سنتناول في هذا المقال كلا من النظام القانوني للخدمة بعد البيع و المساطر الواجب سلوكها للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي قد تلحق بالمستهلك، و ذلك استنادا للمقتضيات التي نص عليها قانون حماية المستهلك المغربي، و الذي جاء تتويجا لجهود مجموعة من الفاعلين الحقوقيين و بعض جمعيات المجتمع المدني الناشطة في مجال حماية المستهلك، و سنركز أساسا على محورين، أولهما يتعلق بحق الخدمة بعد البيع، و الثاني يتعلق بنوعية المساطر الواجب سلوكها من المستهلك للمطالبة بالتعويض عن الاضرار التي ق تلحقه بعد التعاقد. النظام القانوني للخدمة بعد البيع نظم المشرع المغربي أحكام الخدمة بعد البيع بمقتضى الباب الثالث من القسم الخامس من قانون31.08 و ذلك وفقا لمقتضيات المادتين 69 و 70 منه، و الملاحظ أن اقتصار المشرع على تخصيص مادتين فريدتين لتنظيم شروط الخدمة بعد البيع يشكل نوعا من الإهمال مادامت الثقافة الاستهلاكية في الدول الصناعية تعتبر الخدمة بعد البيع من المعايير الاساسية لاعتبار جودة المنتج و مصداقيته. و لقد عرف المشرع المغربي الخدمة بعد البيع بأنها ( العقد الذي تحدد فيه جميع الخدمات التي يلتزم بتقديمها مورد سلعة أو منتوج سواء أكان ذلك بعوض او بالمجان) و الواقع أن هذا التعريف شامل لكل أنواع الخدمة سواء منها تلك المتداولة حاليا او لك التي يمكن ان تستجد لاحقا، و عن كان المشرع المغربي أورد بعض الامثلة على انواع الخدمة و التي ينبغي أن لا ينظر غليها كانها وردت على سبيل الحصر، و هي أولا/ تسليم السلع أو المنتوج المبيع بالمنازل يعد التزام البائع بتسليم الشيء المبيع الالتزام الأكثر اهمية من بين التزاماته الاخرى هذا الالتزام و تطبيقاته المتعددة منصوص عليه في المواد من 30 حتى 35 من اتفاقية فيينا للبيع الدولي للمنقولات العينية، أما النظام القانوني المطبق على البائع في حالة الاخلال بالتزاماته بتسليم المبيع فتم تنظيمه بمقتضى المواد 45 إلى 52 من نفس الاتفاقية. و يقصد بالتسليم وضع الشيء المبيع تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته و الاستفادة منه دون عائق، و قد عرف المشرع المغربي عقد البيع في الفصل 478 ق ل ع بأنه(عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الأخير بدفعه له )، ونقل الملكية من البائع إلى المشتري يعد من أهم الخصائص المميزة لعقد البيع، حتى أن هناك من يسميه بالعقد الناقل للملكية. وإذا كانت هذه الخاصية محل إجماع فقهي وتشريعي في الوقت الحاضر، فإن الأمر لم يكن كذلك في التشريعات القديمة كالقانون الروماني والقانون الفرنسي القديم حيث لم يكن البيع ناقلا للملكية ولا منشأ للالتزام بنقلها. كل ما كان من أثر البيع اتجاه البائع هو أن يرتب في ذمة هذا الأخير التزاما بتمكين المشتري من وضع يده على المبيع دون مانع، أما نقل الملكية إلى المشتري فكان يتم نتيجة إتباع إجراءات شكلية معينة مستقلة عن عقد البيع هي الإشهاد أو التنازل القضائي أو التسليم. ويدخل عقد البيع ضمن دائرة العقود الملزمة للجانبين. فهو ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من البائع والمشتري، فيصبح كل منهما دائنا ومدينا اتجاه الآخر وهكذا يلتزم البائع بنقل ملكية المبيع وتسليمه للمشتري، في مقابل التزام هذا الأخير بدفع ثمنه نقدا. و من البديهي ان الالتزام بتسليم المبيع بالمنازل ينصب على المنقول الذي تنتقل حيازته بالمناولة المباشرة التي تؤدي إلى الحيازة الفعلية للشيء المبيع. و قد عرف التقنين المدني الفرنسي التسليم من خلال المادة 1604 بأنه ( نقل الشيء المبيع إلى سلطة و حيازة المشتري) و إن كان جانب من الفقه و القضاء الفرنسي يرى أن التسليم لا ينقل إلا الحيازة بمفهومها المادي و ليس بالمفهوم القانوني أي انه يضع الشيء تحت تصرف المشتري. و قد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن الالتزام بالتسليم لا يعني فقط تسليم الشيء المبيع و لكن تسليم شيء مطابق لما خصص له ( قرار 30 مارس 1981 و ايضا قرار 8 نونبر 1988) كما قضت نفس المحكمة أن التسليم يفرض على البائع ان يسلم شيئا يطابق تماما رغبة المشتري و احتياجاته و الغرض الذي يهدف إليه ( قرار 20 مارس 1989). ثانيا/ الالتزام بالصيانة و التركيب و الإصلاح ويقدم البائع هذا النوع من الضمان حتى يزول تردد المشتري وتخوفه من احتمال فشل هذه المنتجات في الأداء، وتزداد أهمية هذا النوع من الضمان نظراً لعدم مقدرة المشتري على التعرف على خصائص السلعة، احتمال وجود عيوب فيها، نتيجة لكون السلعة تباع مغلفة، أو لأن القيام بفحصها لا يتم إلا عن طريق تحليل كيميائي أو اختبار فني لا يتمكن منه المشتري. و يقع الالتزام بالصيانة غالبا على المنتجات التقنية التي تتطلب تغيير و تجديد بعض قطع الغيار، في حين يقع الالتزام بالتركيب على الالات التقنية التي تستلزم نوعا من المجهود المركب لجمع و إرساء دعائمها حتى تصبح قابلة للاشتغال السليم وفق المخطط المبدئي لها. و يعرف جانب من الفقه الفرنسي الالتزام بالصيانة بأنه التزام يقع على البائع يتعهد بمقتضاه بإصلاح أي عطل او تلف يعوق تأدية المنتجات لوظيفتها و يكون مجانا. و يرى بعض الفقه الفرنسي أن الالتزام بالصيانة يجد اساسه في مبدا حسن النية في تنفيذ العقد المنصوص عليه في المادة 1134 من التقنين المدني الفرنسي أما الفقه المصري فيذهب إلى اعتبار الاساس الذي يقوم عليه الالتزام بالصيانة هو ضمان السلامة الملقى على كاهل البائع، و كمثال على بعض تطبيقات هذا الالتزام الأخير نشير إلى تواتر الأحكام القضائية في فرنسا و المغرب بخصوص تعويض المتضرر من انفجار قنينة الغاز نتيجة كثرة التداول و قلة الصيانة. و يرى جانب آخر من الفقه ان الالتزام بالصيانة يجد اساسه في الالتزام بالضمان القانوني للعيوب الخفية، لكن جانبا آخر يرى أن حق المستهلك في الضمان لا يترتب عنه سوى المطالبة بفسخ العقد أو إنقاص الثمن و لا يترتب عنه إلزام البائع بالصيانة لأنه يشكل مطالبة بالتنفيذ العيني. و يذهب اتجاه آخر في الفقه الفرنسي على إقامة الالتزام بالصيانة على اساس المادة 1135 من التقنين المدني الفرنسي التي تنص على ( لا يقتصر العقد على غلزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب و لكن أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون و العرف و العادة بحسب طبيعة الالتزام) و يرى البعض أن اساس هذا الالتزام هو شرط الضمان الاتفاقي بين المورد و المستهلك. و الراجع هو ما استقر عليه بعض الفقه من إقامة الالتزام بالصيانة على اساس الالتزام بالتسليم و ذلك لأن المورد لا يكون قد استكمل إجراءات التسليم إلا بتركيب الجهاز و تشغيله و صيانته. و يذهب الفقه الفرنسي إلى وجوب مباشرة المورد للصيانة الوقائية للمنتج عن طريق الفحص الدوري المنتظم لتوقي وقوع أي خلل في المستقبل. كما ان المورد ملزم بالتدخل السريع للصيانة تحت طائلة إمكانية فسخ العقد من طرف المستهلك، و في هذا السياق قضت محكمة الاستيناف باريس بتاريخ 12 نونبر 1998 بأن ( طلب فسخ العقد من جانب المستهلك يكون مسوغا فيما يتعلق بصيانة هاتف حديث غير المستهلك منزله و لم يكن المورد قادرا على التدخل السريع لتركيب الجهاز و صيانته). أما الالتزام بالإصلاح فهو يقع على الحالات التي تتعطل فيها المنتجات التقنية بسبب لا يعود لعيب فيها ن كأن يكون ذلك ناتجا عن الخطا في الاستعمال من طرف المستهلك أو لأسباب خارجية أخرى. و يرى الفقه الفرنسي أن للمستهلك حق الرجوع على المورد المباشر أو الموزع أو الصانع من أجل إلزامهم بالصيانة و إن كان الخلاف قائما حول اساس هذا الرجوع على الصانع بين قائل بفكرة النيابة عن الموزع و بين قائل بأن ذلك يكون بناء على فكرة الاشتراط لمصلحة الغير. و يجمع الفقه عموما على انتقال مجموع هذه الحقوق من المستهلك الدائن إلى الخلف الخاص و العام على خلاف حول الاساس القانوني لهذا الانتقال بين من يرى أنه يقوم على فكرة الاشتراط لمصلحة الغير و بين من يقول بأن ذلك يتم في إطار ملحقات العقد ما لم يرد شرط صريح في العقد يمنع انتقال هذه الحقوق إلى المالك الجديد. و تختلف الخدمة بعد البيع عن الضمان القانوني و إن اقتضى الحال عن الضمان التعاقدي بصريح الفقرة الثانية من المادة 69 من قانون 31.08 و إذا ابرم عقد مستقل بمناسبة الخدمة عن بعد يجب ان يتضمن حقوق المستهلك بحروف بارزة وفقا لمقتضيات المادة 70 من نفس القانون. المساطر الواجب سلوكها للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي قد تلحق بالمستهلك يمكن للمستهلك أن يمارس الدعاوى التي تكفلها له القواعد العامة و خاصة منها تلك المستندة لمقتضيات قانون الالتزامات و العقود و المتعلقة إما بإتمام البيع أو المطالبة بالفسخ القضائي او التعويض عن الضرر و كذلك الدعاوى التي تستند على عيب من عيوب الرضا كالغبن أو التدليس او الغلط او غيرها من الاسباب التي تجد أساسها في النظرية العامة للالتزامات عموما بغض النظر عن خصوصية العلاقة بين المورد و المستهلك التي ينظمها نص خاص قد يكون في الغالب في مصلحة المستهلك. و الملاحظ أن القواعد العامة المشار غليها في الفقرة السابقة تتقارب بين كثير من التشريعات بحيث إننا نجد مثلا أن الاحكام المنظمة لحق المشتري في الرجوع على البائع إما لإجباره على التنفيذ او للفسخ أو للتعويض تتقارب بين كل من المشرع المغربي و التشريعات الفرنسية و المصرية و ألجزائرية، و إن كان الخلاف الفقهي قائما بين من يرى بأن المستهلك و إن كان يملك الخيار بين سلوك إحدى الدعاوى المتروكة لخياره فإنه يعد متنازلا عن باقي الدعاوى بمجرد الاختيار، فإذا سلك دعوى إتمام لبيع و الإجبار على التنفيذ سقط حقه في المطالبة بالفسخ و إذا سلك دعوى الفسخ سقط حقه في دعوى التنفيذ، و إن كان بعض الفقه يرى أنه لا مانع من سلوك دعوى الفسخ بعد تعذر التنفيذ. و يرى جانب من الفقه الفرنسي أن المستهلك له الخيار بين سلوك دعوى الفسخ أو التنفيذ و لو تضمن العقد المبرم بينه و بين المورد شرطا فاسخا في حالة عدم تنفيذ المورد لالتزاماته بالبيع و التسليم ،لأن القول بعدم إمكانية سلوك دعوى التنفيذ هنا من شأنه منح المورد الحرية الكاملة في إنهاء العقد. هذا و قد تناول قانون 08.31 الدعاوى المخولة لجمعيات المستهلك بكافة اصنافها إمكانية رفع دعاوى اصلية أو الانضمام غليها او الانتصاب كطرف مدني في مختلف مراحل المسطرة سواء لدى قاضي التحقيق أو القضاء الجنحي. و يمكن للمستهلك ان يستفيد من حق الإمهال فيما يخص القروض البنكية إذا تعذر عليه لظروف طارئة الوفاء بإقساط الدين و ذلك بطلب يتقدم به على قاضي المستعجلات الذي خول له قانون حماية المستهلك سلطات واسعة في هذا الشأن. و خلاصة القول ان المشرع المغربي لم يقتصر فقط على حماية المستهلك قبل و اثناء إبرام العقد من الشروط التعسفية و من كل الأضرار التي يمكن أن تلحق به باعتباره طرفا ضعيفا، بل إن هذه الحماية تجد تطبيقا لها كذلك في كل مراحل تنفيذ العقد، سواء بإعمال الضمانات القانونية و الاتفاقية ، أو بالخدمة بعد البيع، أو بالدعاوى القضائية التي كفل المشرع للمستهلك إمكانية سلوكها للمطالبة بالتعويض عن الضرر. *محام بهيئة الدارالبيضاء ، باحث جامعي