تابع معظم المغاربة انتخابات مجلس المستشارين بتاريخ 2 أكتوبر 2015، وهي آخر محطة من المسلسل الانتخابي الذي انطلق بتاريخ 4 غشت لانتخاب ممثلي المأجورين والغرف المهنية، واستمر بعدها لانتخاب أعضاء الجماعات الترابية والجهات، ثم مجالس العمالات والأقاليم. وللإشارة فإن مجلس المستشارين يضم في تركيبته أعضاء ينتخبون بشكل غير مباشر يمثلون مختلف هذه المؤسسات المنتخبة إضافة إلى ثمانية أعضاء يمثلون نقابة المشغلين لأول مرة في تاريخ المغرب. وقد جرت هذه الانتخابات في ظل ترسانة قانونية جديدة قلصت عدد أعضاء المجلس إلى 120 عضوا فقط عوض 270 في السابق، وأدخلت بعض التغييرات في تركيبته. وأخيرا، وهذا ما يهمنا في هذه المقالة، اشترط القانون التنظيمي للمجلس المناصفة بين النساء والرجال في لوائح الترشيح كشرط لقبول الترشيحات، وذلك في المادة 24 منه "يجب أن لا تتضمن كل لائحة من لوائح الترشيح اسمين متتابعين لمترشحين اثنين من نفس الجنس". وذلك تحت طائلة عدم القبول، حيث نصت المادة 26 منه على "لا تقبل الترشيحات ولوائح الترشيح المودعة خلافا لأحكام المادتين 24 و 25". للتذكير، فإن هذا القانون التنظيمي هو الوحيد الذي يتضمن المناصفة في الترشيحات بين النساء والرجال كما طالبت بذلك مذكرات الجمعيات النسائية. فكيف يمكن تفسير هذا التناقض في المدخلات (المناصفة في الترشيحات) مع المخرجات (العشر في النتائج)؟ تذهب بعض التحليلات إلى إلقاء اللوم على العقلية الذكورية التي لم ترق بعد إلى القبول بالمرأة في الحقل السياسي، وممارسة كافة حقوقها السياسية كالرجل، وللإشارة فإن هذا التحليل وإن كان له نصيب من الصحة في تحليل ضعف المشاركة السياسية للنساء في مختلف المؤسسات المنتخبة بشكل عام، فإن ادعاؤه في تحليل نتائج تمثيلية النساء بمجلس المستشارين يفتقر إلى أدنى الشروط الموضوعية للإقرار به كمعطى مفسر لضعف مخرجات الانتخابات غير المباشرة للمجلس. وذلك لمجموعة من الاسباب منها: 1- أن التصويت كان على اللائحة وليس على الأفراد، وكل هذه اللوائح تتضمن المناصفة بالتتالي بين النساء والرجال، احتل الرجال في أغلبها رأس اللائحة. ما يعني أن لائحة الترشيح التي فازت بمقعدين سيؤول أحدهما بشكل أوتوماتيكي للنساء. 2- أن الأمر يتعلق بانتخاب غير مباشر لمؤسسة تشريعية، ما يفترض أن كل حزب سياسي سيجند أعضاءه الفائزين في الجماعات الترابية ومجالس العمالات والأقاليم، أو في الجهات للتصويت على لائحته في مجلس المستشارين، وهو ما يجعل التصويت سياسيا على لائحة تتضمن المناصفة في الترشيحات. لهذين الاعتبارين تبدو فرضية ضعف النساء في المؤسسة التشريعية راجعة للعقلية الذكورية ضعيفة، لكون نمط الاقتراع اللائحي الذي يتضمن المناصفة أرقى الأساليب التقنية التي اعتمدتها دول كثيرة، منها الاسكندينافية أساسا التي بلغت فيها النساء نسبا اقتربت من المناصفة، فكيف يمكن تفسير استعمال نفس الآلية دون الحصول على نفس النتائج في الحالة المغربية. إحدى الأجوبة التي يمكن أن تكون مفتاحا لفهم هذا التناقض في المخرجات، هو الاختلاف الكبير بيننا وبينهم في طبيعة "التعددية الحزبية"، فإذا كان هناك في الدول الديمقراطية ثنائية حزبية واضحة أو ثنائية قطبية بفعل ارتفاع نسبة العتبة التي تبلغ 10% كمتوسط، فإن نظام العتبة المعمول به في المغرب لا يسعف في التوجه نحو ثنائية قطبية على الأقل، كونها تبلغ 6% فقط من جهة. ومن جهة أخرى وجود نظام حزبي مبلقن (35 حزب) لا يسمح ببروز حزبين أو ثلاث مهيمنة على 80% من المقاعد على الأقل، إذ تشير المعطيات إلى وجود ثمان أحزاب سياسية أساسية بالمغرب. إضافة إلى مشكل التعددية والعتبة التي تفرز البلقنة، يبرز مشكل ضيق "صغر" الدوائر الانتخابية، إذ لا تتعدى ستة مقاعد في أكبر الدوائر (الدارالبيضاءسطات)، ما يعني أن الأحزاب المتنافسة فيها لا تظفر إلا بمقعد واحد على الأغلب لكل حزب، مع وجود استثناء واحد ( فازت امرأتين فقط من جهة البيضاءسطات عن ممثلي الجماعات المحلية والعمالات من مجموع 48 منتخبا أي بنسبة لا تبلغ 5%، بينما لم تفز أية امرأة عن الجهات التي يبلغ عدد مقاعدها 24 مقعدا، (مقعدين لكل جهة) أي بنسبة 0%)). في ظل هذه التعددية المبلقنة حيث تتنافس في دائرة انتخابية أكثر من 6 لوائح حزبية على 4 مقاعد في المتوسط لكل جهة، وفي ظل ترأس الرجال لجميع لوائح الأحزاب التي فازت، فإن النتيجة الأكيدة هي ضعف التمثيلية النسائية بالرغم من اعتماد آلية انتخابية تفرض المناصفة في الترشيحات. وما يزكي هذا المعطى هو أن النساء فزن بثمان مقاعد من مجموع 20 مقعدا المخصصة للنقابات أي بنسبة بلغت 40%. لأنه لم تكن هناك دوائر انتخابية، بل كانت لائحة واحدة على الصعيد الوطني لكل تنظيم نقابي. ورغم ذلك فإن ثلاث نقابات دخلت لمجلس المستشارين بدون نساء، وهي: (الفيدرالية الديمقراطية للشغل والمنظمة الديمقراطية للشغل والنقابة الوطنية الديمقراطية). كما بلغت نسبة تمثيلية النساء في غرفة الفلاحة حوالي 43%، (ثلاث نساء من أصل سبعة أعضاء) بينما لم تفز أي امرأة في باقي الغرف الأخرى، وهو ما يمكن تفسيره بالمعطى السوسيومهني، حيث النساء تمثل كتلة مهمة في الجسم الفلاحي. تفيد هذه المعطيات أن الحلول التقنية المعتمدة لحل إشكال التمثيلية السياسية للنساء كإشكال ثقافي وسياسي، لا تؤتي أكلها إلا في بيئة حاضنة تتوفر على عناصر جوهرية سياسية تسمح بتفعيل هذه الآليات التقنية (نظام العتبة، التعددية الحزبية، حجم الدوائر الانتخابية...) بغض النظر عن المعطى الثقافي (العقلية الذكورية المفترى عليها في هذه الحالة). إن نتائج مجلس المستشارين في شقها النسائي لا ينبغي قراءتها كنتيجة للعقلية الذكورية، بل هي نتيجة عدم الاهتمام الكافي -من لدن الحركة النسائية وباقي المتدخلين- بقراءة الواقع السياسي المغربي المحتضن لهذه الآليات، واهتمامها بشكل كبير بالنجاحات التي حققتها نفس الآلية (المناصفة في الترشيحات) في دول أخرى، تنعدم فيها بشكل كبير شروط القابلية للمقارنة مع نظامنا السياسي والحزبي. فبالفعل تستحق نتائج مجلس المستشارين قراءة متأنية في علاقتها بالعناصر السياسية المشار لها سلفا، وليس فقط بالتهمة الجاهزة "العقلية الذكورية". ختاما، لا يمكن فصل قضية التمثيلية السياسية للنساء عن قضية الديمقراطية بشكل عام، إذ لا يمكن تشجيع تمثيلية النساء والشباب بالشكل الكافي في ظل استمرار المعطيات السياسية والثقافية السابقة، وهو ما يقتضي معالجتها من جهة. ومن جهة أخرى آن الأوان لفتح نقاش عمومي وسياسي حول الانتدابات الانتخابية التي تبقى غير محصورة في المغرب. إذ لا يعقل أن تحصر جميع المؤسسات العمومية والأحزاب السياسية في القوانين المنظمة لها الانتدابات في ولاية واحدة، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، في الوقت الذي لا يحصر القانون عدد هذه الانتدابات بالنسبة للمنتخبين في المؤسسات المنتخبة وطنيا ومحليا، إذ أن حصرها في ولايتين كحد أقصى فقط سيسمح للشباب والنساء بالحصول على انتداب انتخابي بشكل أكبر في هذه المؤسسات. وهو ورش ينبغي على مختلف الفاعلين من شبيبات حزبية وقطاعات نسائية وجمعيات شبابية وحقوقية ونسائية النضال من أجل تحقيقه. *باحث في القانون الدستوري وعلم السياسية- متخصص في الحركة النسائية [email protected]