بحلول سنة 2050؛ ستجد القارة الإفريقية نفسها في مواجهة معادلة ديمغرافية صعبة، حيث من المنتظر أن يتضاعف عدد سكّانها ليتجاوز مليارَي نسمة، بينهم مليار و34 مليونا في الأوساط الحضرية، بحسب أحدث التقديرات. هذه تحوّلات تحتّم، خلال العقود المقبلة، على الحكومات الإفريقية إيلاء الأولوية لطرق إدارة المدن، في وقت يشير معظم الخبراء المختصّين في هذا الشأن إلى أن كسب التحدي الحضري للقارة يمرّ عبر مفهوم "المدن الذكية"، كبديل قادر على تأمين انتقال حضري سلس. "المدن الذكية الافريقية.. مدن المستقبل" كان موضوع نقاش في إطار الدورة الثانية لقمة عقدت في العاصمة الرواندية كيغالي، واتّفق خلاله المشاركون على أنه أضحى من الضروري تحويل المدن الافريقية إلى "مدن ذكية" ذات إدارة جيدة وآمنة، وذلك عبر استخدام تكنولوجيا المعلوميات والاتصالات، والبنية التحتية للطاقة النقية والمستدامة، لتجويد الخدمات الحضرية، ضمانا لرفاهية الشعوب الافريقية. وبحسب دراسة في هذا الصدد، صدرت العام الجاري بعنوان "المدن الذكية"، فإن 250 مدينة في العالم، بينها برشلونة ونيويورك ولندن وسنغافورة، تقوم باختبار عدد من المشاريع المبتكرة لأجل خدمات حضرية أفضل وأكثر إفادة للجميع. تجديد وابتكار لا تزال القارة الافريقية بمنأى عنه، رغم بعض الاستثناءات التي تكسر القاعدة في هذا الصدد، على غرار العاصمة الكينية نيروبي التي تمكنت، بفضل استثمارها في مجال الابتكار والتعليم والتكنولوجيا، من الدخول إلى لائحة التصنيف العالمي في هذا المجال، للعام الجاري، والتواجد ضمن المدن ال 21 الأكثر ذكاء في العالم، إلى جانب المدن الاسترالية والأمريكية والآسيوية، وهذا ما تورده دراسة أجرتها مؤسسة "أنتيليجنت كومينيتي فوروم"، التي تعنى بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعات القرن 21. وحتى الآن، تعتبر نيروبيالمدينة الافريقية الوحيدة المتواجدة ضمن هذا التصنيف، نظرا للتعقيد الكبير في طرق إدارة المدن الكبيرة، ولتوجّهات بعض البلدان الإفريقية ممن تمنح أولويات اهتمامها للتحدّيات القروية. ففي رواندا، على سبيل المثال، لا يشكّل مفهوم "المدينة الذكية" أولوية بالنسبة للسلطات، رغم أن المفهوم نفسه يحظى بأهمية كبيرة وسط النقاشات الرائجة. روز ماري مبابازي، الأمينة الدائمة بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في رواندا قالت، ضمن تصريح صحفي، إنّ "التركيز موجّه نحو القرى الذكية، حيث تتطلع السلطات، على سبيل المثال، إلى جعل الجيل الرابع من الانترنيت متاحا لسكان البوادي، في جميع مناطق البلاد، لأن الهدف الأول هو تعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على أكبر عدد كبير من مواطني البلاد". المسئولة الرواندية اعترفت بأن المدن الكبرى، مثل العاصمة كيغالي، بدأت بالفعل في استيعاب مفهوم "المدن الذكية"، في ظلّ الانتشار السريع والمتزامن للتكنولوجيات الحديثة، بتقديرات تشير إلى أن عدد المشتركين في خدمات الهاتف الجوال في البلاد ستصل، في 2016، إلى 600 مليون، أي بنسبة 40 %، وهذا ما يجعل من القارة الافريقية الأكثر ديناميكية في العالم، ويدفع بسلطاتها إلى إعادة النظر في مجمل الخدمات المقدّمة للمواطنين. رواندا تعتبر من البلدان الافريقية التي تختبر استخدام بطاقات المسح الضوئي في وسائل النقل العامة بكيغالي، لتيسير حركة الناس في أرجاء المدينة، وهو ابتكار تكنولوجي من المنتظر أن يقع اختباره في كوت ديفوار بحسب باتريك نبوشانا، ممثّل شركة الهاتف الجوال "ايرتل رواندا"، وفقا لما أورده ضمن مداخلة له خلال القمة المذكورة. وفي السياق نفسه، أشار عمدة كيغالي، إلى أن رواندا "قامت بمدّ 500 كيلومتر من الألياف البصرية لربط جميع أرجاء العاصمة ببعضها البعض، كما فرضت على جميع أصحاب مشاريع تشييد المباني، التي تتجاوز طاقة استتيعابها ال 199 شخصا، ربطها بشبكة الأنترنيت". أما في كنشاسا، عاصمة الكونغو الديمقراطية، والتي تضم ما لا يقل عن 9 ملايين ساكن، فقد قرر فريق، يتألف من مهندسات، استخدام التكنولوجيات الحديثة لتسهيل حياة الناس، حيث قمن بتصميم 5 "روبوتَات" من الألمنيوم، من أجل تنظيم حركة السير. وهو ابتكار جهزنه بإشارات مرورية وكاميرات لرصد جميع مرتكبي المخالفات، وقد وضعت "الآليّين" في التقاطعات الرئيسية للمدينة. وفي شمال افريقيا، وتحديدا في المغرب، تعمل السلطات، حاليا على إقرار إصلاحات هيكلية في المجال الحضري والطاقة النظيفة، والأمن المائي والتنمية الزراعية، إضافة إلى وسائل النقل، بغرض تحسين المدن، بحسب تقارير إعلامية لمؤسسات صحفية تشتغل بالمملكة. توجّه مماثل تسعى مصر أيضا إلى انتهاجه، وقد تبلور من خلال المساحات الخضراء والمسطحات المائية وناطحات السحاب، والمحلات التجارية والمزارع الشمسية، التي من المنتظر إنشاؤها في غضون السنوات ال 5 القادمة في القاهرة، على مساحة تقدّر ب 700 كيلومتر مربع، من قبل مجموعة إمارتية، باستثمار يقدّر بحوالي 43 مليار أورو بالنسبة للمرحلة الأولى من بناء مدينة إدارية تحمل اسم "المدينة المثالية للقرن الحادي والعشرين"، وفقا لوسائل إعلام محلية.