ركزت قوانين العديد من البلدان على منع أشكال التمويل الأجنبي الموجه إلى الأحزاب والجمعيات والصحافة، اعتقادا منها أن التمويل الذي يشمل المشاريع الاقتصادية والتجارية وأنواع المساعدات لا يخضع لهذا التقنين الذي يهم النشاط الفكري والسياسي. وكانت العديد من الجمعيات المغربية بما فيها اتحاذ كتاب المغرب ونقابة المحاميين تفاخر باستقلاليتها، لأنها لا تتلقى تمويلا من الخارج. يصعب تحديد المسؤولية حول الجهة التي أباحت هذا النشاط. فقد اختلطت الأمور في زمن العولمة وبروز المجتمع المدني واضطلاع النشطاء الحقوقيين بأدوار هامة. ولا يمكن وقف هذه الظاهرة إلا بإصدار قوانين صارمة تلغي ما قبلها من إجراءات سمحت بالاعتماد على التمويل الخارجي. والكرة في هذا المجال توجد في ملعب المؤسسة التشريعية والجهاز التنفيذي. لكن السؤال المطروح يبقى قائما: هل التمويل الخارجي للمنظمات التي تعنى بالدفاع عن حقوق الانسان يتم بدون شروط، و إدا كانت هذه الشروط التي تتضمنها دفاتر التحملات موجودة، فماهي نوعيتها وأهدافها، وهل تتماشى مع مبدإ الاستقلالية التي هي أساس كل مبادرة، أم تتعارض معها جزئيا أو كليا؟ ندع الجواب لمن يعنيهم الأمر. وإذا كانت الجمعية المغربية لحقوق الانسان تقر بأنها تتلقى تمويلا خارجيا من مؤسسات تهتم بقضايا حقوق الانسان ومن سفارات دول أجنبية تجزل عليها العطاء، فماهو المقابل الذي تقدمه للحصول على هذا التمويل؟ من الواضح أن الأنشطة المتعلقة بترسيخ قيم الدفاع عن حقوق الانسان في التعليم والتكوين والدورات التدريبية و المخيمات ذات الأهداف التربوية، لا تطرح أية إشكاليات مادام الأمر يتعلق بتوسيع الوعي وتأهيل المؤطرين ونشرالقيم لحقوق الانسان. أما إذا كان التمويل يصرف لتنظيم التظاهرات وتسيير قافلات احتجاج والقيام بأنشطة سياسية معارضة فإن ذلك يطرح الوجه الآخر لعمليات التمويل التي تصبح بمثابة تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للغير . عندما أقدم المغرب على تجربته في الانصاف والمصالحة لم يتلق دعما خارجيا. وعندما أنشأ المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي تطور إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لم يبحث عن تمويل خارجي. فكيف لنفس الإلتزامات الحقوقية أن تكون مقبولة عندما يكون مصدر تمويلها خارجيا وتتعرض للمقاطعة عندما تتوخى تقييم المسار الذي قطعته البلاد في هذا الميدان. المؤكد أن التمويل لا يتم إلا في إطار تعاقد. وحيث تقول الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إن هناك تمويلات حصلت عليها من سفارات ومؤسسات أجنبية تخص أنشطة "متفق عليها" فقد كان عليها عملا بمبدإ الشفافية أن تكشف النقاب عن مضمون هذا الاتفاق.