2/2 ملحوظة لا بد منها ، قد لا تكون عند كثير من أعضاء الحزب أدنى فكرة عما 1ثيره في مقالتي هذه ولا 1ي استعداد للتشبع بها في الوقت الراهن ، لكن لا ينفي هذا أن تتحول القوة العددية والجماهيرية إلى قوة ضاغطة ذات تأثير على قيادة الحزب أو العكس، مادام الحزب يتفاعل مع الفتاوى الفقهية . فقد يحدث أن يصدر أحد فقهاء الحزب ومنظروه فتوى معينة قد تغير مسار الحزب وتقوي أطماعه في السلطة والهيمنة .ولعل تجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية مباشرة بعد فوزها في الانتخابات سنة 1991 خير مثال على تغيير المواقف وسرعة تغيير القناعات . من هنا انصح قيادة حزب العدالة والتنمية وعموم أعضائه بحسن الإصغاء. فبعد أن رأينا كيف أن الحزب يؤسس وجوده على الشرعية الدينية وينازع الملك فيها ، نتطرق ، في هذه المقالة إلى المصدر الثاني للشرعية التي اكتسبها الحزب في الانتخابات والتي يمكنه تكريسها وتقويتها في الانتخابات على المدى المنظور . المصدر الثاني للتغول : الشرعية الشعبية/الديمقراطية. فكلما اتسعت القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية كلما حقق مزيدا من التمثيلية في المجالس المنتخبة محليا ، جهويا ووطنيا . وهذا التمدد التمثيلي للحزب يوفر له شرعية شعبية وديمقراطية سرعان ما تتحول إلى سلطة بيد الحزب يمارس بواسطتها الضغط والابتزاز في تعامله مع الدولة والنظام وباقي الفرقاء السياسيين. وسبق للحزب أن مارس الابتزاز في محطات مفصلية أبرزها تعديل الدستور ، تشكيل الحكومة وتعيين رئيسها، وقبلهما تعديل مدونة الأسرة. طبعا الحزب مارس هذا الابتزاز وهو لا يهيمن على المؤسسات المنتخبة ، فكيف هو فاعل حين يكتسح معظم المجالس محليا ، جهويا فضلا عن البرلمان بغرفتيه ؟ وما يسند تحليلي هذا مواقف أعلن عنها الحزب نفسه وهدد بها أعضاؤه ، فضلا عن الإمكانات التي يعطيها الدستور لرئيس الحكومة ( الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها ، حل البرلمان ، تعديل الدستور ) . بخصوص المواقف التي صدرت وتصدر عن قيادة الحزب يمكن الإشارة على سبيل الذكر لا الحصر إلى: 1/ صدرت عن قيادة الحزب تهديدات مباشرة بالنزول إلى الشارع والالتحاق بحركة 20 فبراير في حالة لم ينص الدستور على إسلامية الدولة وسمو التشريع الإسلامي .وكذلك كان حين انحنت الدولة/النظام وشطبت على عبارة حرية الاعتقاد من مسودة الدستور في آخر لحظة . ب / تهديد قيادة الحزب في حالة لم يعين الملك السيد بنكيران الذي هو أمين عام الحزب ، رئيسا للحكومة مباشرة بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011 . ج / تهديد أعضاء الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بالدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها بسبب استيائهم من تصرف حزب التجمع الوطني للأحرار ، الذي طمح إلى رئاسة عدد من الجهات والجماعات، دون التقيد بما تم الاتفاق عليه داخل الأغلبية الحكومية ، بحيث تؤول الرئاسة إلى الحزب الذي حصل على المرتبة الأولى. فالدستور في فصله 104 ينص على التالي ( يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس، ورئيس المحكمة الدستورية، بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري). البعد السياسي والدستوري لتغول البيجيدي. على الرغم من الصعوبات التي يضعها نظام الاقتراع أمام الأحزاب حتى لا يفوز أي منها بالأغلبية البرلمانية ، فإن النتائج التي حققها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية والجهوية تجعل إمكانية اكتساحه للانتخابات البرلمانية واردة ؛ الأمر الذي سيتهدد الاستقرار السياسي للمغرب . ويمكن استحضار مثالين هما من الخطورة بمكان . المثال الأول : تعديل جوهري للدستور ، بحيث يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يتخذ المبادرة ويدعو إلى مراجعة جذرية للدستور وفق ما ينص عليه الفصل 172 منه (= الدستور) (للملك ولرئيس الحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين، حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور). وفي هذه الحالة ، ستنصب التعديلات على تقليص صلاحيات الملك إلى الحدود الدنيا ، وفي المقابل ، تقوية صلاحيات رئيس الحكومة . صحيح أن الحزب اليوم يرفع شعار "الملك يسود ويحكم" ، لكن بعد التغول لا شيء يضمن استمرار التمسك بالشعار ذاته ، خصوصا وأن الأحزاب الدينية تبني مواقفها على الفتاوى الشرعية وليس على القناعات السياسية ( السلفيون في مصر ظلوا يكفرون الديمقراطية ويحرمون التحزب ، لكن ، في ليلة واحدة ، شكلوا أحزابا وشاركوا في الانتخابات ودخلوا المؤسسات التشريعية التي ظلوا يعدونها مؤسسات شركية . كل هذا التغير جاء بناء على فتوى فقهية ) . المثال الثاني : وضع قوانين تكرس هيمنة الحزب على الدولة والمؤسسات، وتشريعات تخدم مشروع أسلمة المجتمع ؛ ولعل تجربة مسودة القانون الجنائي كفيلة بتنبيه الغافلين إلى ما يمكن الإقدام عليه من خطوات واتخاذه من إجراءات (منع الاختلاط في كل الأماكن العمومية ، تشكيل شرطة الأخلاق في الشوارع ، فرض الحجاب ، السماح بالتعدد دون قيود ، السماح بزواج القاصرات ، جعل الطلاق بيد الزوج وحده ، إغلاق الحانات ومنع بيع الخمور ..) . وفي حالة عرض الحزب هذه القرارات للاستفتاء سيكون مطمئنا وواثقا من الفوز . قد يستبعد كثيرون احتمال تغول حزب العدالة والتنمية ولجوئه إلى الاستفراد بالسلطة والقرار ، لكن تجربة إخوان مصر وانفرادهم بوضع الدستور والتحكم في تشكيل لجنة صياغته من شأنها أن تنبه المشككين إلى أن الاستبداد هو من طبيعة تنظيمات الإسلام السياسي في تعاملها مع المجتمع وباقي الأطراف السياسية في كل التجارب ، بدءا من تجربة الخميني ثم حسن الترابي فتجربة مرسي .