بغض النظر عن الأسباب التي أدت الى اندلاع الصراع في سوريا ومن المسؤول عن الأحداث فيها ، أصبح المشهد اليوم خطيرا ومروعا في هذا البلد، ويمكن رصد ذلك من خلال الأوضاع المتداخلة التالية : - الوضع الأول :تصاعد المواجهات المسلحة بين مختلف الفصائل والتنظيمات والجماعات السورية فيما بينها من جهة ، وبينها ونظام بشار الأسد من جهة ثانية دون أن تحسم المعركة لهذا الجانب أو ذاك. - الوضع الثاني : دخول القوى الكبرى ميدانيا في الحرب الدائرة في سوريا ، سواء في شكل تحالف دولي أو بشكل انفرادي فتفاقمت الأوضاع مما أفرز المشهد الكارثي الاتي : عدد الضحايا تجاوز 220000 ألف بين قتيل وجريح ، ثلثهم من المدنيين ، ويعيش حوالي 12 مليون شخص في حالة من الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية داخل سوريا.هذا الى جانب المفقودين والسجناء سواء من القوات النظامية أو من فصائل المعارضة حيث تتجاوز أعددها 20 ألفا. عدد اللاجئين في دول الجوار يقدرون بأربعة ملايين ، ويوجد حوالي مليوني لاجئ موزعون على دول أخرى ، إضافة الى ما يفوق 300 ألف نزحوا صوب الدول الأوروبية ولا يزال عددها في تزايد مستمر ، الى جانب ذلك تم نزوح أكثر من سبعة ملايين شخص في الداخل السوري. في ظل هكذا أوضاع يمكن تسجيل كون الأممالمتحدة قد فشلت في تدبير الأزمة السورية وذلك على مستويين أساسيين : المستوى الأول : حسب ميثاق الأممالمتحدة ، وخاصة الفصل السادس منه ، فإن أول مدخل لمعالجة أي نزاع على المستوى الدولي يتمثل في اللجوء الى الوسائل السلمية ، كما هي منصوص عليها في المادة 33 من الميثاق ، أو اختيار وسائل أخرى يتم الاتفاق عليها بين الأطراف المتصارعة ، لوضع حد لأي نزاع قد يتطور الى مستوى تهديد للسلم والأمن الدوليين . في هذا الاطار يمكن القول أن الأطراف المتصارعة في سوريا لم تتوفق في ايجاد حل للأزمة السورية عبر هذه الوسائل، والتي تجسدت أساسا في وساطة الأممالمتحدة سواء عن طريق كوفي أنان أو عن طريق الأخضر الابراهيمي أو من جاء بعدهما كوسيط لدى الأطراف المتصارعة في سوريا. المستوى الثاني : حينما يتعذر على الأطراف المتصارعة ايجاد حل للنزاع بالوسائل السلمية يجب على مجلس الأمن الدولي أن يتدخل لمعالجته سواء بتوجيهه لتوصيات في ذلك وفقا للمادة 40 من الميثاق ، أو يتخد خطوات أكثر حزما حسب الميكانيزمات القانونية التي ترتب تدابير الأمن الجماعي كما هو منصوص عليها في الفصل السابع من الميثاق. مجلس الأمن اتخذ العديد من القرارات في الملف السوري، لكنها لم تكن بالفاعلية اللازمة لكونها لم تتخذ في إطار التدابير الجماعية وفقا للفصل السابع من الميثاق ،فحسب المادة 39 من الميثاق "يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو الاخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و 42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته الى نصابه ". فمن خلال تشخيص الأوضاع في النزاع السوري يتضح أن حالتي تهديد السلم والأمن الدوليين وكذلك العدوان كلتيهما تحققتا في هذا الصراع ويمكن تبيان ذلك من خلال ما يلي : بخصوص حالة تهديد السلم والأمن الدولي ; تتجسد هذه الحالة انطلاقا من المعطيات التالية : - نزوح عدد كبير من اللاجئين والمهجرين منذ السنوات الأولى للصراع نحو البلدان المجاورة (تركياالأردنلبنان .. ) وامتداد هذه الموجة مؤخرا الى مختلف الدول الأوروبية ما أحدث ارتباكا كبيرا لديها في تدبير هذا المعطى ، حيث تطور المشهد الى إشكال مؤثر له تداعيات جمة ومختلفة على حكومات هذه البلدان ، جراء ما خلفته الموجات المتصاعدة من اللاجئين وما يتطلبه هذا الأمر من إمكانيات مادية و لوجيستية وطبية أرهقت دول الاستقبال وكذلك المنظمات العاملة في المجال الانساني . - تفاقم الأوضاع الانسانية في صفوف المدنيين سواء المحاصرين في الداخل السوري أو العابرين للحدود وازدياد عدد القتلى والجرحى وإفراغ مدن وقرى برمتها. - استخدام مختلف الأسلحة ، بما فيها الممنوعة والمحرمة دوليا ، وقصف المنشآت المدنية في خرق سافر للقانون الدولي الإنساني ، خاصة ما تنص عليه اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 والبرتوكولين الإضافيين لسنة 1977. - امتداد تداعيات النزاع السوري الى الدول المجاور(العراقوتركيا و ايران .. ) وانخراط هذه الأخيرة في ذات النزاع ، سواء من خلال دعم نظام بشار الأسد أو دعم المعارضة المعتدلة منها أو الجماعات الاسلامية المتطرفة ، و إصباغ النزاع بالبعد الطائفي في إطار استراتيجيات متناقضة أحيانا ومتقاطعة أحيانا أخرى ، وذلك حسب موازين القوى التي تفرزها مختلف التفاعلات بين الفاعلين الدوليين والإقليميين في النزاع السوري. - تدخل القوى الكبرى ميدانيا في النزاع السوري ، حيث تحول من نزاع داخلي الى حرب لها تداعيات إقليمية ودولية بل قد تكتسي مستقبلا صبغة عالمية. كل هذه المعطيات الى جانب وجود بؤر نزاع أخرى في الدول المجاورة (العراق ،اليمن ،الصراع الفلسطيني الاسرائيلي .. ) تجعل من النزاع في سوريا وما خلفه من تداعيات محليا و إقليميا ودوليا حالة خطيرة تهدد السلم والأمن الدولي ، مما يستدعي تحركا جماعيا وفوريا في إطار الفصل السابع من الميثاق وليس خارجه كما هو حاصل حاليا. -بخصوص حالة العدوان : تنص المادة الأولى من توصية الجمعية العامة 3314 الصادرة سنة 1974 على أن " العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الاقليمية أو استقلالها السياسي أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأممالمتحدة " ، وحسب المادة الثانية من نفس التوصية فإنه من بين الأعمال التي تنطبق عليها صفة العمل العدواني " قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه..باستعمال القوة المسلحة ..أو قيام القوات المسلحة لدولة ما بقذف إقليم دولة أخرى بالقنابل أو استعمال دولة ما أية أسلحة ضد إقليم دولة أخرى " . وفقا لهذه النصوص فإن سوريا كدولة تعرضت لعدوان عسكري مباشر ومزدوج على إقليمها وشعبها والمتمثل في عدوان الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن معها في إطار التحالف الدولي " ضد تنظيم داعش" ، والعدوان الروسي الذي تجسد في قصف روسيا بالصواريخ والطائرات لعدد من المدن والقرى في سوريا. ويمكن أن يضاف الى هذين العدوانيين المباشرين والصريحين عدوانا ثالثا ويتجلى في إرسال العديد من الدول (ايران ، العراق، روسيا .. ) وجهات أخرى كحزب الله لعناصر تابعة لها لتقوم بأعمال حربية داخل الاراضي السورية ، سواء مع النظام السوري أو المعارضة ، وتعد بطبيعتها أعمالا عدوانية لكون الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من توصية الجمعية العامة 3314 تعتبر أن صفة العمل العدواني تنطبق على " ارسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما أو باسمها لتقوم ضد دولة أخرى بأعمال من أعمال القوة المسلحة..أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك .. " . إذا كان القانون الدولي يحرم استعمال القوة العسكرية في العلاقات الدولية ،كما تنص على ذلك جميع المواثيق الدولية وفي مقدمتها ميثاق الأممالمتحدة الذي تشير المادة الثانية الفقرة الرابعة منه على " يمتنع أعضاء الأممالمتحدة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة .. " ، فإن هناك استثناءين أساسيين يسمح فيهما باستعمال القوة والمتمثلين في ; حالة الدفاع الشرعي عن النفس وفق مقتضيات المادة 51 من الميثاق ، وفي حالة تفعيل ترتيبات الأمن الجماعي كما هو منصوص عليها في الفصل السابع. ماعدا ذلك فأي استعمال للقوة في العلاقات الدولية يعتبر من قبيل العمل غير المشروع ، وقد يكيف كعدوان والحرب العدوانية جريمة ضد السلم الدولي يترتب عليها مسؤولية دولية. وبناء عليه فإن الأعمال العسكرية التي تقوم بها العديد من الدول ، كما أسلف الذكر، أعمال عدائية ضد الدولة السورية ويمكن تأكيد ذلك من خلال الاعتبارين التاليين : الأول ; أنه لا يجوز لأية دولة أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى ، سواء أكان النزاع الدائر داخليا أو حربا أهلية أو حربا دولية ،ولا يجوز أيضا لأية دولة أو تحالف من الدول أن تقوم بعمل عدائي ضد دولة أخرى كيفما كان المبرر ، وهذا ما تؤكده المادة الخامسة من توصية الجمعية العامة 3314 ، حيث جاء فيها " ما من اعتبار أيا كانت طبيعته سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا أو غير ذلك يصح أن يتخذ مبررا لارتكاب عدوان ". وعليه فكل الدول التي تقوم بهجمات عسكرية على الأراضي السورية هي في حقيقة الأمر تقوم بأعمال عدائية ، سواء كانت المبررات محاربة الجماعات الإرهابية ( داعش .. ) أو دعم الحكومة "الشرعية " (نظام بشار الأسد ) فكلها مبررات غير مقبولة إذا نظرنا إليها من وجهة نظر القانون الدولي. فصحيح أن الأوضاع في سوريا من قبيل ما يهدد السلم و الأمن الدولي ، كما أن الدولة السورية يمكن أن توصف بالدولة الفاشلة أو المنهارة ، لكن ذلك لا يبيح لأية جهة وليس من حق أية دولة أو مجموعة من الدول ، كيفما كان حجمها أو قوتها ،أن تعالج الوضع في سوريا حسب منظورها الخاص وتدبير الصراع حسب أجندتها الإستراتيجية ،فالأممالمتحدة وخاصة مجلس الأمن الدولي هو الملقاة على عاتقه ومسؤوليته معالجة هكذا أوضاع. الاعتبار الثاني ; أنه اذا كانت قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية تقوم بأعمال عسكرية في سوريا والمناطق المجاورة بذريعة محاربة " داعش" كجماعة إرهابية ، وإن افترضنا أنها ترتكز على بعد القرارات الأممية كأساس قانوني لمحاربة الإرهاب في المنطقة كالقرار 2178 الصادر في 24 شتنبر 2014 (الذي اتخذه مجلس الأمن بهدف التصدي للظاهرة الإرهابية ) أو القرار 1373 لسنة 2001 (الذي يحث الدول على العديد من الإجراءات لمتابعة الإرهابيين) ،فإن أعمالها تبقى غير قانونية لكونها تتم خارج إطار الأممالمتحدة ولا تجرى تحت توجيهها ،وخاصة مجلس الأمن باعتباره الجهة الوحيدة المخولة حسب الميثاق بالأمور المرتبة بالسلم والأمن الدولي و بتبعاته كما تؤكد على ذلك المادة 24 من ذات الميثاق. ومن ثمة فالضربات العسكرية التي تقوم بها الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها هي أعمال غير مشروعة ، كيفما كانت المسوغات سواء للقضاء على التنظيمات الإرهابية أو "لحماية المدنيين " ..ونفس الأمر ينطبق على الأعمال العسكرية الروسية في سوريا ، فهي أعمال غير قانونية وتتم خارج نطاق الشرعية الدولية والقانون الدولي. أمام هذه الممارسات العدوانية التي يخضع لها الشعب السوري وتعرفها الأراضي السورية ،وأمام الانتهاكات الفظيعة ،من كافة الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية ، للقانون الدولي يقف مجلس الأمن مكتوف الأيدي ،حيث فشل فشلا ذريعا في تدبيره لهذه القضية ومخلفاتها ، وتخلى عن دوره الأساسي في مجال حفظ السلم والأمن الدولي باعتباره المسؤول الرئيسي في هذا الإطار ، فقد أصيب بشلل تام في معالجته لهذا المشكل بسبب الفيتو الروسي الذي وقف حائلا أمام إصدار قرارات تدين النظام السوري وتتخذ خطوات حاسمة في معالجة القضية السورية تحت إجراءات الفصل السابع من الميثاق. فرغم صدور بعض القرارات من مجلس الأمن تؤكد على أن الوضع في سوريا يهدد السلم والأمن الدولي ، كالقرار 2118 الصادر في 27 شتنبر 2013 نتيجة انتشار الأسلحة الكيماوية واستخدامها (حيث قرر ألا تقوم الجمهورية السورية أو أي طرف فيها باستخدام هذه الأسلحة أو إنتاجها أو تخزينها ، وفي حالة عدم الامتثال لهذا القرار سيفرض مجلس الأمن تدابير بموجب الفصل السابع من الميثاق ) ، والقرار 2191 الصادر في 17 دجنبر 2014، الذي أشار الى أن الحالة الإنسانية المتدهورة في سوريا تشكل تهديدا للسلام والأمن في المنطقة ، والقرار 2209 الصادر في 6 مارس 2015 ،الذي أكد مرة أخرى الى أن عدم الامتثال الى أحكام القرار 2118 سيفرض مجلس الأمن تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. ومع ذلك فإن مجلس الأمن لم يتخذ خطوات عملية ومشتركة في إطار تدابير الأمن الجماعي ، كما هي واردة في الفصل السابع من الميثاق ، فقد تكرر استخدام الأسلحة الكيميائية السامة في سوريا ،وقتل العديد من المدنيين ، كما يشير الى ذلك قرار مجلس الأمن 2235 الصادر في 7 غشت 2015 ، ورغم إشارة نفس القرار الى وجوب مساءلة الأشخاص أو الكيانات أو الجماعات أو الحكومات المسؤولة عن استخدام هذا النوع من الأسلحة فإنه لم تتخذ أية إجراءات عملية وفعلية في هذا الأمر. إن الوضع العام في سوريا وكيفية تعاطي مجلس الأمن مع الموضوع أبانا عن كون ذات المجلس لم ولن يستطيع تدبير هذه الأزمة وفقا لمقتضيات الميثاق الأممي ، رغم أن حيثياتها تفيد بما لا يدع مجالا للشك أن الوضعية في سوريا أصبحت خطيرة على السلم والأمن الدولي ،فالصراع السياسي والإستراتيجي وتناقض المصالح بين القوى الكبرى في المنطقة ألقت بتأثيراتها الكبيرة على مجلس الأمن و أضعفته الى حد بعيد، وألجمته عن اتخاذ قرارات حاسمة على المستوى الدولي ، في سيناريو مشابه لما كان يقع زمن الحرب الباردة ،حيث كان تدبير الأزمات التي تكون القوتين العظميين منخرطة فيها ومعالجتها يتم بعيدا عن مجلس الأمن وخارج إطار الاممالمتحدة. فمند الأزمة الأوكرانية وضمها لجزيرة القرم حاولت روسيا أن تستعيد موقعها كفاعل رئيسي في العلاقات الدولية ،على شاكلة الإتحاد السوفيتي ، هذا الأمر عملت على تأكيده في إطار الأزمة السورية وقد ترجمت ذلك على مستويين رئيسيين : استخدامها لحق الفيتو ومنعها لصدور أي قرار من مجلس الأمن يدين النظام السوري ، واستخدامها للقوة العسكرية المباشرة في سوريا ، لاستعراض القوة وإثبات الذات ، دون أن تلقى أية مقاومة لمنعها القيام بهذا الأمر لا على صعيد الأممالمتحدة ولا من طرف القوى الكبرى الفاعلة على المستوى الدولي . وفقا لهذه التوازنات الجديدة على صعيد العلاقات الدولية يتبين أن مجلس الأمن لم يعد كجهاز قادر على أن يتحمل مسؤوليته في تدبير النزاع السوري ، وأضحى مؤسسة مشلولة تماما وغدت الدول الدائمة العضوية فيه تعمل خارجه ، وتتعاطى كل واحدة حسب منظورها الخاص وما تقتضيه مصلحتها في النزاع السوري دون مراعاة لا للقانون الدولي ولا للوضع الإنساني في سوريا. أمام هذا الواقع يبدو أن الأمور في سوريا لن تعالج ولن تحسم بهكذا تعاطي -حرب الكل ضد الكل- فلن يزيد إلا حصد المزيد من الضحايا وإغراق مدن في شلالات من الدماء ،تحت حجج وذرائع واهية من مختلف الأطراف المنخرطة في هذا النزاع ،دولا وجماعات وتنظيمات ومليشيات في انتهاك خطير للأعراف والقوانين الدولية ،وهذا سيكرس دون شك حالة من فوضى القوة الموجودة في سوريا والتي امتدت تداعياتها الى المستويين الإقليمي والدولي. أمام هذا الوضع الخطير على السلم ولأمن الدوليين ، وأمام عجز مجلس الأمن عن معالجته للقضية السورية ومخلفاتها يطرح سؤال ما العمل إذن لتطويق هذه الأزمة وما السبيل لإيجاد حل لها ؟ إن الوضع المريب في سوريا يظهر الحاجة الان الى الأممالمتحدة أكثر من أي وقت مضى ،فعليها أن تتحمل مسؤوليتها من موقعها كمنظمة دولية تضم جميع الدول في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، فالأممالمتحدة ليست فقط هي مجلس الأمن فالجمعية العامة أيضا بإمكانها أن تلعب دورا حاسما في استتباب الامن و الاستقرار على المستوى الدولي واستعادة السلم وصيانته . وعليه فإن المدخل الوحيد والمتاح في هذا الصدد هو إمكانية تفعيل و إعادة العمل بتوصية أتشيسون (377) - الإتحاد من أجل السلام - والتي تنص على " أنه في حالة فشل مجلس الأمن الحفاظ على السلم والأمن بسبب غياب الإجماع بين الأعضاء الدائمين ، وفي حالة وجود تهديد للسلم أو عمل من أعمال العدوان تتخذ الجمعية العامة على الفور تدابير لصون هذا السلم ، من خلال تقديمها توصيات للدول الأعضاء من أجل اتخاذ تدابير جماعية ،بما في ذلك استخدام القوة المسلحة عند الضرورة للحفاظ على السلم و الأمن الدوليين أو استعادتهما ". إذن من خلال الارتكاز على توصية أتشيسون يمكن للجمعية العامة أن تأمر الدول الأعضاء بوقف جميع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والمواصلات ووسائل الاتصال (كما تنص على ذلك توصية أتشيسون) مع النظام السوري ، كما يمكنها أن توصي إلزاما الدول التي تقصف الأراضي السورية بالتوقف الفوري عن هذه الأعمال ، باعتبارها تشكل أعمالا عدائية ضد سوريا ، والكف أيضا عن دعم الأطراف المتصارعة بالأسلحة ، كما يحق للجمعية العامة –حسب توصية أتشيسون- أن تطلب من أعضاء الأممالمتحدة اتخاذ تدابير جماعية بما في ذلك استخدام القوة المسلحة ضد الأطراف السورية التي تدفع في اتجاه تهديد السلم والأمن الدولي ، سواء منها الجماعات المسلحة أو النظام السوري الذي يقوده بشار الأسد. إن دعم هذا الجانب أو ذاك ( النظام - المعارضة) ،باعتباره صاحب الشرعية ، من طرف القوى الكبرى أو من طرف الأممالمتحدة ، سواء أكان دعما سياسيا أو عسكريا لن يفضي الى حل الأزمة السورية ، ومن ثمة يستدعي الأمر من الأممالمتحدة الالتزام بالحياد والتعاطي مع المشكل في شموليته كونه يشكل خطرا على السلم والأمن الدولي ، دون الانحياز الى أي جهة من الأطراف المتصارعة ، فاتخاذ إجراءات رادعة بموافقة أغلبية أعضاء الجمعية في إطار توصية اتشيسون ضد كل من يحمل السلاح ويشكل خطرا على السلم والأمن الدولي بإمكانه استتباب الأمن والاستقرار في سوريا هذا كخطوة أولى. وكخطوة ثانية يتم وبشكل فوري تدخلا إنسانيا متزامنا مع الإجراءات أو التدابير الجماعية التي يمكن أن تتخذها الجمعية العامة لإيصال المساعدات الإنسانية - الغدائية والطبية -الى المدنيين السوريين تحت إشراف الأممالمتحدة وبتنسيق مع المنظمات الدولية غير الحكومية المتخصصة في هذا المجال. أما الخطوة الثالثة ، فبعد اتخاذ التدابير الجماعية ويستتب الأمن في سوريا ، تستدعى الأطراف المخرطة في الصراع لإجراء عملية تسوية سياسية شاملة تحت إشراف الأممالمتحدة سواء على أساس وثيقتي جنيف الأولى والثانية ، أو بناء على اتفاق جديد يتم بين القوى الفاعلة في سوريا و يكون جوهره متمحورا حول النقاط الأساسية التالية : - إجراء المصالحة بين كافة الأطراف المتصارعة - عودة اللاجئين والمهجرين - إطلاق سراح المعتقلين بسبب الأحداث الراهنة - إخلاء المدن والقرى والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة وتجميع السلاح وتسريح المقاتلين. - إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وتشكيل حكومة جديدة على أساس دستور جديد ، يتم الاتفاق عليه بين جميع القوى السورية ، وبمساعدة الأممالمتحدة التي عليها أن تشكل عملية لحفظ السلام في سوريا لتشرف على العملية الانتقالية ككل في هذا البلد. وكخطوة رابعة و أخيرة يعقد مؤتمر دولي تحت إشراف الأممالمتحدة يتم في إطاره التقرير في كيفية إعادة تأهيل البنية التحتية والاقتصادية السورية وجمع الدعم المالي لذلك. دون اتخاذ المجتمع الدولي لمثل هكذا إجراءات وتدابير سينحو الوضع في سوريا اتجاها أكثر تأزما ، وسيحصد المزيد من الضحايا وتدمر مدن و قرى أخرى ، وسيزداد عدد اللاجئين وسيشهد القانون الدولي انتهاكات في أبشع صورها ويصبح السلم والأمن الدوليين في خطر أكثر من أي وقت مضى . المراجع المعتمدة : - توصية الجمعية العامة3314 الصادرة في 14 دجنبر 1974A/RES/3314 (1947). -توصية الجمعية العامة 377 الصادرة في 3 نونبر 1950. A/RES/377(1950) -قرار مجلس الأمن 2118 الصادر في 27 شتنبر 2013. S/RES/2118(2013) -قرار مجلس الأمن 2191 الصادر في 17 دجنبر 2014.S/RES/2191(2014) -قرار مجلس الأمن 2178 الصادر في 24 شتنبر 2014. S/RES/2178(2014) -قرار مجلس الأمن 2235 الصادر في 7 غشت 2015. S/RES/2235(2015) -قرار مجلس الأمن 2139 الصادر في 22 فبراير 2014. S/RES/2139(2014) -الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة www.un.org/ar - الموقع الإلكتروني لمنظمة العفو الدوليةwww.amnesty.org - الموقع الإلكتروني للمرصد السوري لحقوق الإنسان www.syriahro.org - ميثاق الأممالمتحدة -اتفاقيات جنيف لسنة 1949. *دكتور في العلاقات الدولية والقانون الدولي