بالعودة إلى التجربة التاريخية للبرلمان المغربي، نجد أن المشرع الدستوري لم يتردد في تبني نظام الثنائية البرلمانية منذ أول دستور للبلاد سنة 1962، لكن سرعان ما سيتم التخلي عنه خلال التعديلات الدستورية 1970، 1972 ، 1992 ، لتتم العودة إليه في ظل الإصلاح الدستوري لسنة 1996، وهو ما تكرس أيضا خلال دستور 2011. عرف المغرب الإرهاصات الأولى لتبني نظام الثنائية البرلمانية منذ فترة ما قبل الحماية ، تجسدت بصفة خاصة في مشروع 1908 الذي نص على إحداث منتدى للشورى يتألف من مجلسين هما مجلس الأمة و "مجلس الشرفاء" من أبرز مهامه مراقبة ما يصدر عن مجلس الأمة من تقارير، والنظر في مدى انسجامها مع الشروط التي حددها المشروع وعلى رأسها " أن لا يكون هناك شئ يمس أساس الدين و حقوق الأمة وأن لا يضر السلطان وأن لا يتسسب في خسائر لبيت مال المسلمين و أملاك الدولة". غداة الاستقلال سيعيش المغرب أول تجربة برلمانية سنة 1963 في ظل مناخ سياسي غير ملائم خصوصا أمام مقاطعة أحزاب المعارضة حزب الاستقلال و الاتحاد الوطني للقوات الشعبية لانتخابات مجلس المستشارين احتجاجا على دعم السلطة لجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، بالإضافة إلى التناقضات التي خيمت على العلاقات بين الفاعلين السياسين في تلك الفترة والتي ساهمت في تعطيل التجربة الديمقراطية بإعلان حالة الاسثتناء سنة 1965. وإلى حدود التسعينيات، وأمام الانفراج السياسي الذي عرفه المغرب اتجهت أحزاب المعارضة إلى التنسيق فيما بينها في إطار ما يعرف بالكتلة الديمقراطية والتي صيغت مطالبها على شكل مذكرات استجاب لها الملك الراحل الحسن الثاني، خاصة ما يتعلق منها بتوسيع صلاحيات البرلمان من خلال العودة إلى نظام الثنائية البرلمانية ومنح مجلس المستشارين اختصاصات واسعة تضاهي تلك التي يتمتع بها مجلس النواب، بشكل أصبح ينظر معه للغرفة الثانية "كحاجز وقائي يضمن توازن السلطات، ويحد من اندفاعات الغرفة الأولى حتى لا يتكرر سيناريو التجربة البرلمانية الأولى لسنة 1963. وفي ظل الحراك الذي عرفته الشعوب العربية، وانطلاق حركة 20 فبراير بالمغرب اتخذت المؤسسة الملكية سلسلة من الإجراءات في مقدمتها إطلاق مسطرة المراجعة الدستورية في خطاب 9 مارس 2011 ركزت على الإرتقاء بمؤسسة البرلمان من خلال تقوية صلاحيات المجلسين على الرغم من الانتقادات الموجهة لاستمرار الغرفة الثانية في الوجود باختصاصات مشابهة للغرفة الأولى خصوصا بعد تفعيل المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي. جاء الدستور الجديد بمجموعة من المقتضيات تهدف إلى تقوية صلاحيات الغرفة الثانية خاصة فيما يتعلق بالتداول في القضايا ذات البعد الجهوي، أو تلك المتعلقة بالشق الاجتماعي والاقتصادي، وهذا ما يفسر إلى حد بعيد حجم التصدع والخلاف بين الأغلبية والمعارضة على مستوى التحالفات من أجل الظفر برئاستها. فأحزاب المعارضة "الاستقلال والأصالة والمعاصرة" انقسمت على نفسها و تقدمت بمرشحين للتنافس على سباق الرئاسة، أما الأغلبية فقد فشلت في دعم مرشحها عبد اللطيف أوعمو بسبب انعدام الثقة في الحلفاء الحركة الشعبية والأحرار. إن تغير مواقف الأحزاب السياسية عشية كل استحقاق انتخابي، أبان بالملموس أن عقيدة التحالفات بالمغرب لا تبنى على إيديولوجية راسخة، أو حتي على تصور برنامجي محدد بقدر ما تبنى على مصالح ضيقة يتحكم فيها منطق الربح والخسارة، بل أكثر من ذلك أثبتت أن بعض الأحزاب لم تكن في مستوى اللحظة التاريخية بإصرارها على إعادة إنتاج نفس الممارسات والطقوس التي كان يتحكم فيها المال والتهديد والإغراء، كما لو أننا نعيش نفس الزمن السياسي في الماضي نفس الأشخاص، نفس الطقوس، نفس العقليات، أليس هذا الاستنتاج غريبا؟.