذه الطفرة ارتقاء بالمستوى المعيشي للطبقات الكادحة مكن من تحقيق أمن إجتماعي نسبي بالمقارنة مع عشرية 1980- 1990. كما شهد المغرب مع مطلع الألفية الثالثة إشراقة بهية موصولة بحرية التعبير مع إرادة معلنة لمصالحة المغرب مع ماضيه الأليم. فبعد أربعة عقود من القهر والكبت السياسي، لاحت بارقة أمل بتشكيل حكومة تناوب وطنية يقودها المجاهد السي عبد الرحمان اليوسفي بتوافق مع الملك الراحل. لكن مع مجيء حكومة التقنوقراط في 2002، تبخر حلم الإنتقال الديموقراطي الذي تبناه مؤسسيه. وبالرغم من إقرارنا بكفاءة ونزاهة وزراء تلك الحكومة التي قادها السيد ادريس جطو المعروف برصانته وحبه لبلده، فقد رسخ هذا التراجع عن المنهجية الديموقراطية منظومة قيم جديدة قوامها عدم المكاشفة واستبعاد مبدأ محاسبة المسؤولين عن تدبير الشأن العام الوطني من طرف المواطنات و المواطنين المغاربة بواسطة ما يسمى ب"عقاب الناخبين". مما فتح المجال لبروز جيل جديد من أشباه السياسيين ارتهنوا أحزابهم وسطوا على رصيدها النضالي لتحقيق مكاسب ذاتية أعادت عقارب زمننا السياسي إلى نقطة البداية. فبالعودة قليلا إلى الوراء وخصوصا بعد تشكيل حكومة التناوب، سيتراءى لنا أن جل القيادات الحزبية كانت تلهث وتتسابق بشراسة لضمان مقعد في إحدى الحكومات المتتالية، فبدأت المضاربات التنظيمية وتقزيم دور الأجهزة الحزبية المختصة في مراقبة عمل المكاتب السياسية و كذلك صنع مؤتمرات وطنية على المقاس أو إحداث انشقاقات لدفع الدولة على إعادة ترتيب الأدوار بهدف منحهم أحد مواقع المسؤولية في تدبير الشان العام الوطني، مما أفقدهم احترام قواعدهم الحزبية. هذه المسلكيات أفرزت لنا ثقافة سياسية جديدة مبنية على الريع والغنيمة بدل معالجة القضايا التي تلامس انشغالات أبناء الشعب فأضحى كل أبناء عبد الواحد واحد (...) مما نتج عنه تقزز المواطنين من العمل السياسي بالرغم من بعض المحاولات الخلاقة كدابا 2007. فحدثث الكارثة في انتخابات شتنبر 2007، بذهاب أقل من 13 بالمائة (مع احتساب الأصوات الملغية) إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثلي الأمة. وبالتالي فالممارسات السياسية الانتهازية لهذه القيادات فوتت الفرصة على الشباب المغربي للإستجابة للنداء الملكي الصادر قبيل هذه الانتخابات لتقرير المسار الديمقراطي بالمغرب. ودون النفخ في الأبواق، وكما أشرنا إلى ذلك في مقال سابق بكون الدولة غير محتاجة لمداحين جدد، على خلاف العهد السابق، يجب الاعتراف بالحقيقة المتمثلة في كون الملك الحالي هو الفاعل السياسي الوحيد الذي يتمتع بثقة وقادر على شد انتباه الشباب المغربي للانخراط في أي مجهود وطني والدليل يتمثل في الاستقبالات الجماهيرية العفوية له عند ترحاله عبر مختلف مدن وقرى المملكة. ولا زالت الصورة التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام لملك البلاد وهو يتنقل راجلا في مستنقعات الوحل لمعاينة الأوراش مصدر افتخار وإلهام للشباب المغربي، لكونهم تعودوا على رؤية المسؤولين الرسميين مرابطين بمكاتبهم الفاخرة والمكيفة بدل النزول إلى الميدان إسوة بملك البلاد. وعليه، فالشباب المغربي ينتظر من جلالة الملك أن يقود ثورة ديموقراطية تتكامل مع الثورة الإقتصادية التي أطلقها منذ توليه مقاليد حكم البلاد، فنتمكن من مماهاة كبريات الديموقراطيات الحديثة، واستكمال الأوراش التموية الكبرى بإطلاق جيل جديد من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية كفيلة بتأهيل نخبة سياسية جديدة مواكبة لتطورات العصر ومعبرة عن آمل هذه الأمة المتمثل في شبابه، نظرا لإنتهاء صلاحية القيادات الحزبية الحالية إما لشيخوختهم التي تدفع بهم إلى الإرتكان للسلوك الجد محافظ المغلف بشعارات حداثية مزيفة (كمزحة مقترح الإصلاحات الدستورية المرفوعة لملك البلاد من طرف القيادة/المأساة للإتحاد الإشتراكي وذلك دون إطلاع برلمان الحزب على مضامينها). أو لإستثراء السلوك الإنتهازي في صفوفهم مما يدفعهم لإنتهاج مسلكيات منافية للممارسة السياسة النبيلة إما بانبطاحهم المطلق والمهين أو بشربهم لحليب السباع عند الإقتضاء لحجز (سفارة في العمارة...). لذا، يجب تحصين الإصلاحات المرتقبة ضد تقلبات الزمن السياسي المتردي بضمانات دستورية تضمن لها الاستمرارية. وذلك، وفق مقاربة تصاعدية تهدف إلى بناء ديموقراطية حقيقية بالمغرب. وبالتالي نتمكن من تحقيق الهدف المنشود و المتمثل في إرساء ملكية برلمانية ديموقراطية قوامها برلمان حقيقي قادر على المراقبة للعمل الحكومي من جهة، ومن جهة أخرى يتكون من ممثلين للشعب المغربي لا لمصالحهم الشخصية.