مسؤول فرنسي: الرئيس ماكرون يزور المغرب لتقوية دعامات العلاقات الثنائية    أساتذة الطب ينددون بحملة التشهير    قرار "العدل الأوروبية" يدفع المغرب إلى إعادة رسم الشراكات الناجعة مع بروكسل    وزير الخارجية الاسباني يرد بسرعة وقوة على قرارات محكمة العدل الأوربية ويجدد دعم إسبانيا لسيادة المغرب على صحرائه    وزير خارجية إسبانيا يبرز أهمية اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    امزورن.. سيارة ترسل تلميذاً إلى قسم المستعجلات    المحامون يقاطعون جلسات الجنايات وصناديق المحاكم لأسبوعين    رغم إلغاء اتفاقية الصيد.. فون دير لاين وبوريل يؤكدان التزام الاتحاد الأوروبي الحفاظ على علاقاته الوثيقة مع المغرب    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    ابتدائية تطوان تصدر حكمها في حق مواطنة جزائرية حرضت على الهجرة    إعطاء انطلاقة خدمات مصالح حيوية بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني ودخول 30 مركزا صحيا حضريا وقرويا حيز الخدمة بجهة فاس مكناس    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    فون دير لاين وبوريل يجددان التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي لفائدة الحفاظ أكثر على علاقاته الوثيقة مع المغرب وتعزيزها في كافة المجالات    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو    عشرات الوقفات الاحتجاجية بالمدن المغربية رفضا للتطبيع وتنديدا بالجرائم الصهيونية في فلسطين ولبنان        إيران: خامنئي يؤكد في خطبة الجمعة أن إسرائيل لن تنتصر قط على حزب الله وحماس    فيلا رئيس الكاف السابق واستدعاء آيت منا .. مرافعات ساخنة في محاكمة الناصري    باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    وزارة الخارجية: المغرب يعتبر نفسه غير معني بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    الجمع العادي للمنطقة الصناعية بطنجة برئاسة الشماع يصادق بالإجماع على تقريريه الأدبي والمالي.. وإشادة كبيرة بالعمل المنجز    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الجماهير العسكرية تطالب إدارة النادي بإنهاء الخلاف مع الحاس بنعبيد وارجاعه للفريق الأول    محكمة أوروبية تصدم المغرب بقرار إلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري    ارتفاع طفيف في أسعار النفط في ظل ترقب تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط    محكمة العدل الأوروبية تصدر قرارا نهائيا بإلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري مع المغرب    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    ارتفاع أسعار الدواجن يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    لحليمي يكشف عن حصيلة المسروقات خلال إحصاء 2024    آسفي: حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    اختبار صعب للنادي القنيطري أمام الاتحاد الإسلامي الوجدي    دعوة للمشاركة في دوري كرة القدم العمالية لفرق الإتحاد المغربي للشغل بإقليم الجديدة    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    آسفي.. حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    وزير خارجية إيران يصل إلى مطار بيروت    تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد يتيم يكتب عن "الملكية.. المغرب وتحديات الإصلاح"
محمد يتيم
نشر في التجديد يوم 03 - 02 - 2011

المتتبع للتطور السياسي في العقدين الأخيرين يلاحظ أنه إذا كان العقد الأخير من القرن العشرين وكذلك السنوات الأولى من العقد الأول من القرن الواحد والعشرين قد تميزت بالانفتاح السياسي ، فإن السنوات الأخيرة شهدت نكوصا سياسيا مريعا ، انتهي إلى السعي لمحاولة استنساخ تجارب تتهاوى اليوم في الساحة العربية ، مما أصبح يقتضي مبادرة سياسية إصلاحية توقف محاولة الحياد بالملكية في المغرب عن حقيقتها ودورها التاريخي . في هذا المقال وفي هذه الظرفية التاريخية التي تقتضي من المغرب قيادة وشعبا أن يؤكد فيها خصوصيته نرسم بعض محاولة المسار التراجعي المشار إليه والحاجة الأكيدة إلى مبادرة للإصلاح ووقف المسار المشار إليه .
من مسار الانفتاح إلى مسار التراجع والنكوص منذ بداية التسعينات دشن الملك الحسن مرحلة للانفتاح السياسي انتهت بميلاد حكومة التناوب مع اليوسفي بعد فشل محاولة أولى ، وخلال هذه المرحلة تم إيجاد صيغة لإدماج الإسلاميين في العملية السياسية المؤسساتية .
ومع قدوم العهد الجديد أيضا فتحت آمال عراض اتخذت قرارات ذات حمولة رمزية كبيرة مثل الإنصاف والمصالحة وفك الحصار عن الأستاذ عبد السلام ياسين ، وفتح المجال لعودة المعارض إبراهام السرفاتي و استدعي أحمد الريسوني لإلقاء درس من الدروس الحسنية الرمضانية أمام الملك . كما نظمت انتخابات سنة 2002 على قدر محترم من الشفافية وذات قدر لا بأس به من المصداقية ، وأطلقت أوراش كبرى ومبادرة وطنية للتنمية البشرية.
لكن مع أحداث 16 ماي دخل المغرب في مسلسل تراجعي على المستويات الحقوقية والسياسية والإعلامية وتراكمت التجاوزات والتراجعات وأصبح المغرب يشار إليه بالبنان في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والبرقيات الديبلوماسية . ووصل هذا المنحنى التراجعي إلى استنساخ تجربة رديئة ل '' الفديك '' ، وبدا أن عقارب الساعة تعود إلى الوراء وأن الزمان قد استدار دورته وكأننا في اللحظات التي كان الصراع فيها على الحكم لا على الحكامة ، وكأن الملكية في حاجة إلى '' فديك '' جديد، أو إلى حزب ل'' الدولة '' على غرار الحزب الجمهوري التونسي أو على غرار الحزب الحاكم في مصر، أي في حاجة لاستنبات نظام استبدادي شبيه بالأنظمة الاستبدادية المشار إليها ، نظام يبسط يده على الاقتصاد وعلى السوق وعلى السياسة وعلى الإعلام وعلى الإدارة والقضاء وعلى الحياة السياسية وعلى المؤسسات ، ويتكلم باسم الدولة ويحرث الأرض فلا ينبث الزرع ولا يسيل الضرع ، وينشر الخوف والقلق حتى يتكاثر الهمس في الصالونات السياسية والدوائر المالية والاقتصادية.
إلى أين نحن ذاهبون ؟
اليوم يصنع بعض النافذين من بعض الصحفيين الفاشلين أو الناجحين المستقلين أو التابعين ، بسبب تصديقهم أن مساحات المحرمات قد ضاقت ، وبسبب سوء استعمال تلك المساحة أحيانا من قبلهم أيضا من أبناء المغرب ، يصنعون منهم ''منفيين سياسيين '' دون مبرر ولا طائل .
كما أشهرت في وجه البعض الآخر مقصلة الإفلاس بالغرامات المالية الباهظة نتيجة أحكام قضائية أو النبش في قضايا أو سجلات سابقة سابقة ، ورفعت عصا التحكم المالي لإرجاع المتمردين من الصحفيين والمتمردات من المنابر إلى بيت الطاعة أو البحث عن مظلات والاندماج في حرب المواقع والولاءات .
في الآونة الأخيرة سيق المراوني والركالة وماء العينين والمعتصم إلى السجن في محاكمات افتقدت فيه شروط المحاكمة العادلة وبسبب ملفات متقادمة واجتهادات تمت في سنوات مراهقتهم السياسية . ولحق المعتصم الثاني نائب عمدة مدينة سلا بهم بسبب ملف مفبرك واستهداف سياسي مقصود تظهر فيه بوضوح آثار بعض النافذين من جديد .
وقبل ذلك رفعت عصا:'' التكفير السياسي '' في وجه الريسوني الذي اختار منفى علميا ورفعت في وجه الرميد الذي كان قد قرر النفي السياسي بالاستقالة من مجلس النواب، ولحق بهم بنكيران في بيانات الداخلية الفاقدة للمبرر الموضوعي في صدروها ، وأمليت على مجلس النواب بيانات شاردة لا مبرر لصدورها من مؤسسة يفترض أنها تحمي المنتمين إليها وتحافظ على مكانتها وهيبتها .
اليوم يصنع المغرب خصوما سياسيين لقضية وحدته الترابية بسبب التدبير السيء للأوضاع وإطلاق اليد لسياسة الريع هناك من جهة وبسبب العبث السياسي للوافد الجديد وطموحه في أن يمد رجليه في تراب الصحراء أن يرجع بمكتسبات المغرب سنوات إلى الوراء ويشعل فتنة كانت ستقود قضية الوطنية الأولى إلى التدويل ، وتجعل من بعض أبنائنا لاجئين على أرض وطنهم .
اليوم دفعنا بقناة نافذة في العالم العربي ، ويحترمها المشاهد العربي ، قناة فاعلة ومواكبة ومؤثرة في الساحة السياسية العربية وفي تشكيل الوعي العربي الجديد ، لتبني حقنة أكبر من العداوة للمغرب وقضايا وحدته الترابية . وأطلقنا المجال لبعض الألسنة في هجو حكام قطر بشكل غير لائق واستعدائهم بسبب أخطاء متلاحقة دون شك منها في تعاملها مع ملف الوحدة الترابية للمغرب ولكن بسبب سوء تقدير لعواقب استعدائها على قضايانا ، وكأن مضايقتها التي انتهت بإيقاف نشرتها وإغلاق مكتبها ستتوقف بسبب ذلك
الاستبداد والاستئصال باسم الملك
المشكلة اليوم أن هذا كله يحدث باسم الدفاع عن الملك ، وباسم الاحترام الواجب لشخص الملك.
المشكلة أن هذا يحدث من خلال استغلال بعض الاندفاعات غير المحسوبة لبعض الصحفيين الذين بالغوا في الدفع إلى الوراء بما سمي ب: ''الخطوط الحمراء '' إلى حد مستهجن تجاوز مجال النقد السياسي إلى الإساءة الشخصية.
المشكل أن ذلك يحدث ضمن منظور استئصالي عمل على استغلال الأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي للترويج لأكذوبة المسؤولية المعنوية عن الإرهاب لإقصاء الإسلاميين المعتدلين من الساحة وإخراجهم منها إخراجا إلى حد طرح مسألة حل حزبهم ، والرجوع إلى ملفات متقادمة لإخراج الحركة من أجل الأمة والبديل الحضاري من العملية السياسية وتقديم الدليل على أنه لا يوجد ''إسلامي '' معتدل ، وأنه لا مجال لتجربة دمجهم في الحياة السياسية.
المشكل اليوم أن ذلك يحدث رغم انقلاب المعادلة وتغير الشروط السياسية، حيث إنه إذا كانت العلاقة المتوترة بين القصر والمعارضة ومنازعة الملكية على الحكم في الستينات هي التي فسحت المجال لتنفذ بعض الاستئصاليين سواء من ذوي القبضة الناعمة أو الحديدية ، فإن بعض استئصاليي اليوم بعد أن أصبح هناك إجماع على الملكية ولم تعد قضية المنازعة موجودة يسعون إلى صنع خصوم للملكية ، وإلى الاستئثار بها فيدعون أنهم يتحركون ضمن مشروعها .
الخصوصية المغربية
اليوم نقول إنه لا بد من الاحترام الواجب للملك ولا بد من توقير الملك سواء من هؤلاء وأولئك.. نقول ذلك اقتناعا من أنه ضرورة حيوية وإدراك واعي للخصوصية المغربية ، ونستهجن بعض الخرجات الإعلامية التي لا توقر الملك خاصة وأن طائفة من الشموليين ومن منطلق نفس الشعار أي المساس بالملك أو الدفاع عن المشروع المجتمعي للملك أو سياسات الملك يستغلون تلك الخرجات من أجل محاولة الرجوع بنا إلى بناء حزب للدولة أي الحزب الشمولي الاستئصالي، وكانوا ولا يزالون يفكرون في استنساخ النموذج التونسي.
نقول ذلك لأن في المغرب خصوصية وتقليدا راسخا قائما على توقير الملك. وهو تقليد له تاريخه وحكمته وأحكامه ، يدركه الذين يعرفون الدور الجوهري الذي اضطلعت و تضطلع به الملكية في الاستقرار السياسي وتماسك النسيج الاجتماعي للمغرب، والذي لا يوجد بديل عنه اليوم إلا التفكك وعواقب لا يعلم مداها إلا الله.
هذا التوقير لا علاقة له بالتزلف المنافق الذي يظهر من حين لآخر من بعض المنتفعين أو الوصوليين أو من المتشوفين في يوم من الأيام كي يكونوا كذلك .
هو توقير لا علاقة له بذلك الدفاع المنافق تحت الطلب عن الملك والملكية الذي يتجسد من حين لآخر في وانخراط موجه لإظهار الولاء وتكريس المواقع وشن الهجمات على بعض المعارضين السياسيين أو المنتقدين للوضع السياسي في المغرب ، أو على بعض الصحفيين الذين بالغوا ذات يوم في إثارة الملفات الخاصة بالملك والعلاقات الخاصة بين بعض أفراده الأسرة العائلة الملكية إلى حد الإسفاف.
بين ذلك الدفاع المنافق وبين ذلك التهور في إثارة القضايا الخاصة بالملك والملكية والجرأة فيها بأقدار تجاوزت أحيانا الجرأة في تناول أحول وقضايا المغاربة العاديين وفي تناول أحول وقضايا القيادات السياسية والنقابية والجمعوية والشخصيات العامة ، تحت ستار تخطي الطابوهات أو المحرمات الثلاث: الإسلام والملكية والجنس، ولمجرد الرغبة والإثارة وجلب الشهرة والترويج التجاري للمنشورات الصحفية التي تبنت هذا الخط أحيانا أخرى.
بين هذا وذاك يبرز موقف آخر يدافع عن توقير الملك ، ليس تملقا أو خوفا ولكن بوعي وتثمين وإدراك لقيمة الخصوصية المغربية المثمتلة في الملكية المغربية الموحدة والضامنة لوحدة المغرب واستقراره، والمتعالية على الاصطفافات السياسية ، والمنصتة على الدوام لنبض الشعب والمتجاوبة مع تطلعاته والقادرة على إدخال الإصلاحات اللازمة في الوقت المناسب وبالقدر المناسب.
نتذكر أن الملكية في المغرب ليست طارئة وإنما هي متجذرة في النسيج الحضاري والثقافي والاجتماعي للمغرب، الملكية المنحدرة من النسب الشريف منذ دولة الأدارسة ، الملكية إطارا موحدا حيث لم يكن ولاء المغاربة لها قائما بالأساس على الضبط الإداري أو الضبط السلطوي ولكن كان على أساس بيعة رضى ذات طابع ديني، يمتزج فيها الولاء السياسي بتقدير عنصر الشرف والانتساب للبيت النبوي.
ولذلك ليس غريبا أنه بعد موت المولى إدريس الأول انتظر الأمازيغ ولادة إدريس الثاني كي يبايعوه إماما وملكا للمغرب.
نتذكر أنه حتي في عهود ''السيبة'' وانتفاضة بعض القبائل ونيلها من جيوش بعض السلاطين فإنها كانت تؤوب لهم مبايعين ومحترمين ومبجلين حتى والواحد منهم واقع في أسرها ، مما يعني أن ثوراتها لم تكن موجهة ضد شخص الملك ، وحتى في هذه الحالة التي ناذرا ما حدثت في المغرب فإنه لم يكن المغرب يبغون بديلا بالنظام الملكي ، مثل ما تشهد لذلك البيعة الحفيطية . وشبيه بذلك ما يحكي عن الطلبة الضباط الذين هاجموا القصر الملكي وكيف تحول البعض منهم حاميا للملك بعد أن جيء به للاعتداء والانقلاب عليه .
نتذكر أن الدولة العثمانية بسطت سلطانها على معظم الدول العربية ولم تبسطه على المغرب مما يؤكد أن الخصوصية المغربية ثابتة .
نتذكر أن تعلق المغاربة بملكهم وملكيتهم بلغ حدا أصبحوا معه يرون صورته في القمر عند نفي محمد الخامس رحمه . وما ذلك إلا لأنه انحاز إلى جانب شعبه وتخندق إلى جانب الحركة الوطنية وناضل إلى جانبها واختار النفي والتضحية بعرشه على أن يتنازل للمستعمر ويمكنه مما يريد .
ونتذكر إنه في الوقت الذي سلكت تونس فيه مسلك الاستئصال، وقاد إلغاء نتائج الانتخابات الجزائرية إلى حرب أهلية قدر عدد ضحاياها ما يزيد على 15000 ، فإن المغرب اختار منهج الإدماج الهادئ في حين اختارت الحركة الإسلامية الاندماج الهادئ في النسيج السياسي المغربي حسب تعبير راشد الغنوشي.
ونتذكر أنهم يوم وفاة الحسن الثاني خرجوا جميعا إلى تشييع جنازته وحزنوا جميعا رغم كل ما قيل عن عهده وما نسب إليه واعتبروا أن الحادث جلل وأن الخسارة عظيمة.
نتذكر أن العالم كله فوجئ بالسلاسة التي تم بها انتقال الحكم إلى خلفه الملك محمد السادس والإجماع الذي حظي به الملك الجديد والذي انخرط فيه الذين كانوا خصوما لدا للملكية ، إلا ناذرا والناذر لا حكم له
نتذكر أن هذه الخصوصية التاريخية والذكاء الحضاري هي التي مكنت المغرب من أن يختار النظام التعددي في السياسية والاختيار الليبرالي في الاقتصاد في زمن كانت الموضة هي الأنظمة الشمولية والأحادية القائمة على نظام الحزب الواحد والاقتصاد الموجه ، وكان هناك نزوع لدى بعض الأطراف السياسية الداخلية إلى الهيمنة والتحكم والإقصاء و السعي لممارسة الوصاية على الملكية بعد أن يخلو لها المجال وتقضي على الخصوم السياسيين.
ونتذكر أنه على الرغم من الصراع المرير والمفتوح على الحكم والمؤامرات الانقلابية والتوجهات البلانكية في أسلوب التغيير آنذاك، والتي ووجهت بالمقابل بعنف مضاد ومقابل في عهد سمي بسنوات الرصاص غير المأسوف عليها، نتذكر أن نظام الحسن الثاني لم يكن يقطع جسور التواصل مع المعارضة السياسية، كما أن معاركه مع خصومه السياسيين لم تكن معارك استئصالية أو حروب إبادة ، دون أن ينفي ذلك الطابع الانفعالي وردود الفعل الانتقامية التي واجه بها أسر بعض زعماء المحاولات الانقلابية الفاشلة.
نتذكر ذلك ونحن نستحضر أن لحظات التوتر والقطيعة في العلاقة بين المعارضة والقصر كانت تلعب لصالح أطروحة بعض رواد القبضة الحديدية والنزعة الاستبدادية كما هو الشأن للجنرال أوفقير، أو أصحاب النزعة الاستبدادية الناعمة مثل ادريس البصري الذي زاوج بين العصا والجزرة، فتضخمت أم الوزارات وآليات ضبطها الخشنة والناعمة من خلال القمع تارة ومن خلال شراء النخب وتزوير الانتخابات والتحكم في الخريطة الانتخابية وصناعة الأحزاب وإرشاء النخب وإفسادها تارة أخرى.
توقير الملك والحاجة العاجلة إلى الإصلاحات
نحن بوضوح نؤكد على ضرورة توقير الملك وإخراجه من دائرة النقد السياسي، والتوجه بالنقد لسياسات النظام وليس لنقد النظام ورمزه لوضعيته الخاصة في النظام السياسي التي تفترض أن يكون على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والاتجاهات السياسية، وضامنا لوحدة المغرب وساهرا أمينا على الحقوق و ضامنا للحريات . فوضعية كهذه أي وجود ملكية وملك خارج نطاق المنافسة السياسية هي التي أعطت للمغرب خصوصيته على عكس الأنظمة الجمهورية العربية التي وجدت المعارضة السياسية نفسها في مواجهة مباشرة مع رأس النظام ، وانتهى الضغط الرهيب إلى الانفجار كما حدث في تونس ويحدث اليوم في مصر التى لم تفد البلطجة فيها الانتخابية ، والقمع المنهجي لأجهزة سلطتها من قيام ثورة شعبية جارفة لن تبقي ولن تذر من مقومات وأركان النظام كما يبدو.
وإذ نؤكد على ضرورة توقير الملك، فإننا ذلك لا يتعارض مع النصح للملك الذي هو أيضا واجب شرعي وأحد مقتضيات البيعة الشرعية التي في أعناقنا والذي ينبغي القيام به في إطار شروطه وآدابه المرعية و المقررة شرعا ، وينبغي أن يتم النأي به من ساحة المماحكة الإعلامية أو المزايدة السياسية.
نقول ذلك ونؤكد مع ذلك وبالموازاة معه على أن الضرورة أصبحت ملحة لإدخال إصلاحات دستورية وسياسية ومؤسساتية متوافق عليها تصب في اتجاه توسيع صلاحيات الحكومة والمؤسسات المنتخبة وتعزز مصداقية العملية السياسية وتعيد الثقة إلى الشباب في العملية السياسية ، وتوضح المسؤوليات السياسية عن النجاحات والإخفاقات.
من التوقير الواجب للملك الكف عن الحديث باسمه أو الاشتغال داخل مشروعه لأنه ملك لكل المغاربة .
نقول ذلك لأننا على يقين أنه لا مجال لاستنساخ التجربة التونسية أي ل''بنعلة المغرب'' بتعببر بوبكر الجامعي، لا من جهة جعل الملكية رهينة لمخطط استئصالي أو حزب شمولي، ولا من جهة الخصوصية المغربية في تجاوز المشاكل السياسية والمعضلات الاجتماعية، أي من جهة احتمال قيام انتفاضة شبيهة لما جرى في تونس لأسباب متعددة ، ومن بينها دون شك أن البلاد التي كانت ثورتها ثورة ملك وشعب قادرة على أن تحدث تحولا ديمقراطيا جذريا يتطلع له الجميع في إطار ثورة جديدة للملك والشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.