لا يخفى على أحد أن التمويل الأجنبي ممنوع على الأحزاب في المغرب كما هو الحال في الكثير من دول العالم، والسبب وراء ذلك هو سعي المشرع إلى ضمان استقلالية النخب الحزبية عن كل ضغط خارجي من شأنه التأثير في قراراتهم واستراتيجياتهم واختياراتهم، وهو الشيء الذي إن حصل يجعل من السياسيين مجرد كراكيز في يد الجهات الأجنبية التي تمولهم، فتحركهم حين يكونون في المعارضة للضغط بكل السبل من أجل ضمان مصالحها، وتدفعهم حين يصيرون في الحكم إلى التوقيع على قوانين وتشريعات تخول لتلك الجهات الأجنبية مكاسب سياسية واقتصادية ضخمة، ضدا على مصلحة الوطن نفسه وأبنائه من عموم الشعب. إن منع التمويل الأجنبي على الأحزاب السياسية، بهذا المعنى أمر مفهوم ومستساغ من طرف الجميع، لدرجة أن لا أحد يعترض على المادة 39 من القانون التتظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، والتي تنص صراحة على أن الأحزاب السياسية المغربية يجب أن تؤسس وأن تسير بأموال وطنية دون سواها، وأنه لا يجوز لأي حزب سياسي تلقي أموال أجنبية بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ولدرجة أن لا صوت يعلو رافضا للمادة 67 من ذات القانون والتي تنص على أن عقوبة تلقي أمواال أجنبية في إطار الانتماء لحزب سياسي تتراوح بين سنة وخمس سنوات سجنا وغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم. فلماذا إذن السكوت على التمويل الأجنبي للجمعيات وهيئات المجتمع المدني، رغم أن سبب منعه على الأحزاب السياسية ينطبق عليها أيضا؟؟؟ لقد سمحت هذه الثغرة القانونية للأحزاب السياسية بتلقي التمويل الأجنبي عن طريق أذرعها الجمعوية، كما هو حال حزب العدالة والتنمية مع ذراعه الدعوي حركة التوحيد والإصلاح، والتي تأتيها أموال طائلة من دول الخليج، ساهمت بشكل كبير في نشر ثقافة التشدد والتطرف واللاتسامح داخل شرائح واسعة من المجتمع المغربي. كما سمحت هذه الثغرة للعديد من السياسيين بتلقي أموال أجنبية من سفارات ومنظمات خارجية عن طريق جمعيات يرأسونها أو يديرونها عن بعد، وهو الشيء الذي أفرغ مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية في الشق الخاص بمنع التمويل الأجنبي من محتواه، وجعل وجود تلك المواد المانعة كعدمها. فكيف يعقل أن يرفض إخوان بنكيران مثلا، وهم على رأس الحكومة، مشاركة المغرب في حرب اليمن، حتى وإن كان ذلك ضد مصلحة البلد، في حين أنهم يتلقون عن طريق حركة التوحيد والإصلاح ملايين الدولارات سنويا من دول الخليج؟ وكيف يعقل أن ينتفض سياسي ما ضد شركات التدبير المفوض في مجالات النقل أو الكهرباء مثلا، رغم أنها تسرق المغاربة جهارا نهارا، وهو الذي يتلقى دعما سنويا من السفارة التي تنتمي لها تلك الشركة، يصب في حسابات الجمعية التي يرؤسها أو تلك التي تسيرها زوجته؟ إنه فعلا لأمر خطير جدا أن يستمر الوضع على ما هو عليه الآن، خصوصا وأن دستور فاتح يوليوز 2011، أعطى لمنظمات المجتمع المدني الحق في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها. كما أنه منح للمواطنات والموطنين الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع، وفي تقديم عرائض إلى السلطات العمومية. وهو ما سيجعل المال الأجنبي في حال استمرار تدفقه في شرايين الجمعيات المغربية، عاملا محددا في التوجهات والاختيارات المجتمعية، بما يرسم دون وعي منا المستقبل الذي يراد لنا، والذي سيكون دون شك في مصلحة الجهة الخارجية التي ستدفع أكثر. لقد آن الآوان لسن قانون يمنع التمويل الأجنبي على الجمعيات المغربية، حفاظا على مصالح الوطن واستقلال قراره وأمنه واستقراره، على أن تؤسس الدولة صندوقا خاصا بدعم منظمات المجتمع المدني، يكون فيه معيار الخبرة والكفاءة والنجاعة في تحقيق الأهداف، هو المحدد في إعطاء الدعم وعقد الشراكات وفق برامج وخطط مدروسة، بعيدا عن منطق الزبونية والمحسوبية وتوزيع الغنائم. *رئيس مركز الحريات والحقوق